الخرق الأمني "الأخطر" منذ 2013.. من وراء تسريب الوثاق الأمريكية؟
حالة من الجنون أصابت مجتمع الأمن الأمريكي بعد تسريب عشرات الوثائق السرية عن الحرب في أوكرانيا، دفعت لبحث حثيث عن الفاعل.
سؤال يبحث عنه المسؤولون الأمريكيون بعد تسريب تفاصيل حساسة عن الدفاعات العسكرية الأوكرانية، في وقت تستعد فيه كييف لشن هجوم مضاد ضد القوات الروسية.
من سرّب الوثائق؟
بحسب خبراء أمن قومي ومسؤولين أمريكيين، قد يكون مصدر التسريب أمريكيا، بالنظر إلى اتساع الموضوعات التي تغطيها الوثائق. ومع ذلك، لم يتم استبعاد مصدر مؤيد لروسيا.
وفي هذا الصدد، قال مسؤولان أمريكيان إن البنتاغون يدرس الإجراءات التي تحكم مدى انتشار بعض الأسرار الأمريكية الأكثر حساسية.
ووفق ما نقلته رويترز عن أحد المسؤولين، فإن بعض الوثائق كانت على الأرجح متاحة لآلاف الأشخاص الحاصلين على تصاريح أمنية من الولايات المتحدة والحكومة الحليفة على الرغم من كونها شديدة الحساسية، لأن المعلومات أثرت بشكل مباشر على تلك البلدان.
وأوضح المسؤول في حديثه للوكالة "لقد احتاج البنتاغون إلى الحد من الوصول الجامح إلى بعض المعلومات الأكثر حساسية عندما لا يكون هناك سبب مبرر لامتلاكها"، مشيرًا إلى العدد الكبير من الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى وثائق.
فيما حاول الخبير الاستقصائي أريك تولير، تتبع طريق الوثائق من منصة المراسلة والتواصل الاجتماعي Discord، إلى منصة تشارك المصادر 4Chan وتطبيق المراسلة تلغرام.
يقول تولير إنه لم يكن من الممكن حتى الآن الكشف عن المصدر الأصلي للتسريبات، لكنه تتبعها على منصة مراسلة شهيرة يستخدمها محترفو الألعاب الإلكترونية، في أوائل مارس/آذار الماضي.
ففي 4 مارس/آذار الماضي، وبعد جدال حول الحرب في أوكرانيا على منصة Discord، كتب أحد المستخدمين "هنا، بعض الوثائق المسربة" قبل نشر 10 منها.
ويقول تولير عن ذلك، إنه شكل من أشكال التسريب غير العادي، ولكنه ليس فريدًا من نوعه.
وفي عام 2019، وقبل الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، ظهرت الوثائق المتعلقة بالعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على موقع مشاركة الروابط Reddit و 4Chan ومواقع أخرى.
في ذلك الوقت، قال موقع Reddit إن الوثائق جرى رفعها على الموقع من روسيا، وهو أمر لطالما تنفيه موسكو.
في حالة أخرى، في العام الماضي، نشر لاعبو لعبة شهيرة عبر الإنترنت بشكل متكرر وثائق عسكرية حساسة، في محاولة على ما يبدو لكسب الجدال فيما بينهم.
حالة جنون
في هذه الأثناء، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أمريكيين شريطة عدم الكشف عن هويتهما، أن مجتمع الأمن القومي الأمريكي يكافح في ظل تداعيات الإفراج عن عشرات الوثائق السرية، بما في ذلك التأثير على تبادل المعلومات الحساسة داخل الحكومة والعلاقات مع الدول الأخرى.
فالوثائق والرسوم البيانية والصور المسربة، تعرض بالتفصيل نقاط الضعف العسكرية في أوكرانيا وخططها الاستراتيجية، كما أنها تحتوي على معلومات من نوعية أخرى.
وبعد فصل الشتاء الذي اختبر الدفاعات الجوية الأوكرانية إلى أقصى حد، هناك أيضًا تحليل واقعي في الوثائق لقدرات الدفاع الجوي المتناقصة في كييف، حيث تسعى الأخيرة إلى تحقيق التوازن بين مواردها المحدودة لحماية المدنيين والبنية التحتية الحيوية وحماية قوات الخطوط الأمامية.
ولا تكتفي الوثائق المسربة بذكر الكثير عن حالة الجيش الأوكراني فحسب، بل إنها تتحدث أيضًا عن بعض حلفاء واشنطن الآخرين. من إسرائيل إلى كوريا الجنوبية، وتكشف الوثائق عن نقاشات داخلية تجريها تلك الدول حول أوكرانيا وقضايا حساسة أخرى.
وتم وضع علامة "سري للغاية" على بعض الوثائق، فيما سمح بمشاركة البعض الآخر مع أقرب حلفاء المخابرات المركزية الأمريكية.
هل الوثائق حقيقية؟
هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" نقلت عن مصادر في البنتاغون تأكيدها أن الوثائق المسربة "حقيقية".
لكن في كييف، تحدث مسؤولون عن حملة تضليل محتملة من قبل روسيا، وفق بي بي سي.
فيما أشار مدونون عسكريون آخرون إلى عكس ذلك: بأنه جزء من مؤامرة غربية لتضليل القادة الروس.
وبعيدا عن هذا الجدل، أعلنت أوكرانيا أن رئيسها وكبار مسؤوليها الأمنيين اجتمعوا لبحث سبل منع التسريبات في المستقبل.
إسرائيل أيضا وعبر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وصفت إحدى الوثائق، التي يُزعم فيها أن إحدى وكالات المخابرات شجعت الاحتجاجات الأخيرة ضد الإصلاح القضائي، بأنها "كاذبة ولا أساس لها على الإطلاق".
في غضون ذلك، قال مسؤول رئاسي كوري جنوبي إن بلاده تخطط لمناقشة "القضايا المثارة" مع واشنطن.
وعلى الرغم من أن الكشف عن الوثائق يبدو أنه أخطر تسريب علني للمعلومات السرية منذ سنوات، يقول المسؤولون الأمريكيون إنه حتى الآن لا يصل إلى حجم ونطاق 700 ألف وثيقة ومقطع فيديو وبرقيات دبلوماسية ظهرت على موقع ويكيليكس على الإنترنت في عام 2013.
لكن الأكيد أن هذا هو أكبر تسريب للمعلومات الأمريكية السرية عن الحرب في أوكرانيا منذ بداية العملية الروسية قبل 14 شهرًا، إذ أن بعض الوثائق يصل عمرها إلى ستة أسابيع فقط.