"مشرحة طنطا".. قلوب تتوجع في أسبوع الآلام
مشاركة العشرات في أسبوع الآلام بكنيسة مارجرجس في مدينة طنطا حولها الإرهاب إلى أوجاع حرقت قلوب العشرات
على بعد خطوات من مكان مكتظ بالسواد.. تفوح منه رائحة الموت.. رقدت نحو 40 جثة قضت نحبها اليوم الأحد، في تفجير بكنيسة مار جرجس في مدينة طنطا، شمالي مصر.
غالبية الأهالي، جلسوا على مقاعد خشبية داخل "مشرحة المستشفى الجامعي"، بالقرب من باب كبير موصد، يأوي خلفه جثث ذوييهم الذين ذهبوا في ساعة مبكرة من صباح اليوم، إما مع أحد أصدقائهم أو أقاربهم، لأداء صلاة القداس، لكن سرعان ما تحولت مشاركتهم في أسبوع الآلام إلى آلام تحرق قلب العشرات.
تستند فتاتان على كتف أمهما، داخل ساحة المشرحة "ثلاجة لحفظ الموتى"، يتبادلان النظرات بعدما أخبرهما أحدهما بأن خالهما قابع هناك في الداخل، لا يعرفان ما الذي يتوجب عليهما قوله لها، إذ تقول الصغيرة وهي فتاة في العشرين من عمرها: خالي ذهب للمسيح.
رهبة المكان تدفع بعض الصحفيين لعدم إخراج كاميراتهم، وعدم إظهار هويتهم، خاصة أن أهالي الضحايا كانوا بين حزن مكتوم وغضب مكلوم، رافضين التحدث لوسائل الإعلام، التي لن تعيد لهم فلذة أكبادهم، المتراصة جثثهم وسط أكوام من الثلج داخل المشرحة.
تقول مريم، وهي إحدى الناجيات من التفجير لبوابة "العين" الإخبارية، شريطة عدم تصويرها: "ارتديت ملابسي منذ السابعة صباحاً، أردت الصلاة في كنيسة مارجرجس، بينما ذهب أشقائي إلى كنيسة العذراء، اتخذت قراري للذهاب بمفردي.. وهناك رأيت من أعرفهم".
وتستطرد الفتاة التي تنهال في موجة من البكاء: خرجت بعد القداس ضمن الجزء الذي خرج.. فيما تبقى جزء آخر بالداخل.. بعدها ذهبت لشراء شيئاً من داخل سوبر ماركت على بعد 100 متر.. بعدها سمعت صوت انفجار مدوٍّ.. كأن أحدهم دفعني بقوة.
كانت الساعة حوالي 9 و5 دقائق، عندما التفتت مريم خلفها، حيث خرجت من الماركت وهي تنظر إلى هاتفها، وعندما وقع الانفجار وجدت شيئاً بداخلها يطلب منها الرجوع لساحة الكنيسة.. لتتفقد من تبقى في الداخل، ولكنها وجدت نفسها بين الأشلاء، ورأت ملابس منشورة على زجاج الكنيسة، فعلمت أنه حان الآن دورها.
تتابع مريم: "رفعت تليفوني وبدأت أصورهم جميعاً.. أريد للعالم أن يحفظ وجوههم مثلي.. وأشلاءهم إن استطاع.. ليسوا قابعين في ثلاجات ولا نقبل عزاءهم.. هم يزفون للسماء اليوم.. هم شهداء.. وجلوسنا أمام المشرحة لا يعني استسلاماً بل وداع".
من المقعد الخشبي إلى طابور طويل، وقف فيه "جورج" يودع زملاءه في العمل، بعدما اطمئن على والدته، التي كانت هي الأخرى تحضر القداس، قال لبوابة "العين" الإخبارية وهو يغالب دموعه: "كانوا هناك.. واعتذرت لهم في آخر دقيقة... ليتني كنت معهم".
يربط على كتف جورج، زوج خمسيني، حضر مع زوجته ليواسيها في وفاة ابن اختها، ويقول لـ"العين": مايكل حبيبي كان ملاك.. لم يكتفِ بأنه يعمل صيدلي، كان خادما للكنيسة.. ما ذنب زوجته وابنته؟ لا نعرف كيف نقول الخبر لوالدته.. تتصل بنا ولا نرد".
القلق الذي يحيط بوالدة مايكل، كان على أشده بعشرات الأهالي الذين وقفوا خارج المشرحة لا يعرفون.. هل يتوجهون إلى الداخل أم يأخذون طريقهم إلى المستشفيات الثلاثة بطنطا؟ فيقررون سؤال شخص يحمل قائمة بأسماء القتلى.
يسألهم بدوره عن الاسم وما إن يسمع أحدهم أن ذويه "مصاب" تتعالى صيحات "الحمد والشكر"، في مشهد بدى سريالياً لا يفهمه إلا من يعرف أن هذه البوابة تؤدي إلى المشرحة، حيث يقبع هناك عشرات الجثث ممن لم يعرف أهلهم بعد.
aXA6IDE4LjIxOC43MS4yMSA= جزيرة ام اند امز