خلال الأسبوع الماضي وأثناء انعقاد جلسات البرلمان "مؤتمر الشعب الوطني" في الصين.
أعلنت خطط لتحقيق المزيد من الاكتفاء الذاتي خاصة في المجال التكنولوجي. ويأتي هذا في ظل القلق من أن رؤية الإدارة الأمريكية هي ضرورة تأمين سلاسل الإمداد الخارجية، وفي الوقت نفسه منع التكنولوجيا الأمريكية عن الصين، وترى أن هيمنة الصين على تكنولوجيات متقدمة حساسة تشكل واحدا من أخطر التهديدات الجيوبولتيكية خلال العقود القليلة المقبلة. أما الرئيس الصيني فهو قلق بدوره من أن الولايات المتحدة ستقطع الطريق أمام استمرار صعود الصين.
وأثناء الانعقاد السنوي للمجلس التشريعي الصيني تمت الموافقة على خطة السنوات الخمس التي تقطع الاعتماد على الغرب في العديد من المكونات الحيوية مثل رقائق الكمبيوتر بينما تضع مراهنتها على التكنولوجيات البازغة الجديدة من السيارات التي تعمل بوقود الهيدروجين إلى التكنولوجيا الحيوية. ويمكن للدفع بتريليونات الدولارات مساعدة الصين على تخطي الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم خلال هذا العقد وتدعم من هدف الرئيس شي جين بينج على تحويل بلاده إلى قوة عظمى.
ويعلق أحد الأكاديميين الأمريكيين الذين يتابعون الاقتصاد الصيني بقوله: "أهم شيء هو حجم الطموح، فهو أكبر من أي شيء حاولت فعله اليابان أو كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة، "فالطموح هو دفع الاقتصاد من خلال بوابة الثورة التكنولوجية".
والسباق من أجل تطوير أكثر التكنولوجيات تقدما يعمل على تأجيج النزاعات الأمريكية-الصينية في أعقاب عقود من التكامل التي رفعت مستويات المعيشة في العالم. أما الآن فكلا البلدين يهدف إلى الاكتفاء الذاتي في مجالات استراتيجية.
وما هو على المحك بالنسبة للرئيس الصيني يعد أكثر من مجرد تحسين مستوى معيشة 1400 مليون صيني، وهو ما يعد المفتاح لتبرير حظر الحزب الشيوعي للمعارضة. فهو يريد أيضا إظهار أن الحزب يمكنه أن يلعب دورا ناجحا في قيادة الاقتصاد، خاصة بعد سعي إدارة الرئيس السابق ترامب إلى تدمير الشركات الوطنية الكبرى مثل شركة هواوي للتكنولوجيا وشركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية، كبرى شركات الصين في تصنيع أشباه الموصلات.
وقد تزايدت ثقة بكين بنظامها السياسي بعدما استطاعت بسرعة احتواء وباء كوفيد 19. ويتوقع الاقتصاديون نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 8.3% هذا العام، مقارنة بتوقع نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 4.1%. وكان الرئيس الصيني قد قال في العام الماضي إن "الوباء يثبت مرة أخرى تفوق النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية". وتبحث الولايات المتحدة حاليا عن حلفاء للمساعدة على إحباط تطلعات شي جين بينج، من خلال كل من العمل على منع بكين من الوصول للتكنولوجيات الرئيسية ودعم إمدادات أمريكا من السلع الاستراتيجية. وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن عن إجراء مراجعة شاملة لسلاسل التوريد من أشباه الموصلات، والأدوية، ومعادن الأرض النادرة والبطاريات عالية الطاقة، وهو ما يعد جزءا من خطة للتغلب على الصين وهي خطة تتضمن إنفاق 2 تريليون دولار على البنية الأساسية.
وكان الرئيس بايدن قد سبق وقال في شهر فبراير: "إذا لم نتحرك، فسوف يأكلون وجبة غذائنا"، وذلك في أعقاب مكالمته التليفونية الأولى مع شي جين بينج. وكان المفوض التجاري الأوروبي بشكل منفصل قد سبق وأبرز المخاوف من أن بكين تعطي شركاتها مزايا تنافسية غير عادلة، وأعلن أن "الاتحاد الأوروبي سوف يتعاون مع الولايات المتحدة لمجابهة التحديات الناجمة عن النموذج الاقتصادي/الاجتماعي الصيني".
ويتابع المستثمرون الدوليون عن قرب دورة انعقاد مؤتمر نواب الشعب الصيني. بينما أوضح الحزب الشيوعي أنه بإمكانه توجيه مليارات الدولارات للتحكم في سلاسل الإمداد للقطاعات البازغة مثل الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، كما بيّن قدرته السريعة على كبح جماح القطاع الخاص إذا تصاعدت المخاطر، وهو ما أظهره مؤخرا تجاه طرح شركة آنت للاكتتاب العام.
وكان رئيس مجلس الدولة "الوزراء" قد أعلن أمام البرلمان عن خطط إبقاء عجلة الاقتصاد دائرة خلال الاثني عشر شهرا المقبلة، وهو ما تضمن طرح إجراءات جديدة لرفع الاستهلاك، والإعلان عن هدف نمو الاقتصاد بأكثر من 6% خلال هذا العام. وربما الأكثر أهمية هو عرض تفاصيل عن خطط المدى الأطول في تطوير أكثر من 30 تكنولوجيا، لا تستطيع الصين حاليا إنتاجها، من معدات تصنيع أشباه الموصلات إلى نظم تشغيل التليفون المحمول إلى برامج تصميم الطائرات.
ويعد التركيز على التكنولوجيا أكثر إلحاحا نظرا لتراجع كفاءة النظام الاقتصادي الصيني، الذي اعتمد على توجيه الائتمان إلى الاستثمار في العقارات والبنية الأساسية لدعم النمو. ومع بلوغ مبيعات المساكن ذروتها مع تباطؤ التوسع الحضري واجتهاد الحكومات المحلية في البحث عن مشروعات بنية أساسية مجدية، ينبغي على بكين استغلال التكنولوجيا لرفع الإنتاجية من أجل تحقيق هدفها بمضاعفة حجم اقتصادها بحلول عام 2035 مقارنة بمستواه في عام 2020.
وواحد من الأرقام الرئيسية التي ينبغي مراقبتها هو الإنفاق على البحث والتطوير، ومن المنتظر ان تكشف السلطات عن هدف يناظر أو يفوق حجم الإنفاق السنوي للولايات المتحدة على البحث والتطوير والبالغ 3% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أنه سيتم تخصيص المزيد لتمويل خطة الدولة للبحث العلمي، مع إعلان وزارة العلم والتكنولوجيا الصينية عن مجالات الأولوية مثل وقود الهيدروجين، والسيارات الكهربائية، والحواسب العملاقة.
وكانت الحكومة الصينية قد قامت خلال الفترة من 2014 إلى 2019 بإنفاق تريليون دولار في سلسلة من تمويل رأس المال المخاطر للحصول على حصص في شركات التكنولوجيا. وقد أعلنت الصين الآن بالفعل عن خطط لاستثمار 1.4 تريليون دولار بين عامي 2021 و2025 في البنية الأساسية التكنولوجية المتقدمة، من الذكاء الاصطناعي إلى المحطات الأساسية لتكنولوجيا 5G إلى القطارات فائقة السرعة.
ويمكن القول إن سجل نجاح الصين في مجال تطوير التكنولوجيا متفاوت. فواحد من الأمثلة التي تدور في ذهن بكين هو مجال البيوتكنولجي، الذي كان بالكاد موجودا في الصين قبل عقد مضى والذي اعتبر صناعة استراتيجية في الخطة الخمسية الماضية 2016/2020، وارتفعت قيمة رأس المال السوقي للشركات الصينية المسجلة التي تطور عقاقير مبتكرة من مليار دولار إلى 217 مليار دولار طبقا لمؤسسة ماكينزي الأمريكية. وفي عام 2019 تمت موافقة الولايات المتحدة على أول دواء لمعالجة السرطان تطوره الصين.
والمجال الرئيسي الذي كافحت فيه الصين هو مجال صنع الرقائق، حيث ما زالت شركاتها الأكثر تقدما متأخرة على الأقل خمسة أعوام عن منافسيها. وسوف تتضمن خطة الصين الخمسية إجراءات لدعم الاستثمار في أشباه الموصلات، ومنح القطاع نفس الأولوية التي سبق ومنحتها لبناء قدراتها الذرية.
لكن ليس هناك بالطبع ما يضمن النجاح، وهناك مخاطر من أن يولد السيل الهائل من الاستثمار الموجه من الدولة ديون معدومة قد تزعزع الاستقرار. ومثال على مثل هذا الاحتمال حدث في العام الماضي على نطاق ضيق حينما فشل استثمار الشركة المملوكة للدولة تسينجوا يوني جروب في مجال إنتاج الرقائق في أن يؤتي بثماره مما أزعج الأسواق المالية مع تخلف الشركة عن سداد 2.5 مليار دولار.
وقد أعلنت بكين أنها ستستمر في الاعتماد بشكل أساسي على الشركات الخاصة من أجل تحقيق أهدافها التكنولوجية من خلال الإعفاءات الضريبية والاستثمار المباشر في الشركات الناشئة والحصول على حصص أقلية في الشركات الواعدة ولكن المتعثرة ماليا. كما ترغب الصين أيضا في الحصول على مزيد من الاستثمارات من الشركات الأجنبية مثل شركة تسلا، طالما أن هذا يساعد على تحقيق ترقية التكنولوجيا الصينية. وبينما ينظر الغرب لطموحات بكين على أنها تهديد، ترى بكين أن الدفع نحو الاكتفاء الذاتي هو بشكل أساسي خطوة دفاعية من قبل الحزب الشيوعي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة