يوماً ما ستكون هذه العقوبة من الأمور المُعتادة لأنها سُتحدث نقلة إيجابية في تنظيم وتعزيز القانون بأن يسري على الجميع
عندما يكون هناك قانون جديد متفرِّع من قانون عام فتأكدوا أن هناك جريمة حدثت، وأن المُشرّع الأساسي الذي أُخذت منه كل قوانين الدستور وهو الشريعة الإسلامية يُنادي بالعدل والإنسانية والمرونة في وضع الأحكام التشريعية وفقاً للدستور المدني، لهذا سُنّ قانون وديمة مُؤخراً للحفاظ على حقوق الطفل وحمايته من سوء المعاملة حتى لو كانت من قِبل والديه، ولقد اُستند هذا القانون الجديد من نظرة المُشرّع للحادثة التي أدتّ بحياة الطفلة وديمة على يد والدها بصورة بشعة وغير إنسانية لهذا جاء القانون ليحمي حق الطفل من سوء معاملة البشر .
واليوم يتكرر مشهد آخر ويُضاف ملفٌ جديد في قانون العقوبات للمُدانين بأعمال في بعض قضايا الجُنح، وقد جاء في المادة 120 من مرسوم التعديل والذي ينصّ على الخدمة المجتمعية وهي إلزام المحكوم بتأدية أحد أعمال هذه الخدمة ويُحدّدها قرار يصدر من مجلس الوزراء، وهي عقوبة تأديبية أكثر منها جنائية بدلاً من السجن أو دفع الغرامة التي باتت طُرقا لا تُجدي للردع العام نظراً للرفاهية التي يحظى بها الشباب في الغالب ولأن السجون باتت تعجّ بالكثير من مُرتكبي المُخالفات، فهذا القرار بجميع جوانبه يخدم المجتمع في المجتمع الأول.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أمر بأن يقوم مُرتكبو مخالفة القيام بحركات استعراضية خطرة بسيارتهم في منطقة "سيتي ووك" في إمارة دبي بتنظيف الشوارع العامة أربع ساعات يومياً لمدة شهر على سبيل الخدمة المجتمعية، وهي العقوبة المُقدّرة لهذا الفعل الشنيع وحتى يكونوا عِبرة لغيرهم مما تسول له نفسه أن يفعل مثل ذلك.
لم يوجد القانون في بلد ما إلّا لتنظيم الحياة وتسهيل أمور الناس على النحو السليم وللحدّ من انتشار الجرائم ومُرتكبي المُخالفات وهي عقوبات تتمثّل في مجموعة من قواعد أخلاقية قبل أن تكون عقابا بدنيا أو جنائيا، وأحياناً العقاب البدني لا يجّر وراءه إلّا الآثار السلبية، لذلك كان لِزاماً بتغيير وتعديل وتجديد قانون اقتضى عليه ما حدث لينال المُسيئون العقاب المُناسب الذي يراه الحاكم.
طبيعة أي قانون أن يكون مرنا وأن تتغيّر فيه أحكام جديدة تتفرع منه حسب الظروف والأحداث، فهذه المرونة والتي لم يُخالفها الشرع تجعل من القانون سهل التنفيذ والتطبيق ولا يُلزم أي شخص مُخالف له إلّا في حدود المعقول، والعقوبة التي أوردها الشيخ محمد بن راشد لا تتعدّى العقوبات التأديبية التي تضع الموازين في نصابها، فالمكان الذي أحبوه ومارسوا فيه هوايتهم الخطرة واستعرضوا كل جماليات اللحظة هو نفس المكان الذي طُلب منهم تنظيفه، فاحترام أحقيّة التواجد في مكان عام مُخصّص للجميع حق لهم بكل مقاييس الجمال والنظافة، وأن تعبث فيه أيادي مراهقين بصورة مُزعجة ومُروّعة وغير حضارية يُنافي ذلك، لهذا جاءت العقوبة من جنس الجزاء والعمل الذي ارتكبوه، فكونهم يستمتعّون بلحظات شبابية لا يُعطيهم الحق في ترويع المؤمن أو تضييق الخِناق على الماّرين في هذا الشارع الحضاري والذي يعكس جمال دبي.
كذلك المكان غير مُخصّص لمثل هذه الألعاب الخطرة، وهناك ألعاب أنفع ولها أماكن معينة تُقام فيها مثل هذه الهوايات، برغم أنها ليست هواية بل عمل مزعج ومستهتر لأنهم يُعرّضون حياتهم وحياة الغير للخطر، وعملهم يُشابه تماماً السرعة المُخالفة للقانون فكلاهما نتيجته واحدة، وهو المساس بأمن وسلامة النفس والروح، والعقوبة جاءت مُخففّة ومُجدية وفيها من الفلسفة والعبقرية الشيء الكثير، ولأنها كذلك قُوبلت بالاستغراب من البعض مما يجعلها مُؤّثرة وناجحة، لأن فقدان بعض من المظاهر و"البرستيج" والكرامة تجعل الناس تنظر إليه أنه مُعاقب ونال جزاءه بصورة أهانت من شخصه وهذا غير صحيح، فمن الطبيعي أن يكفّ الجميع على فعل هذا الأمر طالما أنه في النهاية سينال هذا العقاب، ويكون في هذا المنظر وهنا تكمن عبقرية القرار، ونتائج أبعاده الإيجابية.
لا أجد في هذه العقوبة نوعا من الإزدراء، فالدول الغربية المتقدمة مثل أمريكا تُطبّق هذا القانون تحت مُسمّى "الخدمة المدنية" ولا يُفرّقون بين المشهور أو عامة الناس في تطبيقها، ثم إن تنظيف الشوارع مهنة يقوم بها عُمال النظافة ويتقاضون عليه الأجر، فهي جمعت بين العقوبة وبين المساعدة ونيل الأجر الذي حثّنا عليه ديننا الحنيف في إماطة الأذى عن الطريق والحصول على الصدقات، وهذا العمل المأجور سينفعه سلوكاً وأدباً، فهي خدمة إنسانية ترتدي ثوب العقوبة، وليست مُهينة للكرامة، وأبسط مثال أنك كمُربٍّ وتربوي لابدّ من وجود قانون أو عقاب تتخذّه مع ابنك أو طالبك، فلو أحدث أطفال إزعاجا أو فوضى في مكان ما في البيت ستجد الأب أو الأم يضعون حدّاً لذلك بعقابهم بالصورة المناسبة، ووُلاة أمرنا هم آباء قبل أن يكونوا قادة، وبما أن احترام الوالدين أوصى به الإسلام فمن باب أولى أيضاً احترام أولياء أُمورنا وهم لا يجعلون الضرر نصب أعينهم بل ما هو مصلحة للجميع.
ويوماً ما ستكون هذه العقوبة من الأمور المُعتادة لأنها سُتحدث نقلة إيجابية في تنظيم وتعزيز القانون بأن يسري على الجميع. ولأنها الآن صارت خدمة إجبارية للمُعاقبين فالأمر بحاجة للوقت والتعوّد على هذا القرار، تماماً كالخدمة الوطنية فهي في مردودها الإيجابي حمت الكثير من أخلاقيات شبابنا وثقافته الوطنية والعسكرية وصارت الخدمة الوطنية أُمنية كل شاب إماراتي لما وجدوه من تعزيز وترسيخ في حب الوطن والولاء لقادته، وهو ما يهدف إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في إرتقاء الشباب من أخلاقياتهم والنظر لأي فعل طائش بأن نتائجه وخيمة على النفس والغير، وبهذا يُغرس في الشباب خِصال الإسلام عند تفعيل مثل هذه القوانين الرادعة للظواهر السلبية والدخيلة على المجتمع الإماراتي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة