من خلال قمة المناخ تبدو المسؤولية على عاتق قادة العالم في غلاسكو أكبر مما يُعتقد.
فالمطلب المُلح خلال هذه القمة هو عقلنة الفعل الإنساني، الذي يتعاطى مع الطبيعة على أنها كنز ينهل منه، دون التحوُّط لما تفرزه انتصارات العلم والتكنولوجيا من كوارث على الكوكب والبشر.
الطبيعة لن تصبر على ما يفعله سكان العالم بها، وربما لن تنتظر أكثر لعقود قادمة على هذا النحو من الاختلال، ما يفتح الباب واسعاً لأحاديث عن نهاية العالم، أو على نحو أدق نهاية الحضارة الإنسانية في شكلها المعاصر.
من هنا تأتي التحذيرات، التي يطلقها خبراء المناخ، حول تداعيات ارتفاع حرارة الأرض بسبب الزيادة المطردة في الغازات الدفيئة، والتي لم تعد غريبة ولا بعيدة عنا، فالأدلة عليها باتت غير قابلة للرفض أو المرواغة والتملص، فما نسمعه ونعيشه يوميا يؤكد أن عالمنا بات في خطر محدق.
في ظل هذا الخطر، لا شك أن قمة غلاسكو للمناخ تشكّل منصة دولية مهمة يمكن الانطلاق منها بزخم قوي ومتجدد نحو اتفاقيات ملزمة، لذا ترى دولة الإمارات العربية المتحدة أن العمل المناخي المستمر والطموح فرصة للنمو الاقتصادي، وتؤكد أن الاستثمار في تكنولوجيا الحد من تداعيات تغير المناخ والتكيف معه يعد فرصة مُجدية اقتصاديا، وأن الاستثمار عموما في هذا المجال سيسهم في خلق فرص عمل جديدة، وسيعزز النمو الاقتصادي، إلى جانب أثره البيئي عبر خفض الانبعاثات.
الإمارات بهذه الرؤية صارت من أوائل الدول، التي طبقت تقنية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه على نطاق تجاري واسع في المنطقة، ما شكّل تطورا مهما في القطاعات، التي تُسبّب الانبعاثات فيها عادة تحدياتٍ صعبة.
وتنطلق دولة الإمارات في ذلك من خلال رؤية وتوجيهات قيادتها، التي تمتلك تاريخا حافلا في تقديم وتطبيق حلول مبتكرة ومُجدية اقتصاديا لتكنولوجيا الطاقة النظيفة والحد من الانبعاثات الكربونية، والارتقاء بها، باعتبارها محورا أساسيا ضمن استراتيجية الدولة لتنويع مصادر الدخل وتنمية الاقتصاد، لذا تتميز الإمارات حاليا بإنتاج الطاقة الشمسية بأقل تكلفة في العالم، ويعود ذلك إلى الاستثمار المبكر والسياسات، التي تخلق بيئة تعزز تنافسية صناعاتها وخدماتها، كما تعمل على رفع معدلات الاستثمار بشكل ملحوظ في مجالات الابتكار والبحث والتطوير في الزراعة والنظم الغذائية، والتكيف مع تداعيات تغير المناخ وتقليل الانبعاثات، فيما ستشكّل هذه الاستثمارات محور شراكة عالمية.
لقد كانت جهود الإمارات لمكافحة تغير المناخ تجربة تلهم العالم لحماية مستقبل البشرية من الخطر الأبرز، الذي يواجهها حاليا، إذ دخلت الإمارات ضمن الـ20 دولة الأوائل عالمياً في 8 مؤشرات خاصة بالتغير المناخي والبيئة لعام 2020.
وتتلاقى الجهود الإماراتية الرائدة في هذا الصدد مع توجهات دول عظمى للعمل بجدية لمواجهة أزمة المناخ، التي تشكّل تهديدا وجوديا لإنسان هذا العالم، في خطوة مهمة لحماية بيئة الأرض ومواجهة تحدي التغير المناخي، بعدما بدأت فعليًا التشغيل التجاري لمحطة "براكة"، أولى محطات الطاقة النووية السلمية في العالم العربي، وسيسهم هذا الإنجاز التاريخي في تعزيز جهود الإمارات لزيادة حصة الطاقة النظيفة من إجمالي مزيج الطاقة المحلي، بما يتواكب مع استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، كما سيعزز جهود حماية البيئة والعمل من أجل تدارك تبعات التغير المناخي، فضلا عن إسهامه في تحقيق التزامات الإمارات دوليا، والتي حددها مسارها الوطني بشأن قضية المناخ.
من ضمن الجهود الإمارتية المبذولة، والتي لاقت إشاداتٍ دولية، وصول قمرها الاصطناعي "دي إم سات-1" البيئي النانومتري الأول من نوعه إلى مداره، فيما نجد على صعيد التشريع الانتهاء من إعداد المسودة الأولى لقانون التغير المناخي، الذي سيكون القانون الوطني الأول من نوعه على مستوى المنطقة، والذي سيسهم في دعم جهود التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، ودعم الابتكار والبحث والتطوير في مجال العمل من أجل المناخ، وسط توقعات بأن يعزز القانون مكانة الإمارات في مؤشرات التنافسية العالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة