تبارى قادة العالم في التعبير عن إيمانهم بجسامة التأثيرات الضارة لتغير المناخ على مستقبل العالم، عبر خطاباتهم بمؤتمر غلاسكو.
وقد أشاروا إلى جهود حكوماتهم لمكافحة تلك التأثيرات، التي اعتبرها بعضهم "واجباً أخلاقياً واقتصادياً"، مؤكدين ضرورة العمل الجماعي الدولي لتحقيق هدف "صفر انبعاثات كربونية" بحلول عام 2050.
ورغم كل ما تردد من عبارات رنّانة، تبقى الحقيقة المؤسفة، وهي عدم الوصول إلى اتفاق بين الدول الصناعية الكبرى على برنامج تنفيذي أو خطة عمل لها أهداف وتوقيتات محددة.
وقد كان ذلك متوقعاً بعد إخفاق اجتماع مجموعة العشرين، الذي انعقد في روما يومي 30-31 أكتوبر 2021، والذي شاركت فيه الدول الصناعية المتقدمة، المسؤولة عن 80% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
تجلَّى هذا الإخفاق في انتقاد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وتعبيره عن خيبة أمله في عدم الالتزام ببرنامج عمل محدد بخصوص المناخ.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة مشاعره في تغريدة له تفيد بأنه يغادر روما "بآمال محبطة" وإنْ كانت لم يتم دفنها بعد.
وانتقد رؤساء الدول النامية عدم وفاء الدول الصناعية المتقدمة بالتزاماتها لدعم مشروعات خفض الانبعاثات الحرارية، وتشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وعدم تمويل صندوق المناخ العالمي.
وأشاروا صراحة إلى أنهم يحتاجون إلى مساعدات دولية لتحقيق هذا الهدف.
هذا في الوقت الذي عبَّر فيه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، عن تفاؤله، وأن مؤتمر المناخ "فرصة لتغيير علاقة الإنسان ببيئته"، بحيث يكون "صديقاً وراعياً" لها بدلاً من كونه "غازياً ومهيمناً عليها"، وطرح خطة طموحة لإتاحة تقنيات الطاقة النظيفة بأسعار مناسبة بحلول 2030.
وبعيداً عن التجاذبات السياسية، فإن هناك ثلاث حقائق رئيسية ينبغي الإشارة إليها لوضع قضية ازدياد الاحتباس الحراري وما ترتب عليه من تغيرات مناخية في سياقه الصحيح، وهي:
1. يمثِّل الفحم والنفط والغاز الطبيعي المصادر الرئيسية للطاقة في العالم اليوم بنسبة 83% من الطلب على الطاقة، وذلك وفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وتعتبر جميعها المصدر المهم لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الملوِّثة للبيئة.
2. يعتبر الفحم أكثر المصادر تلويثاً للبيئة، ويستخدم لتوليد نحو 40% من كهرباء العالم، وتعتمد عليه صناعة الإسمنت بصفة أساسية.. ويعني هذا أن نقطة البدء في خفض الانبعاثات الكربونية هي خفض استخدام الفحم واستبدال الغاز الطبيعي به، إذ يعتبر الأخير أقل المصادر تلويثاً للبيئة.
3. رغم كل الحديث عن مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، فلا تزال نسبة إسهامها كمصدر للطاقة محدودة.. فهي تحتاج إلى استثمارات كبيرة، قدَّرتها منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، "الأونكتاد"، بمئتي مليار دولار سنوياً، تتزايد تدريجياً لتصل إلى 300 مليار عام 2030، و500 مليار عام 2050، وفترة زمنية تمتد لسنوات عدّة، حتى يتم زيادة نصيبها كمصدر للطاقة.
هذه الحقائق معروفة لدى الخبراء والمهتمين بموضوع الاحتباس الحراري، الذي يتطلب إجراءات كثيرة لخفض نسبه، فضلا عن تكلفته الاقتصادية، التي لا تريد الدول الصناعية المتقدمة تحمُّلها، كما أنها تتعارض مع خطط هذه الدول في "التعافي" الاقتصادي ورفع معدل نموها بعد التباطؤ، الذي لحقها بسبب جائحة كوفيد-19.
وبينما ترفع دول العالم لواء خفض الانبعاثات الحرارية المترتبة على استخدام مصادر الطاقة الكربونية، يزداد الطلب العالمي على النفط بسبب سياسات التعافي الاقتصادي، ووجود اختناقات في سلاسل الإمداد والتوريد، وكذلك التراجع الملموس في مخزون النفط بالولايات المتحدة، في ضوء تراجع استثمار عدد من كبرى شركات النفط الغربية في ألاسكا.
وترافَق نقص كميات النفط المتاحة مع انخفاض توليد الكهرباء المتولدة عن مصادر نظيفة في أوروبا بسبب التباطؤ في سرعات الرياح عام 2021، ما أدى إلى ازدياد الطلب على الغاز الطبيعي وارتفاع أسعاره أيضاً في أكتوبر 2021 بنحو 500% مقارنة بالعام الماضي.
يظل قادة غالبية الدول الكبرى يتحدثون عن المبادئ والمُثُل العليا ما دام هذا الحديث يتم في إطار عام، ولكن عندما يمس مصالح دولهم، أو يُحمِّل اقتصاداتهم أعباء مالية، فإن الأولوية تكون دوماً للمصالح.
وتبقى حقيقة أن استمرار هذه النظرة النفعية تحمل في طيَّاتها تزايد الاحترار العالمي، والتأثيرات الكارثية على حياة الإنسان في كوكب الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة