تتابع البشرية على امتداد الكرة الأرضية وقائع ومجريات مؤتمر المناخ في غلاسكو، الذي بدأ أعماله الأحد الماضي.
لقد مر عامٌ على تأجيل موعد القمة بسبب جائحة كورونا، لذا فهي فرصة أخيرة لقادم الأعوام لإنقاذ البشرية مما يطرأ عليها من آثار كارثية نتيجة التغيرات المناخية.
ولأهمية اجتماعات غلاسكو عالمياً أجمع قادة دول العالم خلالها على ضرورة التقيد بحد أقصى للارتفاع الحراري للكوكب مقداره 1.5 درجة مئوية، من أجل درء أسوأ آثار التغيرات المناخية، وتحقيق الهدف الرئيسي لمؤتمر الأمم المتحدة، وبالتالي تحفيز الجهود التي تجعل الخطط الموضوعة محور العمل المُبتغَى لقادة الدول، وصولاً إلى نتائج عملية ومفيدة.
وأمام قادة الدول محاور عديدة، أولها تجاوز الوعود المبهمة والقرارات البعيدة عن التحقق والتنفيذ، فكم من مؤتمرات مناخية استعرضت قضايا المناخ، وناقشت كثيرا من الموضوعات المتعلقة بالأضرار الكارثية، التي لحقت بكوكبنا! لكن دون طائل، وبخاصة بشأن الحياد الكربوني، والأهمية تكمن في تحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفري، وهو بمثابة أمر حيوي لدرء تغير كارثي للمناخ، وضرورة تعزيز الخطط الوطنية الحالية حول كيفية الحد من الانبعاثات الحرارية.
وفي هذا السياق، أوضح أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن كوكب الأرض "يتحول أمام أعيننا"، وذلك يتطلب اتخاذ إجراءات جماعية موحدة، وتغيير طريقة التعاطي مع مؤتمر القمة أو القبول بفكرة أن النتائج ستكون وبالاً على شعوب العالم إذا انعدمت الجهود الجماعية، واضمحلّت الأهداف المتعلقة بضرورة وقف حالات الكوارث الناجمة عن فعل الإنسان والطبيعة معاً.
هكذا يمكن القول إنه حال تلاشت قرارات القمة ولم تحظَ بجدية التنفيذ وخضعت للصراعات الخفية، فإن الأمم والشعوب ستلقى حتفها وتصبح الأوضاع برمتها وكأن الدول تستثمر في انقراضها.
لكن رغم الخوف من مصير كئيب، تبقى هناك نقاط نور، خاصة فيما تبذله دولة الإمارات من جهود كبيرة في مكافحة تغير المناخ، والتي تعد نموذجاً ملهماً لمختلف دول العالم لحماية مستقبل البشرية من الخطر الأبرز.
ودخلت دولة الإمارات ضمن العشرين دولة الأوائل عالمياً في مؤشرات عديدة وإنجازات واسعة تخص التغيرات المناخية والبيئية لعام 2020م.
وتتلاقى جهود الإمارات الرائدة في هذا الصدد مع التوجهات العالمية للعمل بجدية لمواجهة أزمة المناخ التي تشكل تهديداً وجودياً، في خطوة مهمة لحماية بيئة العالم ومواجهة تحدي التغير المناخي.
وأنجزت الإمارات التشغيل التجاري لمحطة "براكة"، أولى محطات الطاقة النووية السلمية في العالم العربي، ويعزز هذا الإنجاز التاريخي جهود الإمارات لزيادة حصة الطاقة النظيفة، بما يتواكب مع استراتيجيتها للطاقة 2050م، كما يعزز جهودها في حماية البيئة والعمل من أجل المناخ، وبالتالي تحقيق التزامات الدولة الوطنية، وتواصل جهودها الريادية عالميا لمواجهة التحديات الكارثية، من خلال مبادرات عديدة في قطاع الطاقة.
وتلفت الإمارات أنظار العالم بمجموعة فريدة من المشاريع العملاقة كمحطات الطاقة الشمسية، مثل مشروع محطة الظفرة للطاقة الشمسية، ومحطة "نور أبوظبي"، ومجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي.
منذ عقود من الزمن جرى الحديث عن غرق بعض الجزر الاستوائية، وهذا ما عبّر عنه ألوك شارما، رئيس القمة العالمية للمناخ، حين قال: "عند الوصول إلى 1.5 درجة ستكون ثمة دول في العالم تحت المياه"، لهذا ينبغي على قادة وشعوب العالم التوصل إلى اتفاق واتخاذ الخطوات البناءة في معالجة تغير المناخ خلال العقود المقبلة، حفاظاً على وجود وسلامة البشرية.
لم يعد خطر الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى مياه المحيطات مجرد خطر بعيد سترثه الأجيال المقبلة، بل أصبح واقعاً وحقيقة ملموسة، بعد أن غرقت خمس جزر بالكامل من أرخبيل جزر سليمان، وهي دولة تقع في جنوب المحيط الهادي شمال شرق أستراليا، وجزيرة كيريتيماس، أكبر جزيرة مرجانية في العالم، وهي إحدى جزر جمهورية كيريباتي، التي تُعرف بأنها مكان ممتاز لمراقبة الطيور وركوب الأمواج.
ومن شأن التأمل المتعمق لقصة هذه الجزيرة تحديداً، إلقاء الضوء على المشكلات، التي تواجه مَن يعيشون في مثل هذه المناطق صغيرة المساحة في شتى أنحاء العالم، وإبراز ضعف وقصور السياسات الدولية المطبقة حالياً تجاهها، فالتهديدات الناجمة عن التغير المناخي تؤثر في الوقت الراهن بالفعل على الحياة في هذه الدول، فكثير منها اختار السعي لمواجهة تأثيرات هذه الظاهرة عبر إعادة تطبيق سياسات توطين وهجرة، لم تحظَ بتأييد شعبي في السابق، وذلك ما قد يصيب مدن العالم مستقبلاً.
هذه الأمور كلها تتطلب من قادة الدول المجتمعة في غلاسكو باسكتلندا رفع سقف التزامات دولهم في ما يتعلق بالحد من الانبعاثات الحرارية، وانتزاع تعهدات أكثر التزاماً وطموحاً، وجمع المليارات، بغية تمويل عمليات مكافحة تغير المناخ.
وإجمالاً، فإن القرارات الصادرة عن مؤتمر غلاسكو تظل في نهاية المطاف مجرد نوايا حسنة، لأنها تتعلق بالمدى المتوسط، ولأن المسؤولين الكبار في غالبية البلدان الصناعية وذات الاقتصادات الناشئة يعلمون أن عملية رفع سقف الالتزامات على الورق ليست عملية صعبة، على خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة إلى رفع سقف المبادرات والإنجازات الفعلية، فهذا يقتضي التحرك جدياً في كل ما يمكن اتخاذه من قرارات مناخية، والحد من الاعتماد على مصادر الطاقة الملوِّثة، وتوسيع دائرة استخدام مصادر الطاقات الجديدة والمتجددة.. فهل تكون فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة العالمي في غلاسكو إنقاذاً لكوكب الأرض فعلا أم تبقى توصيات على الورق؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة