«دان-إم».. مسيرة روسية رخيصة قلبت الموازين في حرب أوكرانيا

في تحول مثير يعكس براعة التكيف العسكري، برزت الطائرة المسيّرة الروسية "دان-إم" كواحد من أخطر الأسلحة غير التقليدية في حرب أوكرانيا.
وما كان في الأصل مجرد هدف تدريبي للدفاع الجوي، أعادت القوات الروسية هندسته ليصبح سلاحاً انتحارياً منخفض التكلفة وعالي التأثير، وفقاً لمجلة "ناشيونال إنترست".
تعود جذور "دان-إم" لتكنولوجيا الحقبة السوفياتية، لكن مكتب التصميم الروسي "سوكل" طور نسخاً حديثة منها عام 2020 لمحاكاة الصواريخ المجنحة خلال التدريبات.
وتميزت الطائرة بصغر حجمها (عُشر حجم صاروخ توماهوك الأمريكي) وقدرتها على التحليق بسرعة 750 كم/ساعة وارتفاع 9000 متر.
ومع اندلاع الحرب، أدخلت روسيا تعديلات بسيطة لكنها ثورية: تمويه اللون الأحمر اللامع، وإضافة رأس حربي ونظام توجيه، وتحويلها إلى سلاح أحادي الاتجاه يُطلق أحياناً من مروحيات "مي-8" لتعزيز مداها.
معادلة الاستنزاف الاستراتيجي
برز دور "دان-إم" التكتيكي بوضوح خلال هجوم أوديسا في مايو/أيار 2025، ثم تصدرت المشهد في الموجة الأكبر لهجمات الطائرات المسيرة على كييف (31 يوليو/تموز 2025) التي شملت 550 طائرة.
وتكمن عبقرية استخدامها في كسر معادلة التكلفة، ففي الوقت الذي تبلغ فيه قيمة الطائرة بضعة آلاف من الدولارات، تُجبر أوكرانيا على مواجهتها بصواريخ دفاعية غربية باهظة مثل "ناسامز" (900 ألف دولار للصاروخ) و"إيريس-تي" (500 ألف دولار للصاررخ).
وبفضل تحليقها على ارتفاع 3 أميال (تجاوزا لمدى الدفاعات المحمولة)، تفرض هذه الطائرات استهلاكا متسارعا لمخزون كييف النادر من أنظمة الدفاع المتطورة، ممهدة الطريق لضربات روسيا الأكثر فتكا.
الثغرات والتحديات
رغم نجاحها، لا تخلو "دان-إم" من نقاط ضعف تتمثل في افتقارها لتقنيات التخفي، واعتمادها على منصات جوية لتعويض محدودية المدى.
وقد كشفت حادثة إسقاط طائرة فوق البحر الأسود (مايو/ أيار 2025) باستخدام صواريخ "آر-73" الأوكرانية عن هشاشتها أمام الدفاعات الجاهزة.
برغم ذلك، يظل تأثيرها الاستراتيجي غير مسبوق، خاصة مع توقعات بأن تنتج موسكو 4 ملايين طائرة مسيرة خلال 2025 وحدها.
مستقبل حرب "الأسراب الذكية"
تشير استراتيجية "دان-إم" إلى مستقبل أكثر خطورة تتمثل في دمج هجمات الأسراب الكثيفة مع تطورات الذكاء الاصطناعي. وقد تفرض هذه الفلسفة - القائمة على الإغراق العددي مقابل التكلفة المتدنية - نفسها كمعيار جديد في الصراعات، خاصة مع عجز الدفاعات الغربية عن إيجاد حلول اقتصادية لمواجهة "سُحُب" الطائرات المنخفضة الثمن.
وهكذا تحول هدف تدريبي من زمن السوفيات إلى سلاح يعيد تعريف موازين القوة، ليثبت أن الابتكار التكتيكي قد يهزم التفوق التكنولوجي حين يُحوِّل نقاط الضعف إلى أسلحة.