كانت معظم المدارس الرئيسية في الفلسفة الصينية القديمة ضد الحرب، على أسس أخلاقية وعملية
يظل صوت العقل هو بيت الحكمة الإنساني والخالد، ولديه الكثير ليقوله عن السلام، وفي الوقت الحاضر ربما نحتاج إلى أن نستمع إليه أكثر من أي وقت مضى في عالم يتسم بالتوتر والصراع، فقوى التحامل والتعصب وسوء الفهم تولّد صراعًا بين الأمم وداخلها، والحرب أو خطر الحرب موجود على مختلف المستويات على الأرض، حيث تنتشر العداوات العرقية والدينية، ولا تزال سحابة الحرب النووية معلقة في سماء تاريخ الإنسان، لذلك علينا أن نستمع إلى صوت العقل والحكمة، وتوضيح المبادئ الأخلاقية، وفهم الواقع، والتمييز بين الحقيقة والمعارف الخاطئة. فالنصيحة التي قدمها فلاسفة الماضي بشأن الحرب والسلام لا تزال صالحة اليوم.
حكمة السلام أقوى بكثير من مختلف لغات الحرب في التاريخ، مهما تعددت واختلفت الأسباب. حمى الله بلادنا من كيد الأعداء وجهالتهم.
كانت البداية مع الفلاسفة الصينيين المتجولين في مدرسة للفكر، فقد كانوا يجلسون عند بوابة الإمارة الصغيرة خلال عصر الدول المتحاربة (475-221 ق.م.)، وكان دورهم هو تقديم المشورة للحاكم حول الاستراتيجية، مثل ما إذا كان ينبغي الاستفادة من ضعف الدولة المجاورة وغزوها أم لا، وقد كانت معظم المدارس الرئيسية في الفلسفة الصينية القديمة ضد الحرب، على أسس أخلاقية وعملية، فقد حذّر تلميذ كونفوشيوس منغزي (منسيوس) من أن الحروب للاستيلاء على المدن أو الأراضي تؤدي دائمًا إلى كارثة: إنها وسيلة "لتعليم الأرض كيف تأكل اللحم البشري".
بعدما يقرب من ألفي عام، في عام 1516 ميلاديا، نصح العالم الإنساني ديسيديريوس إراسموس حاكم هولندا بأن الأهم هو "الحكم بحكمة في أوقات السلم" حتى "تمنع أي حاجة مستقبلية للحرب"، وبعد عدة قرون، أسهب برتراندراسل في كتاب "أخلاقيات الحرب" (1916) الحديث حول الأسباب الحقيقية للحرب العالمية الأولى، وكتب كيف خدعت الوطنية والكراهية الرأي العام البريطاني، وأشار إلى أن جميع القوى العظمى في أوروبا لها نفس الأهداف: الأرض والتجارة والهيبة، وكان الفرق الوحيد هو أن الألمان كان لديهم نصيب أقل، وكانوا يرغبون في زيادته على حساب أوروبا..
قال تولستوي الحرب لعنة على البشرية، وتخدم أهدافًا قليلة إذا تمت مقارنتها بآثار الدمار والألم والخراب، ويمكن أن تولّد متغيّرات اجتماعية عنيفة، وذلك بيت القصيد فيما يجري، فاستنزاف المدخرات، واهتزاز الاستقرار المعيشي يولّد متغيّرات اجتماعية ونفسية بين الشعوب، وقال الحكيم العربي زهير بن أبي سلمى في هذا السياق منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم :: وما هو عنها بالحديث المرجم، متى تبعثوها تبعثوها ذميمة :: وتضرَ إذا ضريتموها فتضرم، فتعرككم عرك الرحى بثفالها، وتلقح كشافًا ثم تنتج فتتئم، فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم :: كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم.. وهو ما يحدث في اليمن الآن بسبب ما أحدثته ثقافة الحرب في أحوال الناس.
ذكر التاريخ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض ولد هرم بن سنان: أنشدني بعض مدح زهيرٍ أباك، فأنشده، فقال عمر: إن كان ليحسن فيكم القول، قال: ونحن والله إن كنا لنحسن له العطاء، فقال: قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم، وقال عمر لابن زهير: ما فعلت الحلل التي كساها هرمٌ أباك؟ قال: أبلاها الدهر، وهو دليل أن حكمة السلام أقوى بكثير من مختلف لغات الحرب في التاريخ، مهما تعددت واختلفت الأسباب. حمى الله بلادنا من كيد الأعداء وجهالتهم.
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة