التغير المناخي أكبر المخاطر على استدامة الطعام في العالم
نظام الغذاء العالمي مسؤول عن ثلث انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري.
يبلغ تعداد سكان العالم نحو 7 بلايين نسمة، يعاني نحو 800 مليون شخص من نقص التغذية، كما يوجد نحو 1200 مليون شخص من أصحاب الوزن الزائد، وممن يواجهون مشكلات مع البدانة.
تضع سلاسل الغذاء ضغوطا كبيرة على الموارد البيئية بداية من الإنتاج مرورا بالنقل والمعالجة وانتهاء بالنفايات، فكيف ستكون الحال في سنة 2050 عندما يرتفع الطلب على الغذاء بمقدار 70%؟
استنادا إلى التقرير الصادر عن "المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية"، التي تضم 15 مركزا بحثيا حول العالم، يعد نظام الغذاء العالمي مسؤولا عن ثلث انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري.
يحظى الإنتاج الزراعي بحصة الأسد من الانبعاثات، بما نسبته 86%، يليه تصنيع الأسمدة ثم عمليات التبريد. وتشمل هذه الانبعاثات أيضا ما تطلقه مراحل الإنتاج وما بعد الإنتاج، بما فيها النقل والتغليف والتخزين وغيرها.
ووفقا لتقرير آخر صدر عن المجموعة ذاتها، سيؤدي تغير المناخ في سنة 2050 إلى تراجع إنتاج البلدان النامية من محصول القمح المروي بمقدار 13%، كما سيتناقص إنتاج الرز المروي بنسبة 15%، وفي أفريقيا سينخفض إنتاج محصول الذرة بنحو 10 إلى 20%.
نظامنا الغذائي يؤثر ويتأثر بتغير المناخ، ولكن هذا ليس كل شيء. الإنتاج الغذائي هو السبب الأساسي لإزالة الغابات، وهو يلعب دورا حاسما في تغير استخدامات الأراضي وفقدان التنوع الحيوي في جميع أنحاء العالم. ويرتبط أيضا بالإفراط في الصيد، والتلوث، واستنزاف المياه الجوفية، والاستخدام الكثيف للأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية.
إن الربط بين اعتماد النباتات للتغذية وحماية البيئة فكرة نشأت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي؛ ففي كتابها "حمية غذائية من أجل كوكب صغير"، اقترحت الباحثة الأمريكية فرانسيس مور لابيه سنة 1971 إمكانية التعافي من مشكلة الجوع في العالم في حال الإقلال من استهلاك اللحوم في الدول الغربية. وفي الولايات المتحدة، خلصت "اللجنة الاستشارية للتوجيهات الغذائية" سنة 2015 إلى أن الأنماط الغذائية التي تحتوي كميات أعلى من النباتات ونسب أقل من اللحوم، هي أفضل للصحة وذات تأثير أقل على البيئة.
ولا تأتي هذه الاستنتاجات من فراغ؛ إذ إن الدراسات المتوالية تبرهن على التأثير المفيد للحمية الغذائية النباتية على البيئة.
وفي بحث نُشر في دورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" الأمريكية، أشارت النتائج إلى أن التحول الواسع نحو الحمية الغذائية النباتية سيؤدي إلى انخفاض انبعاث غازات الدفيئة ذات الصلة بالطعام بمقدار 63%، ويكفي التقيد بالمبادئ التوجيهية الصحية العالمية، فيما يتعلق باستهلاك اللحوم (مثل التخفيف من استهلاك البرجر)، لخفض هذه الانبعاثات بمقدار 29%.
يُفترض بهذه المؤشرات أن تكون كافية لإقناع الناس بالتحول إلى الحمية الغذائية النباتية، لكن الوقائع على الأرض تشير إلى محدودية ذلك؛ ففي بريطانيا على سبيل المثال، تبلغ نسبة النباتيين 2%، أما نسبة النباتيين "الصرف"، أي الذين يمتنعون عن تناول جميع منتجات الحيوانات، بما فيها أيضا الحليب والبيض، فهي أقل من 1%.
في المقابل، توجد دراسات لا تؤيد التحول تماما نحو الحمية الغذائية النباتية؛ ففي سنة 2015، استنتجت دراسة أجراها باحثون في جامعة كارنيغي ميلون الأمريكية، أن "تناول الخس هو أسوأ في إنتاج غازات الدفيئة من تناول اللحم المقدد بمقدار 3 أضعاف".
ربما تبدو نتائج الأبحاث متناقضة، لكن هذا التناقض هو محصلة الإجابة عن سؤال معقد يتصل بالعديد من العوامل المؤثرة في التكاليف البيئية لإنتاج ونقل وتسويق الأغذية. هناك باحثون يتجاهلون تماما بعض المؤثرات، مثل كمية الأطعمة التي تهدر، فيما يركّز باحثون آخرون على عوامل يرونها أكثر صلة.
على سبيل المثال، يطلق إنتاج اللحم الأحمر من دون شك غازات دفيئة أكثر بكثير مما يفعله إنتاج البروتين النباتي كالعدس والبازلاء؛ إذ تصل النسبة إلى 13 ضعفا. لكن في حال كان الاهتمام باستخدامات الأراضي؛ فإن المواشي التي ترعى في أرض مهملة هي أنسب لتحقيق كفاءة إنتاج الطعام؛ حيث تتعذر الاستفادة من الأرض في زراعة المحاصيل.
أما ما يخص دراسة جامعة كارنيغي ميلون؛ فهي قائمة على أساس السعرات الحرارية لكل من الخس واللحم المقدد. وهذه المرجعية قد لا تكون عادلة من وجهة نظر الكثيرين. فمن ناحية الوزن تكون السعرات الحرارية متكافئة بين شريحتين من اللحم المقدد في مقابل 3.3 كلج من الخس. أي أن الدراسة تقارن الانبعاثات الناتجة عن الأغذية على أساس السعرات الحرارية في شكل مجرد.
وفي حالة الأطعمة المهدورة، وجدت دراسة جرى نشرها مؤخرا في دورية "بلاس وان" أن مخلفات المنتجات النباتية تشكّل نحو ثلثي نفايات الأغذية في الولايات المتحدة، فيما يضم الثلث المتبقي نفايات اللحوم والألبان. وفي المحصلة، فليس المطلوب الامتناع كليا عن أنواع محددة من الطعام، بل الموازنة بين استهلاك الأغذية المتنوعة، وفق إمكانات الإنتاج في كل بلد. ولابد من وضع حد لهدر الطعام، أكان نباتيا أو حيوانيا.
ونتيجة النمو السكاني وازدياد أصحاب الدخل المتوسطـ، ارتفع معدل استهلاك اللحوم في العالم بأكثر من 70% خلال السنوات الخمسين الماضية، وفي العالم العربي زادت كمية اللحوم التي يستهلكها الشخص سنويا من 12 كلج في سنة 1968 إلى 30 كلج في سنة 2018، ومن المتوقع أن تصل إلى 35 كلج في سنة 2030.
إن الزيادة المطردة في استهلاك اللحوم تثير المخاوف من حصول أزمة في توفير البروتين، خاصة مع تراجع موثوقية مصادر الغذاء الأساسية، لارتباطها بتغير المناخ العالمي والقلق من الآثار البيئية لزراعة المحاصيل والصيد التجاري. وفيما يزدادون ثراء، يميل الناس إلى التحول من الحمية الغذائية القائمة على الحبوب والمنتجات النباتية إلى الوجبات التي تحتوي على اللحوم.
من الخيارات التي لا تزال قيد التطوير لسد الفجوة المتوقعة في الطلب على البروتين الحيواني هو إنتاج اللحوم مخبريا في شكل مستقل عن الكائنات الحية، ومن ذلك ما قام به العالم الهولندي مارك بوست بإنتاج أول شطيرة برجر مصنع مخبريا عن طريق تغذية خلايا جذعية مأخوذة من أنسجة عضلية لبقرة، طيلة 8 أسابيع. كلفة إنتاج هذه الشطيرة التجريبية كانت مرتفعة للغاية؛ إذ بلغت 340 ألف دولار أمريكي، ولكن مارك بوست كان واثقا من أن هذه الكلفة ستتراجع لتصبح معقولة في المستقبل.
ومن الخيارات الأخرى تطوير لحوم صناعية باستخدام خلطة من البروتينات ذات المنشأ النباتي، مثل فول الصويا والقمح والبطاطا، مع إضافات أخرى مثل زيت جوز الهند والزنك. وتضاف النكهة المميزة إلى اللحم بالاعتماد على مادة مصنّعة تحتوي على بعض من المركبات الكيميائية للهيموجلوبين الموجود في خلايا الدم الحمراء، التي تعطي للحوم مذاقها المميز.
أما البديل الأكثر واقعية فهو استخدام الحشرات كمصدر للبروتين الحيواني، لا سيما أن الحشرات هي من الأنواع المقبولة على موائد نحو بليوني شخص في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ويوجد حاليا نحو ألفي نوع من الحشرات التي تتغذى عليها الكثير من الشعوب، مثل الجنادب واليساريع والجراد والخنافس والديدان وغيرها. وهي، مقارنة باللحوم التقليدية، ذات محتوى بروتيني مماثل، فضلا عن أنها تحوي كميات أكبر من الأحماض الدهنية غير المشبعة والمعادن الضرورية كالحديد والزنك.
ويعد استهلاك الحشرات من قبل البشر مصدرا للبروتين المستدام والرخيص، بشهادة خبراء التغذية والعلماء. ولذلك قامت الفاو في سنة 2013 بإطلاق برنامج لتشجيع تربية الحشرات على نطاق واسع بهدف مكافحة الجوع في البلدان النامية.
لكن تناول وجبات من الحشرات يبقى أمرا مثيرا للغثيان في العديد من البلدان والثقافات المختلفة. وربما يكون أكثر تقبلا أن يتم إدخال بروتين الحشرات إلى قاعدة السلسلة الغذائية، أي كعلف في إنتاج اللحوم التي يتغذى عليها الإنسان.
وحتى في هذه الحالة، تواجه «صناعة الحشرات» بعض العقبات، مثل عدم استساغة بعض المجتمعات تغذية المواشي على الحشرات، والمصاعب المرتبطة بإقناع الجهات الرقابية بأن الحشرات لن تتسبب بإدخال سموم جديدة في الإمدادات الغذائية.
وأيا تكن المصاعب التنظيمية التي تواجه قطاع إنتاج الحشرات، فإن استبدال 5 أو 10% من البروتينات التي تأتي من المصائد البحرية أو من المزارع التقليدية بتلك التي تأتي من مزارع إكثار الحشرات، يعد عملا مؤثرا في الحفاظ على المصادر الطبيعية.
وكأي مادة تستهلك من قبل البشر، توجد العديد من القواعد التي يمكن تبنيها إذا أردنا تناول طعام صديق للبيئة؛ فالأولوية تأتي دائما للأغذية المنتجة محليا، خاصة تلك التي تستهلك طازجة من دون الحاجة للتخزين أو التصنيع أو التعبئة أو التغليف.
وإلى جانب التقدم الذي تشهده الزراعة من دون تربة (الهيدروبونيك) وزراعة الأسطح في المناطق الحضرية، من المتوقع أن يشهد المستقبل القريب تطورات لافتة فيما يخص الزراعات المكثفة التي توفر في استهلاك المياه وتقاوم الأمراض والآفات الزراعية وتترك أثرا محدودا على البيئة.
aXA6IDMuMTYuMTM3LjIyOSA= جزيرة ام اند امز