ما العلاقة بين تغير المناخ وتزايد العنف في المدن؟.. معهد ستوكهولم يجيب
تتعرض المدن لتغير المناخ بشكل واضح لكن هذه المناطق معرضة لآثار تتجاوز مسألة الآثار التقليدية لهذه الظاهرة المناخية.
تظهر المدن بالفعل في النقاش الدائر حول تغير المناخ بسبب آثارها الكربونية، كما تظهر كذلك في كثير من الحالات، فيما يتعلق بالقيادة والابتكار في التحول الأخضر. لكن هذه المناطق معرضة لتغير المناخ بشكل يتجاوز مسألة الآثار التقليدية لهذه الظاهرة المناخية.
هذا ما خلص إليه تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي اعتبر أن تغير المناخ سوف يؤثر على معدلات العنف في المناطق الحضرية.
وقال المعهد في تقريره إن أكثر من نصف سكان العالم (57 في المائة) يعيشون في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى ما يقرب من 70 في المائة بحلول عام 2050.
ولم يكن هناك سوى القليل من الأبحاث حتى الآن حول الكيفية التي يمكن بها لتغير المناخ أن يزيد من خطر العنف في المناطق الحضرية، ولكن هناك العديد من الأسباب التي تبرر ذلك، ومع تكثيف التوسع الحضري وتغير المناخ فهناك حاجة ملحة لفهم هذه العلاقة من أجل منع آثار تغير المناخ من أن تصبح مصدرا آخر للعنف في المدن.
وتعرض التقرير لمجموعة واحدة محتملة من العلاقات السببية التي قد يؤدي تغير المناخ من خلالها إلى زيادة خطر العنف الذي يرتكبه فقراء الحضر أو ضدهم، وهو "فشل الإدارة الملموس" الذي يجعلهم أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، مما يسبب مظالم تؤدي في النهاية إلى العنف.
التعرض والتأثر بتغير المناخ في المدن
وتتعرض المدن لمجموعة واسعة من تأثيرات تغير المناخ، وتشير الأبحاث إلى أن أهم التأثيرات من المرجح أن تتمثل في ارتفاع متوسط درجات الحرارة، وموجات الحر، والفيضانات الناجمة عن تغير أنماط هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر، وندرة المياه.
وأحد الأمثلة على كيفية تأثير تغير المناخ على سكان المناطق الحضرية هو الفيضانات، وفي جميع أنحاء العالم يعيش نحو 25 في المائة من سكان العالم في مناطق شديدة الخطورة للفيضانات، وغالبيتهم العظمى في البلدان النامية. وللفيضانات آثار لا تعد ولا تحصى على المدن، بما في ذلك عن طريق زيادة المخاطر على الصحة العامة وتفشي الأمراض عندما تتعرض أنظمة المياه والصرف الصحي للخطر، وتؤدي إلى إتلاف الممتلكات أو تدميرها. ويمكن أن تؤثر الفيضانات بشكل غير متناسب على فقراء المناطق الحضرية، خاصة إذا كانوا يعيشون في مساكن عشوائية في المناطق المعرضة للفيضانات.
وفي حين أن الفيضانات يمكن أن تكون نتيجة هطول أمطار غزيرة، فإن العديد من مدن العالم سوف تتعرض أيضًا لآثار ارتفاع مستوى سطح البحر. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يعيش حوالي 800 مليون شخص في مدن تتأثر بارتفاع مستوى سطح البحر بما لا يقل عن نصف متر. ففي دار السلام، تنزانيا، على سبيل المثال، يقع حوالي 8 في المائة من المدينة حاليًا تحت مستوى سطح البحر، مما يعرض ما لا يقل عن 143000 شخص لخطر الفيضانات الساحلية. وتنمو أيضًا المنازل العشوائية في دار السلام نتيجة للزيادة السريعة في عدد السكان، بما في ذلك المناطق الساحلية المعرضة بالفعل للفيضانات. لا تؤدي الفيضانات الساحلية إلى تدمير الممتلكات فحسب، بل يمكن أن تلحق الضرر بالبنية التحتية الحيوية وتلوث موارد المياه العذبة في المدينة.
من فشل الحوكمة إلى المظالم
وفي ذلك السياق، فإن سوء الإدارة الحضرية والبنية التحتية الحضرية يمكن أن يؤدي إلى زيادة التعرض لآثار تغير المناخ. على سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول من عام 2023، ضربت العاصفة دانيال الساحل الشرقي لليبيا، جالبة معها رياح قوية وأمطار غزيرة أدت إلى فيضانات واسعة النطاق. وتسببت العاصفة في انهيار سد مهمل منذ فترة طويلة، مما أدى إلى تدمير كامل لأحياء بأكملها في مدينة درنة الساحلية، ومقتل الآلاف وتشريد عشرات الآلاف.
وحتى قبل العاصفة دانيال، كانت معدلات الفقر في درنة مرتفعة وكانت صيانة البنية التحتية الأخرى سيئة. بعد مرور أسبوع على العاصفة، امتدت المظالم ضد حكومة المدينة عندما خرج سكان درنة إلى الشوارع للمطالبة بالمحاسبة على إهمال السد وسوء إدارة الأزمة. وتصاعدت الاحتجاجات إلى أعمال عنف عندما أشعل المتظاهرون النار في منزل عمدة المدينة آنذاك.
وغالبًا ما يساهم سوء الإدارة والإهمال بشكل غير متناسب في تعرض المجتمعات الحضرية الفقيرة والمهمشة لتغير المناخ. فضلا عن الفشل في بناء استعداد هذه المجتمعات وقدرتها على الصمود في وقت مبكر.
على سبيل المثال، أثناء الفيضانات التي ضربت أكرا بغانا في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2006، لم تقدم السلطات أي مساعدة ملموسة للمجتمعات غير الرسمية، حتى بعد تقديم الشكاوى، مما أجبر السكان على إعالة أنفسهم. يمكن أن يؤدي مثل هذا الإهمال إلى تأجيج المظالم، مما قد يؤدي إلى اضطرابات وحتى احتجاجات عنيفة - فضلاً عن القمع العنيف من قبل الجهات الحكومية أو الخاصة.
وفي بعض الحالات، تؤدي الاستجابات الرسمية لتأثيرات تغير المناخ إلى تفاقم الوضع بالنسبة للمجتمعات المتضررة. على سبيل المثال، أثرت الفيضانات الأخيرة في نيروبي، كينيا، على أكثر من 380 ألف شخص في جميع أنحاء المدينة، لكن استجابة الحكومة خلقت المزيد من الصعوبات للمجتمعات الفقيرة. وبحسب ما ورد، قامت الحكومة، متذرعة بـ "واجب حماية الأرواح" كمبرر، بطرد السكان ذوي الدخل المنخفض الذين يعيشون على بعد 30 مترًا من مناطق ضفاف النهر، وهدمت منازلهم ووفرت لهم مأوى مؤقت. ومما يزيد من حدة المظالم والاستياء ضد الحكومة أن العديد من الأسر المتضررة لم تتلق بعد التعويضات المالية التي وعد بها الرئيس الكيني ويليام روتو.
الحاجة إلى مزيد من البحث
ووفقا للتقرير، فإن هناك أسباب قوية للاعتقاد بأن تأثيرات تغير المناخ يمكن أن تزيد من خطر العنف في المدن والمجتمعات الحضرية المتضررة. فعندما تفشل السلطات في حماية ودعم المجتمعات، خاصة عندما يُنظر إلى تصرفات السلطات -أو في الواقع المواطنين العاديين أو الشركات- على أنها تسهم في تهميش المجتمع وضعفه، فقد يكون ذلك مصدرا للغضب والاستياء.
وتظهر الأبحاث حول العنف الحضري أن مثل هذه المظالم يمكن أن تكون مصدرًا للعنف، بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن البحث الأكاديمي حول كيفية مساهمة تغير المناخ في العنف الحضري لا يزال محدود للغاية. وتركز معظم الأبحاث على آثار الفيضانات في المناطق الحضرية على الاضطرابات، بما في ذلك أعمال الشغب والمظاهرات العنيفة، وتشير إلى أن العنف المرتبط بالفيضانات يميل إلى الحدوث في الأماكن التي يتم فيها تهميش المجموعات المتضررة.
ومع ذلك، فإن القيود المفروضة على البحث تجعل من غير الواضح كيف، وحتى ما إذا كانت المظالم تشكل مسارًا يمكن التنبؤ به يؤدي من خلاله التهميش الحضري والضعف المناخي إلى الاضطرابات والعنف المحتمل. ولذلك هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم ماهية هذه الظروف وكيف تلعب آليات التظلم المتعلقة بالمناخ - على سبيل المثال، متى وكيف يمكن أن تؤدي التظلمات إلى العنف وكيف يمكن منع ذلك. وقد تكون هناك أيضًا آليات أخرى تربط بين تغير المناخ والعنف الحضري تستحق الاستكشاف.