زيارة شي إلى روسيا.. أقل من تحالف وأكبر من صداقة
"نحن في صف إحلال السلام والحوار"، رسائل حملها الزعيم الصيني خلال رحلته إلى روسيا، كشفت عن أن بكين دخلت مرحلة جديدة من التأثير في محيطها الإقليمي والدولي.
تلك الرسائل أكد عليها الرئيس الصيني خلال لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اليوم الثاني من رحلته إلى موسكو والتي تمتد ثلاثة أيام، ويأمل من خلالها شي جين بينغ، إلى إيجاد ثغرة في الأزمة الأوكرانية، لإحلال السلام الغائب عن البلد الأوراسي منذ أكثر من عام.
فبخطة الـ12 نقطة، وبحديث في الكرملين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسعى الرئيس شي إلى تكرار سيناريو الاتفاق السعودي الإيراني، مما يسهم في تعزيز صورة بكين كصانع للسلام في العالم الجديد الذي بدأت ملامحه تتشكل، بعد الأزمة الأوكرانية التي أصابت النظام العالم بالتصدع.
فهل ينجح الرئيس شي؟
دعا الرئيس الصيني نظيره الروسي الذي وصفه بـ"صديقه العزيز"، إلى زيارة الصين، في عرض آخر لدعم موسكو، بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية الصادر قبل أيام بتوقيف بوتين، على خلفية مزاعم بارتكاب "جرائم حرب".
وكانت بكين وصفت أول رحلة للرئيس الصيني إلى روسيا منذ حرب أوكرانيا، بأنها مهمة سلام لكنها لم تشر بعد إلى ما إذا كانت مكالمة رسمية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ستجرى أيضًا، وسط ترجيحات بإجرائها بعد انتهاء زيارة شي.
وعقدت اليوم في قصر الكرملين الكبير في العاصمة الروسية مباحثات القمة بين بوتين وشي، وجرت على مرحلتين؛ الأولى في إطار اجتماع مغلق وضيق بين الزعيمين، فيما الثانية جرت في إطار اجتماع موسع بمشاركة وفدي البلدين.
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ لنظيره الروسي فلاديمير بوتين اليوم الثلاثاء إن الصين وروسيا ينبغي لهما العمل بشكل أوثق لمواصلة "تعاون عملي" أكبر، مضيفًا: "يمكن رؤية الحصاد المبكر لتعاوننا، والتعاون المستقبلي في حالة تقدم".
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ عقب محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبيرة للنظام العالمي.
وأشار إلى أن العلاقات الروسية-الصينية القائمة على شراكة شاملة وتعاون استراتيجي، تدخل عصرا جديدا، مضيفًا: "لقد لخصنا أنا والرئيس بوتين معا نتائج تطور العلاقات الثنائية على مدى السنوات العشر الماضية واتفقنا على أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت العلاقات الثنائية، وهي ذات أهمية حيوية للنظام العالمي الحديث ولمصير البشرية".
كما أشار الرئيس الصيني إلى أن الصين تتمسك بموقف موضوعي وغير متحيز بشأن الأزمة الأوكرانية، وتعمل بنشاط على تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات لحلها.
وفي بيان مشترك، قال الرئيسان إن العلاقات بين روسيا والصين لا تشكل تحالفًا عسكريًا وسياسيًا، متعهدين بتعميق العلاقات بين القوات المسلحة في البلدين.
فيما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن روسيا والصين تعتزمان إنشاء هيئة عمل في مشروع "ممر الملاحة الشمالي"، مشيرًا إلى أن "مجال تعاوننا مع روسيا ينمو باستمرار".
العقوبات الغربية
وأكد الرئيس الروسي، أنه بحث مع نظيره الصيني ملف العقوبات الغربية المفروضة على بلاده، مؤكدًا أن "خطة السلام الصينية المقدمة قد تكون أساسًا للتسوية في أوكرانيا إذا رغبت الدول الغربية وكييف في ذلك (..) الغرب يقاتل في أوكرانيا "حتى آخر جندي أوكراني".
وبحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإنه بالنسبة للزعيم الصيني شي جين بينغ، فإن زيارته الرسمية رفيعة المستوى لروسيا ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين هذا الأسبوع هي فرصة مناسبة لعرض النفوذ الدبلوماسي الصيني المتزايد على المسرح العالمي وطموحها لتحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وأكدت الشبكة الأمريكية، أنه من المفترض أن يؤدي شي "دورًا بناء في تعزيز محادثات السلام" بشأن الحرب في أوكرانيا، مشيرة إلى أن الرئيس شي قال في بيان بعد أن وصل إلى موسكو يوم الإثنين، إن الصين "مستعدة لمواصلة العمل مع روسيا لحماية النظام الدولي بحزم".
يأتي ذلك بعد أيام فقط من تحقيق الصين انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا من خلال التوسط في تقارب مفاجئ بين المملكة العربية السعودية وإيران، مما ساعد البلدين على استعادة العلاقات الدبلوماسية.
وأشارت إلى أن الرئيس شي يسير على حبل دبلوماسي مشدود في موسكو، حيث يسعى إلى تقديم الصين كوسيط سلام محايد مع تعميق العلاقات مع روسيا، دون المزيد من العداء لأوروبا - الشريك التجاري الرئيسي الذي سعت بكين إلى اجتذابه بعيدًا عن الولايات المتحدة.
وفي مقال نُشر في وسائل الإعلام الرسمية الروسية يوم الإثنين، صاغ شي زيارته المرتقبة على أنها "رحلة صداقة وتعاون وسلام"، وتعهد بفتح "فصل جديد" من العلاقات الثنائية، مشيرًا إلى أن الصين "تمسكت طوال الوقت بموقف موضوعي وغير متحيز" بشأن أوكرانيا و"عززت بنشاط محادثات السلام".
وقال بريان هارت، الزميل في مشروع الطاقة الصيني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن شي "يأمل في استخدام هذه الرحلة لتقديم نفسه كرجل دولة وتصوير الصين كقوة عالمية كبرى وقوة حفظ سلام قادرة على تشكيل الأحداث العالمية".
ليس صدفة
وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن توقيت الاجتماع الذي طال انتظاره ليس من قبيل الصدفة، لأنه يسمح للزعيم الصيني بالاستفادة من زخم انتصار بكين الدبلوماسي الأخير في الشرق الأوسط لتشكيل - أو إعطاء مظهر تشكيل - مسار الحرب في أوكرانيا.
لكن الحرب ستكون مهمة أطول من ذلك بكثير، بحسب هارت الذي قال إن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان شي، وإلى أي مدى، يحاول استخدام نفوذه لتشكيل سلوك روسيا في الحرب في المستقبل.
وقبل أيام من الزيارة، قال الجيش الروسي إن بكين وموسكو وإيران أكملت مناورات بحرية ثلاثية في بحر العرب - ما أرسل رسالة تحد قوية للتحالف الغربي.
وتقول "سي إن إن"، إن زيارة الزعيم الصيني والتي تأتي بعد إصدار ورقة خطة "التسوية السياسية" للحرب، هي خطوة من جانب بكين لتعزيز أوراق اعتمادها كوسيط سلام محتمل.
عوائق أمام خطة السلام
قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن أي إطار تقدمه بكين سيكون "من جانب واحد ويعكس فقط المنظور الروسي"، في إشارة إلى رفض أمريكا تلك الخطة.
وأضاف: "روسيا ستكون حرة في استخدام وقف إطلاق النار لترسيخ مواقعها في أوكرانيا فقط لإعادة بناء وتجديد وتحديث قواتها حتى يتمكنوا من استئناف الهجمات على أوكرانيا في الوقت الذي يختارونه".
ويقول الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بريان هارت، إنه من غير المرجح أن يكون لزيارة شي أي تأثير جذري على مسار حرب أوكرانيا، مضيفًا: "لا يبدو أن موسكو ولا كييف على استعداد لتقديم التنازلات اللازمة لإنهاء الحرب، وهذا ليس شيئًا يمكن لبكين تغييره بشكل أساسي".
تلك الرؤية كشف عنها الرئيس الروسي في تصريحاته اليوم الثلاثاء خلال لقائه نظيره الصيني، قائلا إنه لا يرى أي "استعداد" من جانب السلطات الأوكرانية لإيجاد حل للنزاع في أوكرانيا على أساس خطة السلام التي اقترحتها الصين.
وقال بوتين بعد محادثات مع نظيره الصيني شي جين بينغ "نعتقد أن العديد من النقاط الواردة في خطة السلام التي اقترحتها الصين (...) يمكن أن تكون أساسا لتسوية سلمية (للنزاع) عندما يكونون مستعدين لها في الغرب وفي كييف. لكننا لا نرى في الوقت الحالي أي استعداد مماثل من جانبهم".
فيما قال الخبير في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بريان هارت: "قد تكون بكين قادرة على الضغط على بوتين للقيام ببعض الإجراءات التي تؤثر على الحرب (..) يريد شي جين بينغ أن يُظهر للعالم أنه رجل دولة، وأن بكين تريد "لعب دور بناء".
فيما تقول شبكة "إن بي سي" الأمريكية، إن زيارة الدولة التي تستغرق ثلاثة أيام تكشف كيف أن الرئيس شي، على عكس أسلافه، يريد أن يضع نفسه كقائد على مستوى العالم، وأن بلاده تمثل ثقلًا موازنًا للهيمنة الأمريكية الطويلة الأمد.
aXA6IDE4LjExOS4xMzMuMjA2IA== جزيرة ام اند امز