"إسقاط الجنسية" بين آمال ردع الإرهاب ومخاوف سوء الاستخدام
عقوبة "إسقاط الجنسية" التي أقرتها فرنسا ضد المدانين بالإرهاب، واقترحها نواب بالبرلمان المصري، هل تردع الإرهاب أم تصبح أداة للتمييز؟
لم يمنع الجدل والإدانات الحقوقية، اللذان رافقا مناقشات الحكومة الفرنسية حول عقوبة إسقاط جنسية المدانين في جرائم إرهابية، نوابا في البرلمان المصري من طرح اقتراح مماثل في مواجهة جيل جديد من التكفيريين بالبلاد، وسط مخاوف من إساءة استخدام تلك العقوبة، وعدم فعاليتها في مواجهة إرهاب لا يعترف بالحدود.
وكانت الحكومة الفرنسية قررت نهاية العام الماضي في تعديلها الدستوري المرتقب على بند مثير للجدل حول نزع الجنسية من ذوي الجنسية المزدوجة المولودين في فرنسا، والذين أدينوا في قضايا الإرهاب، وهي التعديلات التي أقرها البرلمان أوائل العام الجاري.
وتبرر الحكومة الفرنسية اليسارية تبنيها تعديلات دستورية ذات ملامح يمينية، بتأييد الرأي العام، في مسعى للحد من آثار الرواج الملحوظ لخطاب اليمين في أوروبا.
لكن حمى المطالبة بتغليظ العقوبات وإدراج عقوبة إسقاط الجنسية في مواجهة الإرهاب انتقلت إلى القاهرة، بعد أن فجر انتحاري نفسه بكنيسة في وسط القاهرة مخلفا 28 قتيلا معظمهم من النساء والأطفال، الشهر الجاري، حيث طالب نواب في البرلمان بإسقاط الجنسية المصرية عن المدانين في جرائم إرهابية.
الإجراء الفرنسي الذي جاء كمقترح عقب هجمات باريس التي وقعت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، وأسفرت عن مقتل 130 شخصا، وجد المزيد من المتحمسين بعد فاجعة مقتل 84 فرنسيا دهسا تحت شاحنة قادها شاب تونسي باتجاه حشود المحتفلين بالعيد القومي في نيس، في يوليو/تموز الماضي.
وتقول المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية المصرية سابقا لـ"العين"، إن "الشرعية الدولية قدمت الحق الجمعي على الحق الفردي، وعلى الرغم من أن إسقاط الجنسية يمس حقا أساسيا للإنسان إلا أن الظروف الراهنة تحتم النظر إلى أمن المجتمع قبل حق الفرد".
وتؤيد المستشارة الجبالي إدراج عقوبة إسقاط الجنسية، وتضيف أن جريمة الإرهاب تمس مفهوم الانتماء الذي تتأسس عليها الجنسية، سواء كانت أصلية أو مكتسبة.
لكن أستاذ القانون الدولي المصري إبراهيم أحمد، يرى أن إجراءات العقوبات الجنائية المقررة في القانون تكفي لردع أي خارج عن القانون، مشيرا إلى أن "إجراء إسقاط الجنسية فضلا عن كونه يمس المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق الأساسية للإنسان، لا يمثل ردعا لمن يقدم على تفجير نفسه".
وأضاف أحمد لبوابة "العين"، إلى أن قانون الجنسية المصري على سبيل المثال -وهو قانون مستقر منذ أن صدر في عام 1926- أرسى مبادئ راسخة لإسقاط الجنسية، حددها في 7 حالات، من بينها إقدام الشخص على ارتكاب أفعال تهدد أمن الدولة، لذا لا يرى سببا في أن يضاف في قانون الإرهاب عقوبة تكميلية، قد تغري مزيدا من الدول على الإقدام على خطوة مماثلة قد يساء استخدامها على أساس تمييزي.
وتقول الحكومة الفرنسية، إن عدد الأشخاص الذين التحقوا بجماعات إرهابية في سوريا والعراق قد تخطى حاجز الألف، مشيرا إلى وجود 600 في أماكن القتال ومقتل 148 في المعارك، فضلا عن عودة 250 إلى الأراضي الفرنسية.
وكانت وزيرة العدل الفرنسية قد أعربت لمحطة إذاعية جزائرية عن اعتقادها أن إسقاط الجنسية لن يكون مجديا في مكافحة الإرهاب، بل سيطرح مشكلة جوهرية حول المبدأ الأساسي "للحق في الأرض"، وهو حق يحصل بموجبه الأبناء المولودين في فرنسا على جنسياتها.
لكن تلك المخاوف لا ترقى في نظر المستشارة الجبالي للتراجع عن الإجراء الذي وصفته بالـ"رادع"، وتوضح أن هذه العقوبة قد تمنع وقوع الجرم لما يترتب عليها من تشريد لفاقدي الجنسية، لافتة إلى أن الإجراء الإداري سيحظى بمراقبة قانونية في دولة ذات تاريخ ديمقراطي عريق.