تغير المناخ وصحة الأطفال.. المغرب يروي «القصص الحزينة» ويتمسك بالأمل
يعاني أطفال عدد من القرى النائية في المغرب من تفشي الأمراض المرتبطة بتغيرات المناخ على نحو يتطلب تحلي المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه هذا التأثير غير العادل.
ويعاني المغرب بشدة من التغير المناخي، لأنه يقع في إحدى أكثر المناطق جفافا في العالم، التي تشهد تواترا أكثر للظواهر الحادة من قبيل الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، وتدهور النظم الإيكولوجية، وندرة موارد المياه وظهور أمراض جديدة وهجرة قسرية من الأرياف نحو المدن الكبرى.
وتتسبب آثار تغير المناخ في المغرب، خاصة في المناطق الجنوبية والأرياف في أمراض مزمنة للأطفال من قبيل ضيق في الجهاز التنفسي والملاريا، والإسهال وأمراض معدية قد تؤدي أحيانا إلى الوفاة في صفوف الرضع والأطفال.
قصص حزينة
وفي هذا الصدد، دق خبراء في الصحة والمناخ ناقوس خطر ارتفاع عدد الوفيات وتفشي الأمراض والإصابات جراء أحوال مناخية قاسية، داعين إلى التدخل واتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة للتكيف مع آثار تغير المناخ من أجل إنقاذ حياة الأطفال.
منير طفل عمره لا يتجاوز 11عاما وينحدر من مدينة الراشيدية (جنوب المملكة)، يعاني من الربو وضيق في التنفس، يجلس في مكان منزو ويترقب بعينيه الضيقتين أقرانه وهم يلعبون كرة القدم، وكلما سجل أحد رفاقه الهدف لا يقوى على التصفيق أو تشجيعه بكلمات تنويه.
منير يمشي بصعوبة، يسعل سعالا شديدا يكاد يختنق، يقف هنيهة ثم يواصل المسير.
سألت "العين الإخبارية"، مريم والدة منير عن أسباب مرضه، ورددت بصوت حزين "منذ ثلاثة سنوات أصيب بالربو نتيجة تغير المناخ بالمنطقة التي باتت تعاني الجفاف وندرة الماء وارتفاع مفرط في درجة الحرارة ونقص في المحصول الزراعي".
وتابعت الأم: "علاج ابني يتطلب تكاليف مالية باهظة لهذا لم يتعافى بعد من المرض".
أما محمد (8 سنوات) فيتحدر من المنطقة ذاتها، ويعاني من تعفن في الأمعاء منذ ثلاث سنوات.
يسرد محمد معاناته مع المرض لـ"العين الإخبارية" قائلا : "بسبب الجفاف الذي تشهده القرية منذ سنوات نعاني من شح في المياه، ونضطر لشرب الماء من الوادي دون أن يعرف السكان أنه ملوث وتوجد به بكتيريا تتسبب في تعفنات في الأمعاء".
وقبل أن يكمل محمد حديثه، تحدثت والدته عائشة مقاطعة "الجفاف حرمنا من مياه الشرب وبسبب غياب الربط المائي نضطر إلى شرب ماء البئر والوادي".
صمتت الأم دقيقة وقالت "ابني حرم من الذهاب إلى المدرسة لأن التعفن في الأمعاء تسبب له في إسهال دائم".
تغير المناخ يترك أضرارا صحية لدى الأطفال
تعليقا على كل هذا، قال الطيب حمضي، الخبير في النظم الصحية والسياسات في حديث مع "العين الإخبارية"، إنه بسبب توالي سنوات الجفاف يعاني عددا من المواطنين خاصة في جنوب المغرب والمناطق النائية، من أمراض كالإسهال وجفاف الجسم والقلب والجهاز التنفسي.
وربط حمضي الأمر بالآثار التي يخلفها أثر تغير المناخ، والجفاف وشح المياه، وتدمر التنوع الإحيائي وتقلص الغطاء النباتي.
وأوضح حمضي أن الأطفال يعتبرون الأكثر ضعفا من ناحية النظام المناعي والنمو، لهذا هم الأكثر عرضة للأمراض بسبب تغير المناخ.
وتابع الخبير في النظم الصحية، أن تغير المناخ يؤثر على الغذاء ومصادر المياه والصحة العامة، مما يفاقم أمراض الإسهال والقلب والجهاز التنفسي.
وأشار المتحدث، إلى أن الأبحاث العلمية أثبتت أن آثار تغير المناخ تترك أضرارا صحية بنسبة أكبر لدى أطفال المناطق النائية، خاصة في غياب التطبيب والمراكز الصحية وانعدام الوعي.
التدهور البيئي يفاقم الأمراض المعدية
ويؤكد خبراء أن هذه الأمراض التي تصيب الأطفال هي نتيجة ارتفاع في تركيزات الأوزون على مستوى الأرض في المناطق الحضرية ذات الصلة بتغير المناخ.
وكان تقرير صادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية عام 2016 أكد أن المغرب يشهد سنويا وفيات مرتبطة بالتدهور البيئي بمعدل يزيد عن 130 حالة وفاة من أصل 100 ألف نسمة، وذلك بناء على بيانات منظمة الصحة العالمية لسنة 2016، التي أكدت أن نسبة كبيرة من الوفيات تسجل لدى فئة الأطفال دون سن الخمس سنوات.
ومن جهتها قالت عزيزة مخشان، الخبيرة في التنمية المستدامة، في اتصال هاتفي مع "العين الإخبارية" إن تغير المناخ له ارتباط وثيق بالصحة العامة للإنسان، وعلى رغم من التقدم العلمي الملحوظ على مستوى القضاء على انتقال العديد من الأمراض، إلا أنه يخشى أن يفسد تغير المناخ هذا الإنجاز حيث تبدي كثير من الأمراض الفتاكة حساسية شديدة تجاه التغيرات التي تعرفها درجة الحرارة والرطوبة مما يؤدي إلى سرعة انتشار الأمراض.
واسترسلت المتحدثة ذاتها، أن الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة يؤكد أنه من أجل الحد من آثار تغير المناخ يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ وآثاره، مشيرة إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة تواتر وكثافة الأحداث المناخية القاسية مثل موجات الحر والجفاف والفيضانات والأعاصير المدارية وتفاقم مشاكل إدارة المياه وتقليل الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي وزيادة المخاطر الصحية وتدمير البنية التحتية الحيوية ومقاطعة توفير الخدمات الأساسية: المياه والصرف الصحي، والتعليم، والطاقة والنقل.
مخاوف من ظهور حشرات حاملة للفيروسات
تابعت الخبيرة، أن علماء الحشرات لديهم اقتناع أن توسع المناطق الحارة والرطبة على سطح الكرة الأرضية سيفاقم من أعداد الحشرات الحاملة للفيروسات عشرة أضعاف، مشيرين إلى أن التكلفة التقديرية للأضرار المباشرة للصحة ستتراوح بين 2 و4 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2030.
لفتت مخشان، إلى أن أمراض الجهاز التنفسي يتسبب فيها تغير المناخ، والمرتبطة بتلوث الغلاف الجوي، ومحتوى الأوزون الذي يرفع درجة الحرارة.
جهود الحكومة تعيد الأمل
ومن أجل ضمان استراتيجيته التنموية ومواجهة تحدي تغير المناخ في عدد من المناطق خاصة جنوب المملكة، اتخذ المغرب عددا من المبادرات على المستوى الصحي من بينها تنظيم قوافل طبية وتأسيس مستشفيات ميدانية لتوفير العلاجات الضرورية وإنقاذ الأطفال.
كما عمدت إلى مبادرات اقتصادية جديدة من قبيل تسريع وتيرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر، واعتماد مصادر الطاقات المتجددة، وتدبير الموارد المائية ومحاربة شح المياه وضمان أمن غذائي وطاقي.
ورغم أن مساهمة المغرب منخفضة في الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، فقد وضع مساهمة محددة وطنيا، حيث يطمح إلى الحد من الكربون ليصبح دولة مصدرة للطاقة الخضراء، نحو الاتحاد الأوروبي وتعزيز السيادة الطاقية، وفق أهداف "الخطة الوطنية منخفضة الكربون طويلة الأمد 2050"، التي قدمها المغرب للأمم المتحدة في نهاية عام 2021.
يشار إلى أن اتفاقية حقوق الطفل (1990) تؤكد على أهمية ضمان حقوق الأطفال فيما يتعلق بالبيئة، ومن ثم نصت المادة 24 من الاتفاقية على حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، بما في ذلك الحق في الحصول على الغذاء المأمون ومياه الشرب فضلا عن حقه في الحماية من الأمراض ومن التلوث.
ويشير تقرير حول تلوث الهواء وصحة الأطفال، نشرته منظمة الصحة العالمية عام 2018، إلى أن ما يقرب من 1.7 مليون طفل دون سن الخامسة يموتون كل عام بسبب أمراض مرتبطة بالبيئة. ووفقا لليونيسيف، فإن 99 في المائة من الوفيات التي تعزى بالفعل إلى تغير المناخ تحدث في البلدان النامية، ويشكل الأطفال 80 في المائة من هذه الوفيات.
وتفيد مؤشرات اليونيسيف بأن عدد الأطفال المتأثرين بالكوارث الناجمة عن تغير المناخ يتزايد بشكل كبير: ففي كل عام، يتأثر حوالي 66.5 مليون طفل، وسيرتفع هذا الرقم ليبلغ 175 مليون طفل خلال العقد المقبل.
aXA6IDEzLjU5LjIwNS4xODIg جزيرة ام اند امز