سينما لا تُسكت الرصاص.. بوليوود تخفق في كبح تصعيد الهند وباكستان
الكاميرا تحلم.. والمدافع تصحو

لم تعد شاشة السينما قادرة على تغيير مشهد تتساقط فيه القذائف، ولم تفلح قصص الإنسانية الرقيقة التي تتسلل من قلب بوليوود في تخفيف وطأة الصراع الذي يضرب بجذوره في أعماق التاريخ بين الهند وباكستان.
ما لم تقله الكاميرا، قالته الجغرافيا بصوت عالٍ وواضح: إن الحدود بين الهند وباكستان ليست مجرد خطوط مرسومة على الخرائط، بل ندوب قديمة لا تلتئم بالحبكة السينمائية. فرغم أن الفيلم – كغيره من المحاولات الفنية – قدّم صورة مثالية لمستقبل ممكن، إلا أنه لم يلامس الحقيقة الأثقل: أن العداء بين الدولتين النوويتين لا تغذيه فقط الذاكرة التاريخية، بل تحرسه حراسات دينية وقومية وبيروقراطية، يصعب اختراقها حتى بأقوى مشهد إنساني. السينما تمنحنا حلمًا، لكن الحرس على المعابر لا يقرؤون الأحلام. في كشمير، لا تنفع الموسيقى التصويرية، بل تُغطى بصوت الانفجارات.
"باجرانجي بهايجان".. السينما تحلم والجبهة تتكلم
فيلم باجرانجي بهايجان، من بطولة سلمان خان وإخراج كبير خان، تجاوز مجرد كونه شريطًا سينمائيًا ناجحًا. حين عُرض للمرة الأولى، بدا كأنه محاولة واعية لإعادة صياغة العلاقة بين شعبين عالقين بين فخاخ السياسة والجغرافيا. روى الفيلم حكاية رجل هندوسي يعبر الحدود لإعادة فتاة باكستانية إلى عائلتها في كشمير الخاضعة لإدارة إسلام آباد، وحقق أصداء واسعة في كلا البلدين، كأنه رسالة حب تتحدى الانقسام.
لكن كما يحدث دومًا، الكاميرا تبتسم بينما البنادق تستعد. وفي ٦ مايو/أيار، اندلع أعنف تصعيد عسكري بين البلدين منذ أكثر من عشرين عامًا، ليغرق المشهد في الدماء والدخان مجددًا. 36 قتيلاً وأكثر من 100 جريح سقطوا تحت القصف المتبادل، بينما حلّقت الطائرات المقاتلة لتكتب على السماء من جديد أن السلام مؤجل إلى إشعار آخر.
الحدود تُغلق.. والسينما تُطرد من الوعي
الهجوم الصاروخي الهندي داخل الأراضي الباكستانية أعاد عقارب الساعة إلى الخلف. إسلام آباد ردّت بقصف مدفعي طال مناطق هندية في كشمير. الهند أعلنت سقوط خمس طائرات مقاتلة، وتحطم ثلاث أخرى داخل أراضيها، بينما أُغلقت أجواء لاهور وكراتشي، وتوقفت الرحلات في مطارات جامو، وسريناجار، وأمريتسار.
في الخلفية، كان مشهد باهالجام حاضرًا: 26 سائحًا لقوا حتفهم في الحادثة المروعة يوم 22 أبريل/نيسان. الهند وجهت أصابع الاتهام نحو باكستان، رغم نفي الأخيرة واستعدادها للمشاركة في التحقيق. الرد جاء على الطريقة التقليدية: طرد دبلوماسيين، تعليق اتفاق تقاسم مياه نهر السند، غلق المعابر الحدودية، ليقابل ذلك بإجراءات مماثلة من الجانب الباكستاني.
عاصفة الوجدان لا تصمد أمام المدافع
في حوار سابق لها رأت الكاتبة الباكستانية عائشة صديّقة في أفلام مثل "باجرانجي بهايجان" تأكيدًا على الجغرافيا المتشابكة بين الشعبين، فالباكستانيون، رغم التوترات السياسية، يستهلكون بوليوود بشغف. بالنسبة لها، فإن السينما تبرهن على أن الناس البسطاء قد يتغلبون على جبال البيروقراطية، وأن الإنسانية أقدر على تجاوز الحواجز من القومية. وفقا لـ"National Public Radio"
لكن الكاتب الهندي شيفام فيج يقرأ الأمر بعين الواقع لا العاطفة، فباكستان سوق لا يمكن لبوليوود تجاهلها، والجاليات الباكستانية في الخارج تمثل جمهورًا ضخمًا. السينما – برأيه – تتحرك بدافع اقتصادي قبل أن تكون رسالة وعي. وفقا لـ"Deutsche Welle"
من جهته، حذر الكاتب الهندي تصنيف حيدر من الرهان الكبير على الفن في ظل تزايد التداخل بين الدين والقومية في السياسات الهندية. بينما أكد الصحفي الباكستاني عبد الآغا أن التأثير العاطفي الذي تصنعه السينما ينهار سريعًا أمام أخبار الطائرات المحطمة والجنود القتلى.
أما الكاتب الباكستاني وجاهت مالك، المقيم في إسلام آباد، فيغرد خارج السرب، متمسكًا بفكرة أن انفتاح الشعوب في السياحة والتجارة والحوار قد يمهد الطريق للمصالحة، حتى إن كانت الحكومات لا ترغب بذلك.وفقا لـ " times of India"
لكن الحقيقة – كما يبدو – أن الكاميرا وحدها لا تكفي. فعلى حدود كشمير، تسقط الطائرات لا أوراق السيناريو. والمدافع تتكلم حين تصمت الميكروفونات.
وهكذا، تُغلق دور السينما، وتُفتح المتاريس. فالحرب لا تشاهد الفيلم، ولا تقرأ النقد.