كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، جريئا، حين قال في قمة المناخ بغلاسكو: "تسببنا في تلويث المناخ والبيئة، ومن الحتمي تغيير سياستنا".
"بايدن" لم يكتفِ بما يشبه الإقرار بمسؤولية الدول الصناعية الكبرى عن تدهور أحوال المناخ في العالم، بل دعا إلى استراتيجية عدم الهروب من الأسوأ، الذي سيأتي إذا فشلت دول العالم في استغلال اللحظة الراهنة للتخفيف من الانبعاثات السامة بحلول عام 2030، وصولا إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
ومع أن حديث "بايدن" كان أشبه بصرخة، فإنه كشف حقيقة مسؤولية الدول الصناعية الكبرى عن تلويث المناخ والبيئة، والأذى الذي ألحقته هذه الدول بالدول النامية، التي تضررت من النشاط الصناعي وتلويثه أجواء الأرض بغاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الوقود الأحفوري.
حديث "بايدن" وغيره من القادة بهذا الخصوص وجّه الأنظار إلى كيفية تحميل الدول الصناعية الكبرى مسؤوليتها تجاه الدول النامية، وأهمية البحث عن آليات عملية لهذه الدول لوضع برامج وطنية في مواجهة التدهور المناخي، وهو ما يتطلب في نظر المراقبين والمهتمين وضع مجموعة من الخطوات العملية لإنجاح المساعي الجارية بهذا الخصوص، ولعل من أهم هذه الخطوات:
1-قيام الأمم المتحدة بدور الناظم أو الراعي لاتفاق أو تفاهم، تقر فيه الدول الصناعية الكبرى بمسؤوليتها عن التدهور المناخي، والمسؤولية هنا مزدوجة، من جهة تتعلق بالحد من الانبعاثات، ومن جهة ثانية تتعلق بتقديم الدعم المالي للدول النامية.
2-وضع آلية قانونية تنفذ بها الدول الكبرى التزاماتها بخصوص المناخ، ووضع برامج للتخلص من الانبعاثات والتوجه القطعي نحو الطاقة النظيفة.
3-جعْل القرارات التي تتخذ في هذا الشأن ملزمة فيما يتعلق بمساعدة الدول النامية، وجعْل هذه القرارات ضمن لوائح قانونية يمكن اللجوء إليها قضائيا حال التنصل من الالتزامات المنصوصة.
4-التعويض عن الأضرار التي خلفها النشاط الصناعي للدول الكبرى، خاصة المتعلقة بالحفاظ على الغابات، من أجل الحفاظ على ما تبقى من التوازن البيئي.
دون شك، ما لم يتم وضع هذه المقترحات وغيرها موضع التنفيذ، فإن التحذيرات، التي صدرت وتصدر عن القادة المشاركين في قمة غلاسكو، ستبقى دون جدوى أو معنى، والحديث عن الصور القاتمة للمناخ والبيئة سيزداد قتامة في ظل المتغيرات السلبية لتدهور حالة المناخ، ما يشكل خطرا محدقا بمستقبل الحياة البشرية على كوكبنا، وعليه فإن تحقيق "العدالة المناخية" يتطلب خطوات عملية نحو التوازن بين نشاط الدول الصناعية وحال الدول النامية من جهة، ومن جهة ثانية بين الإنسان والبيئة، فالتفاوت الكبير في الثروات بين الدول الصناعية الكبرى وبين الدول النامية يعود في أحد جوانبه الأساسية إلى النشاط الصناعي للدول الكبرى، التي باتت أشبه بمعمل أو معامل للصناعات، التي تُصدَّر إلى الدول النامية، خاصة أن معظم النشاط الصناعي لهذه الدول يقوم على الوقود الأحفوري، وبسببه تمكنت الدول الصناعية من تنمية ثرواتها بشكل مستمر، فيما تتحمل الدول النامية تبعات التلوث المناخي والبيئي، وما يرافق كل ذلك من ظواهر خطرة، مثل ارتفاع درجة حرارة الأرض، والفيضانات المدمرة، وارتفاع ملوحة المياه والجفاف والتصحر، وغيرها من الظواهر الخطرة التي تهدد الحياة البشرية.
في الواقع، تحقيق "العدالة المناخية" بات حقا من حقوق الدول النامية، وفي الوقت نفسه طريقا للدول الكبرى لوضع استراتيجية عالمية تجاه مستقبل مناخي يحفظ كوكبنا من التدهور الخطير الذي يشهده، ولعل المأمول من قمة غلاسكو أن تكون نقطة الانطلاق نحو هذه الاستراتيجية المستدامة، رغم الخلافات بين الدول الكبرى بهذا الخصوص، والعقبات والتحديات التي تعانيها كل دولة من هذه الدول، تبعا لظروفها وبنيتها الصناعية، إذ لم يعد من المنطق والعقل الاستمرار في سياسة تُلحق كل يوم المزيد من الضرر بالحياة البشرية ومستقبل كوكبنا من أجل تراكم الأموال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة