المناخ ونظرية المؤامرة.. «العين الإخبارية» تفتح ملف العقول المهزومة
هل تحولت الطبيعة إلى سلاح مدمر في أيدي البعض؟
تجد نظرية المؤامرة المناخية العالمية من يتقبلها في الغرب والشرق على حد سواء، بل يروج لها أحيانًا كتاب ومفكرون وشخصيات عامة وحتى علماء،
رغم أن تداعيات تغير المناخ وتأثيراته باتت لا تخطئها عين خاصة في الأعوام الأخيرة، ما ينسف نظرية المؤامرة من الأساس.
يشير أصحاب نظرية المؤامرة المناخية بإصبع الاتهام نحو الدول العظمى، باعتبارها تسعى للتحكم في العالم، عبر تصدير أزمة تغير المناخ في صدارة الأزمات العالمية الملحة، وشحذ الجهود نحوها عبر الفعاليات الدولية والوطنية وتوفير التمويلات الضخمة شرقا وغربا.
ما دعم هذا الافتراض هو التحول الدراماتيكي في قضية المناخ لتصبح قضية تجاذب أكثر من كونها مجالاً للتعاون والإنقاذ، وأصبحت في حالة تشبه الصراع وتبادل الاتهامات بين الشمال الغني والجنوب الفقير في كوكب الأرض.
تحاول "العين الإخبارية"، في هذا الملف استكشاف مدى واقعية الفرضيات التي تعتبر العمل المناخي العالمي وتنامي تيار العمل الدولي لمكافحة تغير المناخ، والتخفيف، والتكيف، وتحول الطاقة، مجرد مؤامرة للتحكم في الطبيعة.
ماذا يرى أصحاب نظرية المؤامرة؟
يرى أصحاب نظرية مؤامرة تغير المناخ، أن الإجماع العلمي على ظاهرة الاحتباس الحراري يستند إلى مؤامرات لإنتاج بيانات تم التلاعب بها، وأن ما يثار في هذه القضية بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، مجرد أدوات لتشويه أسباب أزمة حقيقية أيديولوجية أو مالية.
يسعى أصحاب هذا الاتجاه إلى تصدير الأفكار التي تستند على المؤامرة لتفسير تغير المناخ، والميل إلى تفسير الإجماع العلمي باعتباره نظرية مؤامرة كبرى.
وفي ردهم على الأدلة العلمية، يتعمدون إعادة تفسير أي دليل يتعارض مع نظرية المؤامرة على أنه ناشئ عن المؤامرة.
يهدف أصحاب نظرية المؤامرة إلى إنكار وجود تغير المناخ من الأساس، والتشكيك في مسؤولية الوقود الأحفوري والبشر عن الاحترار العالمي، سواء عن عمد، لأهداف لها علاقة باستمرار أرباحهم ونفوذهم ومصالحهم، أو بدون عمد، من خلال تناقل ما يروج بشأن المؤامرة.
هوامش ادعاء المؤامرة.. بين العلم والسياسة
اعتاد أصحاب نظرية المؤامرة الرد على الإجماع العلمي حول تغير المناخ، بادعاءات تفيد بأن العلماء والمؤسسات المشاركة في أبحاث الاحترار العالمي هم جزء من المؤامرة العالمية ومتواطئون مع الساسة في خدعة تغير المناخ نظير مكاسب مالية.
العلم
دعاة نظرية المؤامرة ومنهم الكاتب كلايف هاميلتون رأوا أن المئات من علماء المناخ قد حرفوا نتائجهم لدعم نظرية تغير المناخ من أجل حماية تمويل أبحاثهم.
أيضا خبير الطقس، جون كولمان، الذي توفي عام 2018، ادعي أن الاحترار العالمي هو أكبر عملية احتيال في التاريخ.
في رسالة مفتوحة في رسالة مفتوحة عام 2015 إلى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ادعى كولمان أنه لم يثبت وجود علاقة سببية بين ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وارتفاع درجات الحرارة.
قدمت بعض وسائل الإعلام الغربية جون كولمان وغيره باعتبارهم علماء ضد الإجماع العلمي لتغير المناخ، ما اعتبره الخبراء نوعًا من التضليل، ووصفوا كولمان ومن على شاكلته بالخبرات المزيفة.
لذا تقول الجهات الخبيرة والمعتمدة في علوم المناخ، إنه لا يجب الوثوق في أي معلومة بشأن تغير المناخ إلا الصادرة عن علماء وجهات لديهم خبرة واسعة في علوم المناخ وأوراق بحثية معتمدة، وهو ما لا ينطبق على جون كولمان وباقي أصحاب نظرية المؤامرة من العلماء.
السياسة
في عام 2006، قال عالم الأرصاد الأمريكي ويليام إم جراي إن الاحترار العالمي أصبح عدوًا سياسيا بسبب عدم وجود أي عدو آخر بعد نهاية الحرب الباردة.
واعتبر أن الغرض منه هو ممارسة النفوذ السياسي، ومحاولة لسيطرة حكومة عالمية موحدة على الناس، مضيفا: "لدي وجهة نظر شيطانية في هذا الشأن".
كما قاد المتطرفون الليبراليون نظريات تدعي أن "تغير المناخ هو خدعة يرتكبها الراديكاليون اليساريون لتقويض السيادة المحلية".
وتزعم نظرية مؤامرة أخرى أنه نظرا لأن العديد من الناس قد استثمروا في شركات الطاقة المتجددة، فإنهم سيخسرون الكثير من المال إذا تبين أن الانحباس الحراري العالمي مجرد أسطورة، لذا تقوم الجماعات البيئية برشوة علماء المناخ لفحص بياناتهم حتى يتمكنوا من تأمين استثماراتهم المالية في الطاقة الخضراء".
في عام 2010، ادعى دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، أن تغير المناخ كذبة، وأن مفهوم الاحترار العالمي صنعه الصينيون من أجل تعطيل الاقتصاد الأمريكي".
وذهب آخرون للقول إن "الاحترار العالمي محاولة لتعزيز الطاقة النووية".
الرد على "مؤامرة المناخ"
لدينا إجماع علمي، حوالي 97% من علماء الكرة الأرضية، وأكثر من 200 منظمة علمية حول العالم تدعم حقيقة وجود تغير المناخ، وأن البشر هم السبب فيه.
لا تحتفظ أي هيئة علمية ذات مكانة وطنية أو دولية برأي رسمي يتعارض مع الاستنتاجات الموجزة للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.
وأصبح من المسلم به لدى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، أن أكبر مساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري هو الزيادة في ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي (CO2) منذ الثورة الصناعية، بسبب احتراق الوقود الأحفوري وإنتاج الإسمنت وتغيرات استخدام الأراضي مثل إزالة الغابات.
ينص تقرير التقييم الخامس للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (AR5) على ما يلي:
"اكتشف التأثير البشري في احترار الغلاف الجوي والمحيطات، وفي التغيرات في دورة المياه العالمية، وفي انخفاض الثلوج والجليد، وفي المتوسط العالمي لارتفاع مستوى سطح البحر، وفي التغيرات في بعض الظواهر المناخية المتطرفة، ومن المحتمل جدا أن التأثير البشري كان السبب المهيمن للاحترار الملحوظ منذ منتصف القرن الـ 20".
الدكتور سمير طنطاوي، استشاري تغير المناخ بالأمم المتحدة مندوب أفريقيا لدى الهيئة الدولية لتغير المناخ، يتفق مع هذا بتأكيده أن تقارير الهيئة الدولية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن التغيرات المناخية هي بالأساس من صنع الإنسان، ودلل على حديثه بأن الأحداث المناخية المتطرفة التي طالت أغلب قارات العالم وتسببت في خسائر بمليارات الدولارات الفترة الأخيرة هي بالأساس نتيجة زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري.
وضرب طنطاوي مثالا بما حدث في "إعصار دانيال" الذي ضرب اليونان وليبيا وخلف خسائر كبيرة وعلى رأسها الخسائر البشرية، وشدد على أن المنطقة شهدت تغيرا واضحا في مناخها خلف أمطارا قياسية في وقت قصير، وهو ما يهدد أن يكون فصل الشتاء المقبل وما بعده أكثر تطرفا كما كان هو الحال في فصل الصيف،
ودحض طنطاوي من يرجع بعض الكوارث كالتي حدثت في درنة بليبيا إلى أنها من أخطاء بشرية كعدم تطوير السدود، مشددا على أن الأخطاء البشرية جانب واحد من جوانب كثيرة كعدم وجود نظام للإنذار المبكر يقلل الخسائر البشرية، ولكن في المقابل كانت كمية الأمطار هي الأكثر في تاريخ الدول الواقعة في شمال إفريقيا والسبب الأول كما قالت التقارير العلمية وقتها يشير إلى تغيرات المناخ، مما يعزز نظرية الأثار السلبية لتغيرات المناخ وراء الكوارث والظواهر المتطرفة التي يشهدها العالم والقادم حسب التقارير العلمية " أكثر تطرفا"!
حملات تضليل ممولة
أكد خبراء وعلماء المناخ على وجود أدلة تفيد بأن بعض أولئك الذين يزعمون مثل هذه المؤامرات هي جزء من حملات تضليل ممولة جيدا تهدف إلى إثارة الجدل، وتقويض الإجماع العلمي على تغير المناخ والتقليل من الآثار المتوقعة للاحتباس الحراري.
ومنذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين، بحسب الخبراء، خلقت هذه الحملة المنسقة والممولة جيدا، حالة من الشك حول تغير المناخ.
ومن خلال الإعلانات، ومقالات الرأي، وجماعات الضغط، واهتمام وسائل الإعلام، زعم المشككون في الانحباس الحراري العالمي أن العالم لا يسخن.
وقالوا، إن القياسات التي تشير إلى خلاف ذلك معيبة، ثم زعموا أن الاحترار طبيعي، وليس بسبب الأنشطة البشرية. والآن بعضهم يعترف بالاحترار لكنه يدعي أنه سيكون ضئيلا وغير ضار.
وقدمت منظمة "غرينبيس" أدلة على تمويل صناعة الطاقة لإنكار تغير المناخ في مشروع "أسرار إكسون".
ووجد تحليل أجرته "The Carbon Brief" في عام 2011 أن 9 من أصل 10 من المؤلفين الأكثر إنتاجا الذين شككوا في تغير المناخ أو تحدثوا ضده لديهم علاقات مع شركة إكسون موبيل.
وقالت منظمة السلام الأخضر إن شركة كوخ للصناعات استثمرت أكثر من 50 مليون دولار في السنوات الخمسين الماضية في نشر الشكوك حول تغير المناخ.
أسوأ الظواهر المناخية المتطرفة في 2023 تدحض المؤامرة
تدحض الأحداث المناخية التي وقعت خلال الأعوام الأخيرة أي ادعاءات بشأن مؤامرة تغير المناخ، وتدعم الرأي العلمي الذي يؤكد حقيقة تغير المناخ من صنع الإنسان.
في عام 2023 وحده، تسببت الأثار المناخية لكوارث عدة في جميع أنحاء العالم:
حرائق الغابات
شهدت (هاواي) أعنف موجة لحرائق الغابات في الولايات المتحدة منذ ما يزيد على قرن، ما أودى بحياة 115 شخصاً على الأقل ودمر العديد من المعالم التاريخية والثقافية في لاهينا.
وقدّرت وكالة (موديز) الخسائر الناتجة عن حرائق هاواي بستة مليارات دولار أمريكي.
الفيضانات والجفاف
تسببت درجات الحرارة المرتفعة في هطول أمطار قياسية، على سبيل المثال أدّت العاصفة دانيال إلى أضرار جسيمة في أنحاء جنوب شبه جزيرة البلقان كافة وغرب تركيا وشرق ليبيا. وتسببت في انفجار سدّين، وتدفق موجة عاتية من المياه عبر الجبال باتجاه المدينة الليبية الساحلية (درنة)، ما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص، بينما جُرفت أحياء بأكملها في البحر.
من ناحية أخرى، تعاني دول القرن الإفريقي هذا العام، أسوأ حالات جفاف منذ عقود، إذ تؤدي الحرارة الشديدة إلى تسريع عملية التبخر، ما يؤدي إلى انخفاض المياه السطحية وجفاف التربة.
الحرارة الشديدة
شهد جنوب أوروبا موجة حارة غير مسبوقة أفسدت أوقات السائحين والسكان المحليين على حد سواء، وأعلنت وكالة «ناسا» أن شهر يوليو تموز الماضي هو أكثر الأشهر حرارة منذ بدء تسجيل القراءات عام 1880.
وقد تتسبب شدة الحرارة في مخاطر صحية جسيمة. على سبيل المثال، يتضاعف خطر الإصابة بنوبة قلبية قاتلة عندما تتداخل الحرارة الشديدة مع سوء نوعية الهواء، وفقاً لجمعية القلب الأمريكية.
وفي الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وصلت درجة حرارة البصيلة الرطبة (مقياس يشمل الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح والإشعاع المرئي والأشعة تحت الحمراء إلى مستويات يعتبرها العلماء قاتلة.
حرارة المحيطات
حطمت درجات حرارة المحيطات أرقاماً قياسية هذا الصيف، حيث قدرت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أن أكثر من 40 في المئة من محيطات العالم تشهد ما يُسمّى بموجة الحرارة البحرية، إذ وصل متوسط درجة حرارة سطح المحيط العالمية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.
وتمتص المحيطات ما يصل إلى 90 في المئة من الحرارة الناتجة عن انبعاثات الغازات الدفيئة.
كيف يتضرر العمل المناخي من نظرية المؤامرة
- اتخاذ إجراءات سيئة أو عدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق للتخفيف بشكل فعال من الأضرار الناجمة عن الاحترار العالمي.
- في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية، اعتقد 40٪ من الأمريكيين أن تغير المناخ خدعة على الرغم من وجود إجماع بنسبة 97٪ بين علماء المناخ.
- التعرض لنظريات المؤامرة قلل من نوايا الناس لتقليل بصمتهم الكربونية، مقارنة بالأشخاص الذين تم إعطاؤهم معلومات صحيحة.
- في عام 2019، انسحب دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة السابق من اتفاقية باريس، التي تم وضعها على أمل الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، بسبب إيمانه بنظرية المؤامرة.
- أيديولوجية إنكار تغير المناخ في بعض مناطق العالم قد تؤدي إلى خلافات حول كيفية التعامل مع تغير المناخ وما يجب القيام به في مواجهة أثاره.
- تهديد حياة خبراء الأرصاد الجوية من قبل منكري تغير المناخ، متهمين إياهم بالتسبب في الجفاف، وتزوير قراءات موازين الحرارة، واختيار محطات الطقس الأكثر دفئا لتحريف ظاهرة الاحتباس الحراري.
- تلقى علماء المناخ زيادة كبيرة في التغريدات العدائية والمضايقة والمسيئة والمهددة من المنكرين.