أمرت سلطات الأمن التركية، ودائرة اللجوء، مطلع الأسبوع الحالي، بطرد 7 لاجئين سوريين لنشرهم فيديوهات وصفتها أنقرة بأنها إهانة لمواطنيها.
كانت الفيديوهات تتضمن أشخاصاً يتناولون الموز بعد تداول فيديو لامرأة تركية قبل ذلك بأيام قالت فيه إن "السوريين يشترون الموز بكمياتٍ كبيرة".
لجوء السلطات الأمنية في تركيا لاحتجاز السوريين السبعة، ومن ثمّ بدء إجراءات ترحيلهم فورا، لا يُعد أمراً غريباً في تركيا، فقد حصل هذا مراراً وبتأكيدٍ من منظمة "العفو الدولية"، التي كشفت في تقرير سابق لها أن أنقرة طردت آلاف اللاجئين السوريين وتمّ إعادتهم إلى بلادهم عنوةً، لكن اللافت للانتباه في كل ما جرى أن يكون أكل الموز سبباً في ترحيل لاجئين، مع الإشارة إلى ظهور مواطنة تركية في لقاء متلفز تحدّثت خلاله عن الأوضاع المعيشية الصعبة في بلادها، ملقية اللوم على اللاجئين، الذين يستطيعون شراء كمياتٍ كبيرة من الموز، بينما هي لا تستطيع فعل ذلك، وهو السبب الذي دعاها في المقابلة نفسها لطلب إعادة السوريين إلى بلادهم، بعد أن زعمت أن حكومة تركيا تمنح رواتب شهرية للسوريين!
وهنا، لا بدّ من التذكير مجدداً بعدم حصول اللاجئين السوريين في تركيا على أي مخصصاتٍ مالية من الحكومة التركية، فكل المساعدات، التي تقدّم لهم هناك تأتي عبر منظماتٍ دولية وأممية، حتى أن أنقرة اتُّهِمت بتضخيم أعداد اللاجئين لديها مقابل حصولها على مبالغ مالية كبيرة من الاتحاد الأوروبي، وهو أمر كشفته مؤسسات ألمانية من خلال إجراء إحصاء موسع يُظهر أن أعداد اللاجئين على الأراضي التركية تكاد لا تتجاوز 2.7 مليون شخص على أقصى تقدير، ومع ذلك يتحدّث الرئيس التركي وحكومته عن وجود نحو 3.6 مليون لاجئ، وأحياناً 4 ملايين، على الأراضي التركية.
حكومة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا تجد في مسألة اللاجئين السوريين طوق نجاة من الرقابة، فهي تجيب بأنها صرفت أموالاً عليهم كلما سألتها المعارضة عن وقائع فساد، مثلما حصل عندما أخفت الحكومة التركية العام الماضي مليارات دفعها الأتراك كضريبةٍ للزلازل، وعند سؤال المعارضة عنها قال مسؤول بالحزب الحاكم إن هذه الأموال "صُرفت على اللاجئين السوريين"، دون أن يكشف أدلةً تثبت صحة كلامه.
وتعتبر ورقة اللاجئين في تركيا مثيرة للجدل في الأوساط السياسية، ويستخدمها حزب "العدالة والتنمية"، وأيضاً الأحزاب التي تعارضه، وفي الحالتين يقع اللاجئون ضحية لهذه الخلافات.
المسألة هذه المرة أبعد من "الموز"، فالسلطات التركية احتجزت 7 سوريين وقررت ترحيلهم، في حين أنها لم تعاقب مواطنيها، الذين خرجوا أيضاً في مقاطع مصوّرة تحدّثوا فيها عن الموز، وفي هذا أيضاً شيء من "التمييز".
الإجراءات التركية ضد اللاجئين السوريين يمكن وصفها بـ"العنصرية"، وهي مع ذلك تُظهر بوضوح هشاشة الوضع السياسي التركي وما يرافقه من أزمات اقتصادية ومعيشية تؤثر على المواطنين كافة، ما يعيد إلى الأذهان خطاب الرئيس التركي العام الماضي، بعدما فرض قيوداً على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال حينها إن "تركيا ليست جمهورية موز".
هذا الأمر يدفعنا للتساؤل: هل باتت تركيا دولة ضعيفة يقلقها بعض التعليقات على السوشيال ميديا؟
في كل الحالات، أنْ تتحدّث امرأة تركيّة عن الموز وتنتقد السوريين لشراء كمياتٍ كبيرة منه، فهذا يعني أن الأزمة الاقتصادية في تركيا بلغت حدّاً كبيراً، حتى بات مقدار رفاهية المواطن التركي يُقاس بكميات الموز، التي يمكن أن يشتريها، خاصة أن الليرة التركية سجّلت في الأسابيع الماضية تراجعاً قياسياً في قيمتها أمام العملات الأجنبية، وهو أمر متوقع أن يتكرر كثيرا في الفترة المقبلة، فقد يبلغ سعر صرف الدولار الواحد نحو 10 ليراتٍ تركية، الأمر الذي يعني مزيداً من التحدّيات لتركيا ومواطنيها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة