كعكة الموارد والنفوذ.. سباق في أفريقيا وواشنطن تراقب

يوما بعد يوم، تتحول أفريقيا إلى ساحة للتنافس الدولي على النفوذ، خاصة مع تحول النظام العالمي إلى التعددية القطبية.
في هذا السياق، وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى الحد من النفوذ الصيني عالميًا، تبرز أفريقيا كجبهة استراتيجية بحاجة إلى اهتمام أكبر من واشنطن.
إذ سارعت الصين إلى ملء فراغ انسحاب القوات الفرنسية من دول مثل النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، وتشاد، بينما ظلت الولايات المتحدة على الهامش.
وتتبنى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا أكثر تشددًا تجاه بكين، إذ ترى أن تنامي نفوذها في أفريقيا - القارة الغنية بالموارد الطبيعية والأسرع نموًا سكانيًا - يتطلب استجابة أمريكية أكثر فاعلية، وفق مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية.
التغلغل الصيني في أفريقيا
لا تزال الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا للعام الخامس عشر على التوالي، حيث تجاوزت قيمة التبادل التجاري بينهما 295 مليار دولار في عام 2024، بزيادة 4.8 في المائة عن العام السابق.
وفي مجال البناء، استحوذت الشركات الصينية على 31 في المائة من المشاريع الكبرى في القارة، مقارنةً بـ12 في المائة فقط للشركات الغربية، وهو تراجع كبير عن نسبة 85 في المائة التي كانت تتمتع بها الشركات الأمريكية والأوروبية في عام 1990.
وتعهد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي (FOCAC) لعام 2024، بتقديم 51 مليار دولار كقروض واستثمارات ومساعدات للقارة.
كما تجاوزت الاستثمارات الصينية المباشرة نظيرتها الأمريكية، حيث ارتفعت من 75 مليون دولار في 2003 إلى 5 مليارات دولار في 2021.
السيطرة على الموارد الأفريقية
تسعى الصين إلى تأمين موارد أفريقيا لتعزيز موقعها الاقتصادي العالمي. ففي عام 2007، قدمت بكين 5 مليارات دولار لجمهورية الكونغو الديمقراطية لإنشاء بنية تحتية أساسية، ما منحها إمكانية الوصول إلى معادن حيوية مثل الكوبالت، والنحاس، والنيكل، واليورانيوم.
وتمتلك الصين الآن معظم مناجم الكوبالت في الكونغو، والتي تحتوي على أكبر احتياطي عالمي لهذه المادة، كما زادت استثماراتها في تعدين النحاس في بوتسوانا وزامبيا، والليثيوم في زيمبابوي ومالي.
إضافةً إلى ذلك، تسعى الصين للهيمنة على سلاسل التوريد العالمية من خلال السيطرة على البنية التحتية الأفريقية. فهي تدير أو تشارك في 62 مشروعًا للموانئ في القارة.
كما قامت الشركات الصينية ببناء أو تطوير أكثر من 10,000 كيلومتر من السكك الحديدية، و100,000 كيلومتر من الطرق، وأكثر من 80 منشأة طاقة، مما يعزز صورتها الإيجابية لدى الأفارقة.
الفارق بين النفوذ الصيني والغربي
إحدى أهم ميزات الصين في أفريقيا مقارنة بالدول الغربية هي سياستها المعلنة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية. فبينما تفرض القوى الغربية شروطًا متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تركز بكين على المصالح الاقتصادية، مما يجعلها شريكًا مفضلًا للكثير من القادة الأفارقة.
ونتيجةً لذلك، تحظى الصين بدعم دبلوماسي قوي من أفريقيا في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة.
تراجع النفوذ الفرنسي
ولطالما سعت فرنسا للحفاظ على نفوذها في غرب ووسط أفريقيا عبر سيطرتها على الأنظمة المالية والمواد الخام.
ومن خلال الفرنك الأفريقي (CFA)، الذي كان مرتبطًا باليورو، احتفظت باريس بسلطة مالية على 14 دولة أفريقية، حيث أُجبرت هذه الدول حتى عام 2019 على إيداع 50 في المائة من احتياطاتها النقدية في الخزانة الفرنسية، وفق المجلة الأمريكية.
غير أن تصاعد المشاعر المناهضة للاستعمار أدى إلى فقدان فرنسا لنفوذها بسرعة. فعلى سبيل المثال، فقدت شركة "أورانو" الفرنسية حقوقها في تعدين اليورانيوم في النيجر بعد الانقلاب العسكري عام 2023.
كما تواجه شركات فرنسية كبرى مثل "توتال إنرجي" و"أورانج" تحديات قانونية وخسائر في العقود الحكومية.
فرصة واشنطن
لم تكن فرنسا الوحيدة التي واجهت ردود فعل سلبية بسبب سياساتها الأفريقية، فقد أدى التدخل البلجيكي بعد الاستعمار في الكونغو ورواندا إلى زيادة النفوذ الصيني في وسط أفريقيا، بينما تواجه الشركات البريطانية انتقادات متزايدة بسبب ممارساتها الاقتصادية.
في ظل هذا التراجع الأوروبي، تمتلك الولايات المتحدة فرصةً نادرة لإعادة صياغة سياستها الأفريقية من خلال الاستثمار والتعاون الاقتصادي، بعيدًا عن الإرث الاستعماري الذي أضر بالمصالح الغربية في القارة.
ومن خلال اتباع نهج أكثر استباقية، يمكن لواشنطن أن تواجه النفوذ الصيني والروسي وتؤسس شراكات أكثر استدامة مع الدول الأفريقية.
aXA6IDE4LjIyNy4xNDAuMjUyIA== جزيرة ام اند امز