ما بين نقص الأمطار وتزايد الفئران.. تغير المناخ يطحن مزارعي سوريا
ساعات طوال يقضيها المزارع السوري سالم المسرور وسط حقله المزروع بالقمح في منطقة سهل الغاب بمحافظة حماة متحسرا على حال النباتات المتدهور.
ويرجع ذلك إلى انتشار القوارض من جهة، وعطش الأرض الشديد من جهة أخرى، جراء شح الأمطار غير المعتاد في مثل الوقت من العام.
غير بعيد عن سالم يحاول المزارع فضل الصافي في ذات المنطقة القضاء على فأر الحقل المنتشر بكثرة في بستانه والذي تسبب بتلف 5 دونمات مزروعة بالقمح من أصل 15 دونما يملكها، وكان يعقد عليها الأمل في موسم حصاد جيد يساعده في تأمين حياة كريمة لأسرته.
حال سالم وفضل لا يختلف عن حال باقي المزارعين في المنطقة التي تحوي على أكثر من 150 ألف دونم مزروعة بمحاصيل القمح والشعير الاستراتيجيين واللذان يفتقران للري والطقس المناسب للخصوبة بحسب المهندس عبد الله الخاني؛ إذ أسهمت التغيرات المناخية في تأخر نمو المزروعات وانتشار القوارض بشكل كبير مما يهدد السلة الغذائية للمنطقة وينذر بمجاعة في منطقة لا زالت تعاني من تبعات الحرب
حياة مرهونة بالأمطار
لم يمض على عودة سالم المسرور إلى مسقط رأسه في منطقة سهل الغاب سوى عام واحد، بعد 8 سنوات من النزوح وسكن الخيام، ويضيف: "كنت أعيش في مخيمات النزوح أمضيت وعائلتي تلك الفترة بالعوز والحاجة وهذا العام عدت لأزرع أرضي البالغة 24 دونما بمحصول القمح على أمل تحسين الحال وإصلاح المنزل المتصدع".
وتابع: "كل ما لدي كان لا يتجاوز ألف دولار أمريكي وضعتها في الأرض، لكن لم أتوقع أن ينحبس المطر لأكثر من شهر ونصف في فترة نمو القمح وحاجته للري".
ومضى مضيفا: "كل يوم أذهب للحقل ولا حيلة لي سوى النظر بعين الحسرة على حال النبات الذي بات أقرب للجفاف ولا ينذر بموسم جيد يعيد لي ما أنفقته، إذ أصبحت النباتات صفراء والأرض جافة، ويبدو أنني سأعود لحياة النزوح والخيام بعد أن تعطلت أسباب الرزق من السماء.
وتراجعت نسب هطول الأمطار في سوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى مستويات قياسية كان لها تأثير كبير على الكثير من المحاصيل لا سيما القمح والزيتون بحسب المهندس الزراعي علي العلي، إذ يحتاج محصول القمح إلى نسب هطول تتراوح بين الـ 400-250 ملم حتى يصل لإنتاجية تفوق الـ 400 كيلو غرام للدونم الواحد وهو معدل جيد للإنتاج والخصوبة.
تدهور المحصول
لكن الأمطار خلال العام الحالي لم تتعد الـ 180 ملم في أشهر يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، اللذان يعتبران أشهر الحاجة الشديدة للمياه بالنسبة للقمح خاصة شهر شباط/ فبراير إذ يعمد المزارعين إلى رش الأسمدة لكن هذا العام حتى الآن لم يعمد المزارعون إلى رش الأسمدة بسبب انقطاع الأمطار مما ينذر بمحصول متدهور الإنتاج لا يتعدى 200 كغ الأمر الذي يؤدي لخسارة كبرى للمزارعين في محاصيلهم.
وبحسب المديرية العامة للأرصاد فإن نسب الهطول المطري في محافظة حماة لم تتعد حتى مطلع شهر فبراير/ شباط 153 ملم مقابل 138 ملم خلال العام الماضي في حين أن المعدل السنوي للأمطار في المحافظة كان يسجل في السنوات الماضية 337 ملم.
وبحسب دراسة أصدرتها منظمة الزراعة والأغذية العالمية "الفاو"، فقد تراجعت نسب الهطول المطري في سوريا إلى مستوى خطير ينذر بتراجع الزراعة والغذاء في عموم البلاد، لا سيما محافظة حماة التي شهدت أعلى تراجع في نسب الهطول المطري.
وتراجعت نسب هطول الأمطار في محافظة إدلب من 151 ملم في عام 2012 إلى 82 ملم في شتاء عام 202. وفي محافظة حلب تراجعت الأمطار من 147 ملم في عام 2012 إلى 68 ملم في عام 2021.
خطر في باطن الأرض
لم يتوقف الخطر الذي يتهدد محاصيل القمح والشعير في سوريا عند الأمطار، حيث استفحل خطر القوارض التي تهاجم المحاصيل، وأصبح من الصعب السيطرة عليه خاصة مع القدرة المالية المتدنية للمزارعين وعدم قدرتهم على شراء المبيدات الحشرية اللازمة.
ويقول المزارع فضل الصافي "أعمل طوال النهار ولأكثر من أسبوع على مكافحة فأر الحقل الذي تسبب بتلف 5 دونمات من حقلي، حيث شهد العام الحالي انتشارا كبيرا للفأر، وعجزا تاما من قبلي على مقاومته والقضاء عليه إذ يبلغ سعر عبوة غاز فوسفيد الألمنيوم اللازمة للقضاء على القوارض 14 دولارا.
وأضاف: "اشتريت عبوتين منها لكن ذهبت دون فائدة بسبب الانتشار الكبير ولم أعد أقوى على شراء المزيد من هذه العبوات، وها أنا ذا أنظر لحقلي كيف خربته القوارض دون أي تدخل أو دعم زراعي يخفف من نتيجة التلف في مزروعاتي التي تعاني بالأصل من الجفاف".
يرتبط انتشار فأر الحقل بعاملين أساسيين الأول توفر البيئة المناخية المناسبة وغياب الصقيع والثلوج، والثاني توفر الغذاء بحسب المهندس الزراعي سامح الخالد إذ سجلت الأعوام الماضية انتشارا كبيرا لذلك القارض بعموم الأراضي الزراعية في شمال غرب سوريا، ويتطلب القضاء عليه إجراء عمليات مكافحة جماعية.
وتعمل القوارض على قضم أوراق القمح في طور النمو ومهاجمة السنابل في فترة النضج بحسب الطبيب البيطري رامز العبد، حيث يحتاج فأر الحقل لدرجة حرارة تتراوح بين 2 و25 درجة مئوية للتكاثر والتحرك لجمع الغذاء، فيما يحد انخفاض درجة الحرارة عن 2 مئوية لمدة 20 يوما من تكاثر القوارض، وتعد هذه الفترة نموذجية للقضاء على هذه الآفة.
احترار متصاعد
أدى التغير المناخي إلى بقاء درجات الحرارة في وسط سوريا أعلى من معدلاتها خلال الشتاء مما أسهم في انتشار القوارض وتنشيطها وتكاثرها بسبب دفء الطقس الذي سجل في مطلع شهر فبراير/ شباط حوالي 15 درجة مئوية نهارا و5 درجات مئوية ليلا بحسب النشرة الطقسية لمديرية الأرصاد الجوية.
وأكد المهندس الزراعي سامح الخالد أن غياب الأمطار ساهم في انتشار القوارض حيث كانت المياه تدمر جحورها وتجبرها على الخروج منها للسطح البارد حيث تلقى حتفها، لكن العام الحالي والماضي لم يشهدا تلك الأجواء الطقسية الباردة، مما أفضى لتعاظم خطر الآفة، وبالتالي تدهور محصول القمح في العام الماضي إلى إنتاجية لا تتعدى وسطيا 250 كيلو غرام، فيما نتوقع العام الحالي إنتاجية لا تتعدى 200 كيلوغرام للقمح المعتمد على الأمطار.
وبحسب دراسة لشبكة الخبراء المعنية بالتغيرات المناخية في البحر، فإن الفترة بين 2008 و2019 شهدت ارتفاعا بمقدار درجتين مما يؤدي إلى تسارع متصاعد في معدل الفارق الحراري العام والذي بدوره يفضي إلى تراجع معدلات هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وظروف مناخية أكثر جفافاً.
وصل إنتاج القمح في سوريا خلال عامي 2009 - 2010 إلى 4 ملايين طن فيما تراجع هذا الإنتاج إلى 1.5 مليون طن في عام 2022 بسبب الحرب من جهة والتغير المناخي من جهة أخرى.
وقد لعب التغير المناخي العامل الأهم في تراجع الإنتاجية بحسب المحلل الاقتصادي جميل السرحان الذي أكد أن السوريين باتوا يفقدون رغيف الخبز من موائدهم، وأصبحت سوريا تعتمد على استيراد القمح في كافة المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية وسط إهمالي دولي واضح لدعم الزراعة والأمن الغذائي مما ينذر بمجاعة كبرى خلال السنوات القادمة.
aXA6IDMuMTI5LjQ1LjE0NCA= جزيرة ام اند امز