تبريد الأنهار صناعياً.. هل يحمي الأسماك من تغير المناخ؟
يؤثر تغير المناخ على جميع أشكال الحياة على الأرض، لكنه يشكل تحديات فريدة للأنواع المائية.
على سبيل المثال، عندما يسخن الماء، فإنه يحمل كمية أقل من الأكسجين المذاب مقارنة بالمياه الباردة. ونتيجة لذلك، تخضع محيطات العالم وبحاره الساحلية ومصبات الأنهار والأنهار والبحيرات لعملية تعرف باسم 'إزالة الأكسجين'.
'إزالة الأكسجين'
عندما تنخفض مستويات الأكسجين المذاب إلى نحو 2 مليغرام لكل لتر - مقارنة بالمعدل الطبيعي الذي يتراوح بين 5 و10 ملغم / لتر تقريبًا - تتعرض العديد من الكائنات المائية لإجهاد شديد. يطلق العلماء على عتبة الأكسجين المنخفضة هذه اسم 'نقص الأكسجين".
كيف تتأثر الأسماك بتغير المناخ؟
هناك تحديان -لا رجعة فيهما بالنسبة للحياة البحرية- يفرضهما تغير المناخ، وهما ارتفاع درجات حرارة المياه وتحمض المحيطات. مثل الإسفنج، يمتص المحيط حرارة الغلاف الجوي والغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون. على مدى السنوات العشر الماضية، اختزنت محيطاتنا 90% من الانحباس الحراري الإضافي الناجم عن ظاهرة الاحتباس الحراري وربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن النشاط البشري.
ومن ثمَّ، عندما يختزن المحيط المزيد من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، تحدث سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تتسبب في انخفاض مستوى الرقم الهيدروجيني، مما يعني أنه يصبح أكثر حمضية. وهذا يقلل من كمية أيونات الكربونات المتاحة، والتي تستخدم للمساعدة في بناء الأصداف أو الهياكل العظمية للمحار، والشعاب المرجانية، وسرطان البحر، وأكثر من ذلك.
هذه الكائنات الموجودة تحت الماء هي اللبنات الأساسية للحياة في محيطاتنا، وإذا انخفضت أعدادها فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيل الشبكة الغذائية البحرية بأكملها. على الرغم من أن الأسماك لا تحتوي على أصداف، إلا أن الزيادة الطفيفة في الحموضة يمكن أن تسبب الحماض والنمو غير الطبيعي وضعف الكيمياء الداخلية.
يمكن أيضًا أن تتأثر الأسماك التي تعيش في الأنهار والجداول والبحيرات وبيئات المياه العذبة الأخرى بعدم التوازن في مستويات الرقم الهيدروجيني الناتج عن هطول الأمطار الحمضية. مما ينعكس بالسلب على الحياة البحرية التي تسهم بقدر كبير في الاقتصاد العالمي؛ حيث تدر مصايد الأسماك على مستوى العالم 362 مليار دولار أمريكي سنويًا. ويتوقع العلماء بالفعل فقدان الكتلة الحيوية للأسماك بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه. ولكن هل يمكننا تثبيط (تباطؤ) التأثيرات على الأسماك بشكل مباشر؟
تبريد الأنهار صناعيًا
في خضم موجة الحر التي ضربت نوفا سكوتيا، كندا، في شهر يوليو/تموز من هذا العام، لجأ البشر إلى مكيفات الهواء والمأوى في الظل. وفي الوقت نفسه، تجمعت الأسماك في نهر رايت على أي بقع من المياه العميقة والباردة التي يمكن أن تجدها، مثل الثقوب في مجرى النهر بعيدًا عن وهج الشمس. ومع ذلك، فإن أحد مجالات الراحة هذه لم يحدث بشكل طبيعي. لقد تم إنشاؤه بواسطة البشر الذين قاموا بضخ الماء البارد من بئر قريب إلى المجرى الساخن. وتوافدت الأسماك المحبة للبرد، مثل سمك السلمون الأطلسي، إلى هذا الجزء من المياه بأعداد كبيرة.
ومن هذا المنطلق، ابتكر الباحثون طريقة محتملة لمساعدة سمك السلمون الأطلسي على النجاة من ارتفاع درجات حرارة الماء الناجم عن تغير المناخ؛ حيث إن الأسماك مثل البشر، تزدهر عند نطاق درجة حرارة معين، من الناحية المثالية بين حوالي 43 درجة فهرنهايت و72 درجة فهرنهايت.
وبالتالي، فإن قضاء الكثير من الوقت في الماء الذي تزيد درجة حرارته عن 82 درجة فهرنهايت يمكن أن يكون مميتًا. وتعتبر أنهار وجداول المياه العذبة مثل نهر رايت أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على أعداد سمك السلمون - حيث ينمو سمك السلمون الأطلسي الصغير خلال مراحل حياته الأولية قبل التوجه نحو المحيط؛ وتتزايد المخاوف من أن ارتفاع درجة حرارة هذه الأنهار، بسبب تغير المناخ، لا يسمح ببقاء الأسماك على قيد الحياة.
ففي شمال شرق الولايات المتحدة، لا يزال عدد قليل من الأنهار على خليج ماين يدعم تجمعات سمك السلمون الأطلسي - حيث امتد نطاق هذه الأنواع في السابق إلى الجنوب حتى مضيق لونغ آيلاند. وفي كندا، في الوقت نفسه، انخفضت الأعداد في بعض الأنهار الجنوبية بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
يمكن لسمك السلمون أن يتحمل درجات الحرارة المرتفعة لفترات قصيرة من الزمن. تهاجر الأسماك إلى أعلى النهر عبر المياه الضحلة التي تدفئها الشمس، وتميل إلى البحث عما يشير إليه الباحثون بـ 'الملاجئ الحرارية'، وهي أماكن بها مياه باردة نسبيًا حيث يمكنهم الراحة قبل الرحلة لمسافة أبعد في اتجاه مجرى النهر.
ملاجئ حرارية
الفكرة وراء التجارب التي أجريت في الصيف الماضي، والتي تم تقديمها في اجتماع للجمعية الجيولوجية الأمريكية في 17 أكتوبر، هي البدء في اختبار ما إذا كان من الممكن البدء في إنشاء ملاجئ حرارية من صنع الإنسان على طول الأنهار من أجل مساعدة سمك السلمون الأطلسي على البقاء.
ومن جانبها، تُشير "كاثرين سميث"، طالبة الدكتوراه في جامعة دالهوزي والتي قادت البحث، إلى إن بعض الناس يرون أن مثل هذا النهج أمر لا مفر منه في السنوات المقبلة. وتذكر: 'نحن بحاجة إلى التفكير في كيفية التكيف مع هذا العالم الذي ترتفع درجة حرارته، والاستمرار في الحفاظ على سمك السلمون الأطلسي [وغيره] من التنوع البيولوجي في المياه الباردة في أنهارنا'.
وفي تجاربها، اختبرت سميث وفريقها طريقتين؛ ففيما يشار إليه بالنهج 'النشط'، قاموا بضخ مياه باردة من بئر إلى النهر، أما في النهج 'السلبي'، فقد قاموا بإعادة توجيه فرع من النهر تحت الأرض لمسافة، حيث يتم تبريده بواسطة التربة والصخور المحيطة. عندما عاد الفرع إلى الجزء الرئيسي من النهر، تكونت رقعة من الماء أبرد ببضع درجات من المناطق المحيطة.
في كلتا الحالتين، سرعان ما سعت أنواع الأسماك بما في ذلك سمك السلمون إلى البحث عن بقع الماء البارد الاصطناعية، على الرغم من أن النهج النشط جلب المزيد من الأسماك، خاصة خلال موجة الحر في يوليو التي تزامنت مع التجربة. غالبًا ما تتجمع المئات من الأسماك، بما في ذلك سمك السلمون، بالإضافة إلى العشرات من أسماك السلمون، في رقعة الماء البارد من البئر هربًا من الحرارة.