صوم العذراء مريم.. رمز الخير والنور لمسيحيي مصر
قصة بداية صوم السيدة العذراء في مصر تعود إلى القرن الـ12، ليصبح الصيام في البداية مقتصرا فقط على الفتيات ولمدة 3 أسابيع متواصلة.
في الـ7 من أغسطس/ آب من كل عام يبدأ المسيحيون المصريون صيام "السيدة العذراء مريم" لمدة 15 يوماً متواصلة، وسط احتفالات دينية وقداسات يومية تتميز بمدائح وترانيم خاصة للسيدة العذراء، لينتهي الصوم بقداس عيد احتفالاً بصعود جسد العذراء مريم للسماء، وفقاً للعقيدة المسيحية، في الـ22 من الشهر نفسه.
وتعود قصة بداية صوم السيدة العذراء في مصر إلى القرن الـ12، ليصبح الصيام في البداية مقتصراً فقط على الفتيات ولمدة 3 أسابيع متواصلة، ومع مرور السنوات أصبح الصيام أكثر انتشاراً بين المسيحيين في مصر، وفي منتصف القرن الـ12 انضم الرهبان والراهبات في الأديرة والكنائس للفتيات صغار السن التي تهتم بصوم الأسبوعين تكريماً للعذراء مريم.
بينما في القرن الـ14 أصبح الصيام شائعاً بين جميع المسيحيين وليس مقتصراً على المكرسين والمكرسات بالأديرة فقط، ليحتل صيام السيدة العذراء مكانة مقدسة كبرى لدى جميع مسيحيي الشرق، نظراً للمكانة المقدسة التي تحظاها السيدة العذراء مريم في الإنجيل والعقيدة المسيحية.
وفي المذاهب المسيحية الأخرى تختلف عدد أيام الصيام، فلدى المسيحيين الكلدان يصبح الصوم يوماً واحداً فقط، ولدى الروم الأرثوذكس يصبح 15 يوماً للصيام، بينما عند الروم الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس يقتصر الصيام 5 أيام فقط، وعند المسيحيين الكاثوليك ينحصر الصيام في أيام الجمعة التي تقع في الفترة من 1 إلى 14 أغسطس.
موسم الفيضان
ويعد التقويم القبطي امتداداً للتقويم الفرعوني، فتحتفظ السنة القبطية بشهور السنة الفرعونية الـ12 بالإضافة إلى شهور صغيرة لا تتجاوز 6 أيام، وبعد دخول صيام العذراء مريم لمصر، تزامن تاريخ عيد العذراء مع أحد فصول السنة الثلاثة موسم الفيضان.
ويستمر موسم الفيضان لـ124 يوماً في الفترة من 12 بؤونة إلى 9 بابه، وفقاً للتقويمين القبطي والفرعوني، في الفترة من 19 يونيو/ حزيران إلى 19 أكتوبر/ تشرين الثاني، وفقاً للتقويم الميلادي.
وخلال النصف الأول من أغسطس كان يتميز موسم الفيضان في القرون الماضية بأعلى منسوب له، وهي الفترة التي تتصادف مع توقيت صوم السيدة مريم، ما جعل الصوم مناسبة يرمز بها المصريون للخير والنور.
طقوس مصرية خالصة
وفي بعض الأحيان تضيف بعض الأسر المسيحية المصرية أسبوعاً إضافياً لفترة صوم العذراء مريم، كما تهتم عائلات أخرى بإعداد مأكولات خاصة لهذا اليوم تختلف بناءً على الثقافة، ومنها " فطير الملاك" وهي عبارة عن فطيرة مصنوعة بشكل دائري يتم توزيعها على جميع الكنائس أثناء فترات الصلاة والقداسات في أسبوعي الصيام، خاصة أن عدداً كبيراً من الكنائس التي تحمل اسم السيدة العذراء مريم تحدد صلاة "بصخة العذراء" بألحان وترانيم وطقوس مختلفة.
وفي ليلة اليوم الأخير من صوم العذراء، تبدأ الكنائس بإقامة قداس في نفس التوقيت احتفالاً بعيد صعود العذراء، وتنتهي مراسم الاحتفال بخروج الشمامسة "خدام متطوعون أثناء الصلاة بالكنيسة" حاملين صورة أو أيقونة كبير للسيدة مريم كإشارة لقصة صعود جسد العذراء مريم للسماء، وفقاً للعقيدة المسيحية.
روايات مختلفة
وأشارت عدة مصادر تاريخية إلى أن الاحتفال بعيد صعود العذراء للسماء، طبقاً للعقيدة المسيحية، سبق فكرة الصيام لمدة 15 يوماً قبل عيد صعود العذراء مريم، الذي تم تحديده فيما بعد بعدة قرون.
وتعددت الروايات التاريخية بشأن السبب التي تحدد فيها الـ15 يوماً المخصصة لصوم العذراء مريم، وذكرت المصادر المسيحية في عدة مراجع أن موعد الصيام هو نفس اليوم الموافق ذكرى وفاة العذراء مريم وصعود جسدها للسماء، تكريماً لمكانتها بين باقي البشر.
بينما ذكر آخرون أن الرسل وتلاميذ السيد المسيح هم من حددوا صوم العذراء، إكراماً لدورها في العقيدة المسيحية، موضحين أن التلميذ توما أثناء رحلته التبشيرية في الهند، رأى جسد العذراء مريم محمولة على أكتاف الملائكة، وبعد أن عاد إلى فلسطين، أخبر باقي الرسل والتلاميذ بما رآه، وصدق التلاميذ رؤيته، وقرورا الصوم 15 يوماً تكريماً لروح العذراء مريم المقدسة.
بينما ذهبت رواية أخرى إلى أن قصة الصيام تعود إلى أن السيدة مريم هي التي بدأت صوم الـ15 يوماً، وبعد وفاتها أخذ المسيحيون الأوائل التقليد الديني، وأصبح جزءاً أساسياً من العقيدة المسيحية.
وهناك راوية رابعة جمعت بين الروايات الثلاث، شارحة أن الصوم تقليد سائد قديم، تم إقراره من قبل آباء المجمع المسكوني الثالث بالقسطنطينية عام 381، وتم مطالبة جميع المسيحيين بصوم الـ15 يوماً.