شهدت مدينة الرياض يوم السبت الماضي انطلاقة "مبادرة السعودية الخضراء".
وأعلنت المملكة العربية السعودية أنها تهدف للوصول إلى الحياد الصفري في عام 2060.
تحديد موعد للوصول إلى الحياد الصفري بات من أهم المعايير لتحديد مسار كل دولة في معالجة التغيير المناخي وحماية البيئة على المدى البعيد.
ويأتي الإعلان السعودي قبل أسبوع من انطلاق اجتماعات الأمم المتحدة العالية المستوى في جلاسكو بالمملكة المتحدة، المعروفة بقمة المناخ "كوب 26".
القمة تشكل محطة مفصلية لرصد آخر ما استطاع العالم إنجازه في مواجهة أزمة التغيير المناخي، كما تشكل أيضاً فرصة لكل دولة أن تعيد النظر في سياساتها بشكل كلي من أجل الخروج باستراتيجية تحمي البيئة وتضمن المستقبل.
ولكن على الأفراد أيضاً أن يتحملوا مسؤولية اتخاذ خطوات ملموسة، مثل ترشيد استخدام المياه ووقف التبذير الغذائي واعتماد أسلوب حياة يساعد الجهود المبذولة لحماية الكوكب.
مفردات مكافحة التغيير المناخي قد تكون جديدة على البعض ولكنها أصبحت أساسية في السياسة الدولية.
وستشهد قمة جلاسكو نقاشات بين جميع دول العالم حول الانبعاثات الغازية والدعم المالي للدول النامية لتستطيع أن تواكب التغييرات المطلوبة.
أما العالم العربي، فبحاجة إلى لعب دور فعال في هذه الجهود.. فبالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فقد أصبحت أول دولة عربية تحدد مسار الحياد الصفري عندما أعلنت بداية الشهر الحالي عن مبادرة استراتيجية للوصول إلى الحياد الصفري عام 2050، كما قامت البحرين يوم الأحد الماضي بالإعلان عن هدفها بتحقيق الحياد الصفري عام 2060.
اتخاذ دول عربية، منتجة للنفط، هذه الخطوة في غاية الأهمية في تسريع المسار باتجاه وضع سياسة بعيدة الأمد للتعامل مع التغيير المناخي بالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة البديلة والاستثمار في تقنيات تساعد على تحسين سبل استخراج المشتقات النفطية لتكون أقل ضرراً للبيئة.
وعن المبادرة السعودية، قال وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والمبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، الدكتور سلطان الجابر، إن "هذه المبادرة تمثل نقلة نوعية في جهود التصدي لتداعيات تغير المناخ وتؤكد الدور الحيوي الذي يمكن أن تقوم به منطقتنا في إيجاد حلول عملية في هذا المجال".. هذه النقلة النوعية مطلوبة في الوقت الراهن وعلى دول عربية أخرى أن تتجه في هذا الاتجاه.
العمل على تحقيق الحياد الصفري يشكل نقطة تحول اقتصادية واجتماعية وسياسية في غاية الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط، إذ إن مرحلة الانتقال من الاقتصاد المعتمد على النفط بالدرجة الأولى لتحريك الاقتصاد العالمي إلى اقتصادات الطاقة البديلة قد بدأت فعلاً.
ولكن هناك عوامل يجب إبقاؤها في عين الاعتبار.. فخلال ندوة في منتدى "مبادرة السعودية الخضراء"، تحدث الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة، عن ثلاث ركائز أساسية يجب الحرص عليها عند التخطيط للمرحلة المقبلة: تأمين الطاقة، والتنمية الاقتصادية، والتغيير المناخي.
لا يمكن أن تنجح المرحلة المقبلة مع تجاهل حماية أمن الطاقة والتنمية الاقتصادية.
هناك من يعتبر أن الحديث عن التغيير المناخي هو حديث عن مشكلات مستقبلية، لكن المستقبل هنا.. الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها العالم العربي بسبب التغيير المناخي تزداد تعقيداً يومياً وتبعاتها واسعة ومتعددة.
شح المياه في العراق، على سبيل المثال، يعني أنه دخل مرحلة "الفقر المائي" على الرغم من نهريه الشهيرين دجلة والفرات.
هناك أسباب خارجية أدت إلى هذه الأزمة، من بينها تصرفات كل من إيران وتركيا، ولكن هناك أيضاً أسباب داخلية على رأسها عدم التخطيط السليم واتباع برامج زراعية وبيئية ترشّد استخدام المياه وحماية هذا المورد الأساسي.
لا شك أن الحكومات والقائمين على إدارة الدول هم في مقدمة المسؤولين عن مكافحة التغيير المناخي وحماية البيئة، ولكن هناك حاجة لتغييرات مجتمعية مبنية على تغييرات في السلوكيات تسهم في حماية البيئة وعالمنا على المدى البعيد.. من اتباع إعادة التدوير للتخلص من النفايات إلى الالتزام بمنع الإسراف والتبذير، على مجتمعاتنا أن تتأقلم مع عالم جديد بات هنا.
دور المدن سيكون في غاية الأهمية في تحديد مسار معالجة التغيير المناخي والاستعداد للمرحلة المقبلة.. أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في مدن ومناطق حضارية، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 68 في المائة بحلول عام 2050.
التخطيط السليم للمدن سيكون جوهرياً، بالإضافة إلى اعتماد وسائل نقل عامة نظيفة تساعد على التقليل من الانبعاثات الغازية، بالإضافة إلى خفض الاختناق المروري في كبرى المدن العربية.
هناك فرصة مهمة على كل الدول العربية المنتجة للنفط أن تغتنمها، وهي فرصة الانتقال الاقتصادي المبني على كل هذه التحولات.
لا شك أن النفط ومشتقاته سيبقى جوهرياً للاقتصاد العالمي خلال العقود المقبلة، وقد كان المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي خلال القرن الماضي، ولكن تطوير بدائل الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية، وصل إلى مرحلة تطور يمكن الاستفادة منه خاصة في المنطقة.
ارتفاع أسعار النفط، التي فاقت الـ84 دولاراً للبرميل هذا الأسبوع، يعني أن الوقت ملائم لاستغلال مردود النفط لتطوير البدائل، وهذا ما تقوم به دول مثل السعودية والإمارات.
لا شك أن الانبعاث الغازي من الاقتصادات الكبرى، وخاصة من الولايات المتحدة والصين والهند، يشكل التحدي الأكبر للسيطرة على الاحتباس الحراري والخطر المناخي، لكن الحل لن يكمن في إجراء واحد أو تحميل جهة واحدة مسؤولية ما يحدث من تغيير مناخي مقلق.. العمل الناجح لمواجهة خطر التغيير المناخي يتطلب خطوات تدريجية متعددة على المدى البعيد.
مفتاح النجاح سيكون في قياس التزام جميع الدول –ليست العربية فقط– بتعهداتها عاماً تلو آخر.. وعلينا ألا نعيد تجربة "أهداف الألفية التنموية" التي وضعتها الأمم المتحدة وأقرتها جميع الدول، ولكن فشل العالم في تحقيقها عام 2015.
فلم يتم تحقيق الأهداف الثمانية –ومن ضمنها ضمان التعليم الابتدائي لجميع الأطفال بحلول عام 2015– ولم يتم محاسبة المسؤولين عن ذلك الفشل.
على العالم أن ينجح هذه المرة في تحقيق الأهداف الموضوعة وأن يمنع زيادة درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستوى الحرارة قبل الثورة الصناعية، وهي النسبة المتفق عليها كأعلى نسبة ممكن أن تتحملها الكرة الأرضية.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة