يشارك وفد الإمارات في قمة المناخ، المقامة حاليا بغلاسكو في اسكتلندا، تأكيدا لقيم الدولة الأخلاقية الحاكمة.
فإعمار الكون وإنقاذ البشرية من الأخطار، التي تهددها، قيمة تأسست عليها دولة الإمارات، التي تأتي مشاركتها في القمة وهي تعمل على بناء وتطوير سفينة أبحاث هي الأحدث في الشرق الأوسط.
وستعمل السفينة، التي يبلغ ارتفاعها 50 متراً، في المياه الإقليمية لدولة الإمارات، وهي سفينة متعددة الأغراض، إذ تُستخدم لريادة البحث في علوم المحيطات ومصايد الأسماك في المياه العميقة، وتتميز باستخدام تقنياتٍ تحافظ على استدامة البيئة وإجراء أبحاث متخصصة عن تغير المناخ، كجزء من مبادرات دولة الإمارات العلمية والمبتكرة.
وتسعى الإمارات لنشر ثقافة الحفاظ على البيئة عبر الأبحاث والعلم، فاللقاءات التي يجريها وفد دولة الإمارات المشارك في قمة غلاسكو للمناخ تؤكد حرصها على تجاوز هذه الأزمة المهددة لأمن العالم، والتي تتغذى على الهوة الواسعة بين ما تحتاج إليه الدول الفقيرة وما يجب أن تقدمه الدول الغنية، كما ترغب الإمارات في أن تمثل حلقة اتصال إيجابي بين الدول الفقيرة والغنية، لأنها تدرك أن ثقافة المناخ، ومصطلحات الاحتباس الحراري والانبعاثات الكربونية، قد تصل إلى أن تصبح لوغاريتمات عند شعوب بعض الدول الفقيرة، كما يمكن أن تُفهم لدى آخرين باعتبارها رفاهية غير ضرورية.
فشعوب الدول الفقيرة لديها ما هو أهم بمراحل من المناخ وأزماته.. تلك إذاً معادلة مهمة في ضبط الحالة التي قد تؤدي فعلا للوصول إلى اتفاق يمنع أو يقلل الانبعاثات الضارة، التي تزيد درجة حرارة الكوكب.. فالمعادلة منذ بداية الثورة الصناعية الكبرى في أوروبا تقول إن هناك دولا غنية هي المتسبب الأكبر في تلويث الكوكب، ودولا فقيرة تدفع ضريبة هذا الضرر.
الدول الكبرى مسؤولة عما نسبته 80% من تلويث العالم، وتلك الدول واضح من القمم السابقة أنها غير راغبة في الاتفاق على إجراءات توقف الانبعاثات، لأن ذلك يعني صراحة ضررا وتعطيلا لمسيرتها الاقتصادية أو حتى الانتقال إلى استخدام الطاقة النظيفة، التي ستكلفها عناء هي في غنى عنه، حسب مفهومها.
لقد فشلت القمم السابقة في الوقف الكلي لاستخدام الفحم كوقود، وفشلت في الاتفاق على آلية تحدد زمنا لوقف استخدام السيارات البنزين والديزل، وفشلت في التحول إلى الطاقة النظيفة.. وطوال القمم المناخية السابقة لا تزال حرائق الغابات مستمرة وتزيد، ولا تزال الفيضانات مستمرة وتزيد، ولا يزال يموت أكثر من أربعة ملايين شخص سنويا بسبب أمراض مرتبطة بتلوث الهواء، ولا يزال الفقراء يدفعون الثمن ولا يزال الأغنياء يلوّثون الكون.
في قمة غلاسكو يحضر قادة العالم الصناعي والغني، أما العالم الفقير والمتضرر أكثر من أزمة المناخ، فهو غائب وإنْ حضر بعض ممثليه.. معادلة التوزان غائبة في هذا العالم..
فمَن يستطيع جعل الدول الغنية تدفع فاتورة تلويثها الطبيعة؟ مَن يستطيع إجبار الدول الصناعية الكبرى على وقف ممارساتها ضد مقدرات الأرض؟!
في 2009، وافقت الدول الكبرى على دفع 100 مليار دولار لدعم الدول الفقيرة، وذلك لمساعدتها في مواجهة آثار أضرار المناخ، خصوصا حرائق الغابات والفيضانات، لكن في 2019 توقفت هذه الدول عن الدفع والتمويل بعد أن وصل ما دفعوه إلى 79 مليار دولار، حسب إعلانها.
وعليه، فإن إرادة الدول الغنية في الالتزام تجاه الدول الفقيرة المتضررة إرادة غير حقيقية ومنقوصة دائما، ولعل ذلك قد تجلّى أيضا في قمة المناخ، التي عُقدت في 2015، والتي تم فيها توقيع اتفاقية باريس، لكنه جاء توقيعا غير مُلزمٍ على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، لذا استمرت الدول في حرق الوقود الأحفوري، وقطع أشجار الغابات، فازداد الوضع الكوني سوءا.
هناك خبراء في البيئة والمناخ يؤكدون أن العالم الآن انتقل من مواجهة التحديات المناخية إلى العيش في عمق الأزمة المناخية، ورغم كل هذا فإن الإشارات التي تأتي من الدول الغنية ليست مبشرة حتى قبل قمة غلاسكو.
تلك إذاً مقدمات تؤدي إلى نتائج للأسف معلومة مسبقا، فليس من المنطق أن تعاقِب الدول الكبرى أنفسها، وليس مقبولا لدى هذه الدول أن ترفع فاتورة تكلفتها الصناعية بانتقالها من الوقود التقليدي الملوّث للكون إلى طاقة نظيفة.
ربما كان يمكن أن نطمئن قليلا لو أن الأمم المتحدة، المظلة الدولية الكبرى للعالم، كانت لديها القوة الإلزامية للدول.. كل ما يمكن أن تقوله الأمم المتحدة "تحذيرات" بأن أزمة المناخ "كبيرة وخطيرة" فقط، لأن مؤسسات المنظمة الدولية غير قادرة للأسف على إلزام أعضائها الكبار بتنفيذ بنود أي اتفاق يوقعون عليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة