"عيد ميلاد أنجيلا".. سينما صُنعت بعقلية طفل
أنجيلا تتصرف على هذا النحو لأنها تدرك بمنطق الطفلة أن الكبار عادة لا يجهدون أنفسهم في محاولة تفسير علاقة الأطفال مع الأشياء حولهم
يجسد فيلم الرسوم المتحركة "عيد ميلاد أنجيلا" المعنى الأبلغ لعبارة المعماري الألماني لودفيج مس فان دي رو "Less is more" أو "الأقل هو الأكثر"، إذ يستند بناؤه الحكائي إلى رغبة الطفلة أنجيلا بتدفئة دمية الطفل يسوع خشية أن يتجمد وسط برد الكنيسة، لكن هذه الرغبة الطفولية البريئة سرعان ما تبدو أنها القليل الذي يحمل الكثير، وفق فلسفة دي رو، إذ تحمل بمضمونها أمنية بأن يعيش أطفال هذا العالم جميعاً آمنين دافئين وسط من يحبون، وها هي الأم تشرح لأبنائها بعد أن كشفت ما فعلته أختهم أنجيلا، كيف أن والدهم سجن بسبب محاولته سرقة قطع فحم لبيته البارد، وكيف أن التفاف العائلة حول الأم في تلك الليلة القاسية بدد ذلك البرد.
في "عيد ميلاد أنجيلا" لسنا أمام فيلم صنع ليخاطب الأطفال وحسب وإنما نحن أيضاً أمام مادة فيلمية صنعت بعقلية طفل وبراءة منطقه الحياتي، فالعيد لا بد أن يكون سعيداً للجميع، ذلك منطق أنجيلا لا منطقنا نحن، فهي سرقت الطفل يسوع لأنها أرادت له أن ينعم في ليلة عيد الميلاد بالدفء على أن تعيده في اليوم التالي إلى الكنيسة.
إلا أن أنجيلا في قرارة نفسها ورغم قناعتها بأنها لم تسرق الطفل يسوع كانت تخشى من أن يحاسبها الجميع على فعلتها هذه، فنجدها تخاف من الشرطي الذي تتفاجأ به عند بوابة الحانة، وتعتقد أنه سيلقي القبض عليها، وترتعب من الظلال في الزقاق المظلم الذي تمشي فيه، وتحاول إدخال الدمية خلسة إلى بيتها دون أن يعرف أهلها.
تتصرف أنجيلا على هذا النحو لأنها تدرك بمنطق الطفلة أن الكبار عادة لا يجهدون أنفسهم في محاولة تفسير علاقة الأطفال مع الأشياء حولهم، ولا يحاولون تفهم منطق سلوكهم، ويكتفون بمصادرة كل ذلك بمبرر أن الصغار لا يفهمون، لذلك نجدها حين تتسلل إلى الكنيسة لسرقة الطفل يسوع، تختبئ عن عيون المصلين والكاهن لاعتقادها الغالب أن أحداً منهم لن يسمح لها بأخذ الطفل لتدفئته، وحين تدخل هذا الأخير في غفلة من أمها إلى البيت تدرك أنها ستلقى التأنيب لو عرفت الأم بذلك ولن تتفهم رغبتها أيضاً.
هذا المنطق الطفولي لأنجيلا كان الناظم لبناء حبكة الحكاية وتصاعد أحداثها، وهو ما يجعلنا نعتقد أن الفيلم كتب بعقل طفل، إلى اللحظة التي تدخل فيها عقلية الكبار لتتابع سرد الأحداث ابتداء من اكتشاف الأم ما فعلته أنجيلا، ومحاولتها تلافي تبعات سرقة الطفل يسوع، وهنا سنبدأ بتحسس منطق الكبار وقد بدأ يغزو الحكاية، فالحادثة التي ترويها عن السجين والبرد الذي بدده شمل العائلة هو منطق وعظي عادة ما يتبعه المؤلفون في نهاية قصص الأطفال، وسعادة العجوزين اللذين كانا يصليان في الكنيسة، وتضطر أنجيلا المتخفية لشكرهما كيلا ينفضح أمرها، وفي اعتقادهما أن الطفل يسوع هو من فعلها، هي حادثة يسوقها المؤلف أيضاً لإضفاء طابع كوميدي متخيل على الحكاية، ورغبة منه برفع درجة القيمة فيها بالقول إن إسعاد الناس من الممكن أن يتم بأبسط الأمور.
ورغم صوت الكبار الطارئ في الحكاية تبقى عقلية الطفل التي بنت السرد، لم تكن هدفا له، هي امتياز فيلم "عيد ميلاد أنجيلا"، يضاف إلى ذلك أسلوب بناء الرسوم المتحركة عالي الجودة عبر تقنية (CG)، والتوظيف الجيد لعناصر الصورة في خدمة الحكاية.