كواليس الحرب الباردة.. كيف حاولت «سي آي إيه» تجنيد تشرشل ضد موسكو؟
كشفت وثائق جديدة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حاولت تجنيد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق السير ونستون تشرشل للمشاركة لبثّ دعاية موجهة إلى داخل الاتحاد السوفياتي بهدف تحفيز التفكير الرافض للشيوعية وتشجيع المواطنين على التشكيك في قادتهم الشيوعيين.
ووفقًا لما نشرته صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، فقد سعت محطة راديو ليبرتي، المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية والتي كانت تبث إلى أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي، في عام 1958 إلى الاستعانة بتشرشل ضمن سلسلة برامج خاصة لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين لوفاة كارل ماركس.
في ذلك الوقت، كانت روسيا تعيش حالة فكرية تعرف بـ"المراجعة" وهي حركة فكرية انطلقت من داخل المعسكر الشيوعي لتعيد النظر في الأسس الماركسية-اللينينية التي قامت عليها الدولة السوفياتية.

ورأت الاستخبارات الأمريكية في هذا التيار فرصة لاختراق الصف الفكري داخل الاتحاد السوفياتي، ودعم المفكرين الذين يعارضون فكرة الكتلة الشيوعية الموحدة بقيادة موسكو.
وبحسب مذكرة موجزة أُفرج عنها بموجب قوانين حرية المعلومات في الولايات المتحدة، أطلقت محطة راديو ليبرتي بين 14 مارس/ آذار و5 مايو/ أيار 1958 عملية دعائية خاصة هدفت إلى "استغلال المناخ الفكري الجديد وغير التقليدي السائد في الأوساط السوفياتية".
ونصّت الوثيقة على أن الهدف من البرامج هو "تحفيز التفكير الرافض للشيوعية" و"تقويض الثقة بأي شكل من أشكال الماركسية، من خلال الإيحاء بأن فرضياتها الأساسية ومنهجها التاريخي وتنبؤاتها باطلة".
وعلى الرغم من أن المستمعين السوفيات لم يكونوا على علم بالأمر آنذاك، لكن المحطة كانت ممولة سرًا من وكالة الاستخبارات المركزية وتُدار فعليًا من واشنطن.
وكان تشرشل من بين عدد من الشخصيات البريطانية التي رأت المحطة أنها قد تضفي مصداقية على رسائلها الدعائية، إلى جانب سياسيين بارزين مثل كليمنت أتلي، وأنورين بيفان، وهيو غيتسكيل، إضافة إلى المفكرين اليساريين آرثر كوستلر وأرنولد توينبي.
وتشير الوثائق إلى أن فريق المحطة في ميونخ كان يخطط لمراسلة هؤلاء الشخصيات والتواصل معهم شخصيًا، لكن لا توجد أي أدلة على أن تشرشل قبل المشاركة فعليًا.
يُذكر أن راديو ليبرتي كان يبدو للمستمعين وكأنه محطة يديرها منشقون سوفيات، تقدم وجهات نظر مختلفة عن الإعلام الرسمي، لكنها كانت في الواقع واجهة استخباراتية أمريكية.
وظلت ممولة سرًا من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بين عامي 1951 و1972 قبل أن تندمج مع "راديو أوروبا الحرة"، ولا تزال حتى اليوم تبث بتمويل من الحكومة الأمريكية.

ووفقًا للوثائق، كان للحملة الدعائية ثلاث أهداف رئيسية، جميعها تستغل مناسبة وفاة ماركس لإثارة الجدل داخل الفكر اليساري السوفياتي، وهي: تشجيع التفكير الرافض للشيوعية من خلال إظهار أن الماركسية خارج الاتحاد السوفياتي ليست عقيدة جامدة تتجاهل التطورات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة. وتقويض الثقة في الماركسية عبر الإيحاء بأن أسسها النظرية وتنبؤاتها التاريخية خاطئة. وإثبات أن المستقبل لا ينتمي للفكرة الشيوعية ولا لبنية الدولة السوفياتية.
وكان تشرشل يعرف كلًا من آلان دالاس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، وجون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكي، وقد التُقطت له صور معهما في واشنطن ولندن في أكثر من مناسبة.
وفي ربيع عام 1958، وهو نفس العام الذي طُرح فيه اسمه للمشاركة في البرنامج الدعائي، رفض تشرشل دعوة لزيارة واشنطن لأسباب صحية. وكان يبلغ من العمر 83 عامًا آنذاك، ولم يقم بعد ذلك سوى بزيارة واحدة إلى الولايات المتحدة عام 1959 للقاء الرئيس دوايت أيزنهاور، قبل أن يتوفى عام 1965.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTgg جزيرة ام اند امز