العراق يكتوي بنار المناخ.. هجرة جماعية للنحل والأسماك
حذرت تقارير لمنظمات وهيئات دولية من تعرض العراق لخطر وجودي جراء تغيرات المناخ التي تعصف بمقدرات العراق
وتهدد تلك التغيرات المناخية ثروات العراق وتولد عديد من المشكلات البيئية والاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية.
ويعاني العراق من انخفاض مستويات المياه العذبة على أراضيه، ويضرب الجفاف منتجات البلاد الزراعية ويؤدي إلى تكثيف حركة النزوح من الأرياف إلى المدن، التي تعاني أصلا من ضعف بناها التحتية بسبب عقود من الحرب والحصار وظاهرة المواجهات مع المنظمات الإرهابية.
كما تطال تأثيرات التغير المناخي في العراق مناحي اقتصادية عديدة مثل الثروة السمكية والزراعية وإنتاج العسل وحياة سكان الأرياف الاجتماعية، بحسب تقرير حديث لبعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق.
وتتسارع وتيرة الاحترار والجفاف وشح المياه والتصحر وتقلص المساحات الخضراء في العراق الذي تبلغ مساحته 435 ألف كم2 وعدد سكانه نحو 42 مليون نسمة.
خصوصية مناخ العراق بالأرقام
يقول عضو مفوضية حقوق الانسان السابق في العراق فاضل الغراوي، إن آثار ارتفاع درجات الحرارة وتزايد أعداد العواصف الرملية وسوء إدارة المياه ادى مفاقمة آثار الجفاف والاحتباس الحراري في العراق.
وأكد الغراوي في بيان سابق له أن "العراق يعد من بين خامس أكثر الدول تأثرا بالاحتباس الحراري وتغير المناخ"، مشيرا إلى اعتماد العراق على صناعة النفط في وقت يتزايد فيه النشاط العالمي حول تغير المناخ والابتعاد عن الوقود الأحفوري.
وأشار إلى أن زيادة إنتاج النفط تثير مخاوف بشأن حرق الغاز في إطار عمليات استخراج النفط والتي ادت الى ظروف صحية متدهورة للسكان الذين يعيشون حول مواقع حرق الغاز اضافة الى زيادة الامراض السرطانية وارتفاع معدلات التلوث.
ولبلاد الرافدين التي منابع النهرين (دجلة والفرات) حتى الخليج العربي تبرزها الأرقام الرسمية وقياسات المناخ في هذا البلد الذي تتنوع أنماطة المناخية بين المناطق الزراعية والصحراوية ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
- العراق خامس البلدان الأكثر تعرضا للتدهور المناخي عالميا
- يشهد العراق ظواهر مناخية عنيفة أبرزها:
درجات الحرارة العالية - عدم كفاية الأمطار ونقص هطولها - الجفاف وندرة المياه - تكرار العواصف الرملية والترابية والفيضانات.
- في عام 2001 اختفى 90% من الأهوار ففقد العراق التنوع البيولوجي، وكان ذلك سببا للنزوح واسع النطاق.
- ندرة المياه هي السبب الرئيس لقرار 94% من النازحين في محافظات العراق الجنوبية حسب استطلاع حديث نشرته منظمة الأغذية والزراعة (فاو).
- تهب على العراق سنويا أكثر من 300 عاصفة رملية.
النزوح من الريف
أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في "مؤتمر العراق للمناخ" في مارس/آذار الماضي أن 7 ملايين شخص نزحوا من مناطقهم جراء الجفاف الشديد.
وعلى رأس تداعيات التغير المناخي التي يعاني منها العراق وهو رأس قائمة أكثر الدول تأثرا بالتغير المناخي، حسب بيانات الأمم المتحد، هو ارتفاع المساحات المتصحرة.
التراجع في المساحات الخضراء في البلاد وانخفاض الإنتاج الزراعي قاد لحال نزوح للآلاف داخليا وتحول الكثيرين للتفكير حتى في الهجرة بعيدا خاصة مع انحسار منسوب المياه في نهري دجلة والفرات اللذين يشكلان أكثر من 90% من مصادر المياه العذبة في العراق.
تأثر بهذا الانحسار الإنتاج الزراعي في العراق والذي يشكل نحو يشكل 5% من مجمل الناتج الاقتصادي المحلي ومصدر الدخل الرئيسي لنحو 14 مليونا من سكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة، ويعود بشكل رئيسي حسب المسؤولين العراقيين أنفسهم السبب في انحسار مياه النهرين إلى بسبب بناء السدود وتحويل مياه النهرين وروافدهما في إيران وتركيا.
وتظهر بيانات الأمم المتحدة أن بلاد الرافدين التي لا تزال تعاني جراء سنوات من الحصار وانتشار الجماعات المتطرفة وتدمير البنى التحتية، أن واحد من كل خمسة أشخاص في العراق يعاني من نقص المياه، الأمر الذي تسبب بدوره في التأثير على السياسات المائية للعراق وفقد مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية المناطق الزراعية.
وأظهرت أرقام المنظمة الدولية للهجرة في مارس/آذار الماضي أن نحو 12 ألف أسرة نزحت من مناطق في وسط وجنوب العراق في آذار/مارس الماضي بسبب الجفاف، خاصة في محافظات ذي قار وميسان والديوانية، وفق المنظمة، فحسب الأرقام الرسمية تذهب 76% من العائلات النازحة إلى مناطق حضرية.
وبالنسبة لمحافظ الديوانية على سبيل المثال قد يعزّز هذا النزوح مشكلة "البطالة لعدم وجود فرص عمل تكفي الأعداد الكبيرة التي هاجرت إلى المدينة".
ويقول وزير الموارد المائية العراقي، إن بلاده تمر بـ"أسوأ" عام بسبب تراجع منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، محذرا من أن القادم "أصعب".
وأضاف الوزير عون ذياب في تصريحات تلفزيونية محلية "هذه السنة تعتبر أسوأ سنة نمر بها فيما يخص الواردات المائية وتخزين المياه منذ عام 1933 منذ بدء تسجيل البيانات الهيدرولوجية تاريخيا".
كما أكد ذياب أن العراق لم يستطع توضيح حجم المشكلة للمجتمع الدولي، داعيا إلى زيادة الدعم الدولي، رغم إعلان تركيا ضخ 1500 متر مكعب في الثانية، وهذا ضعف الكمية التي كانت تضخها مسبقا، وهو ما اشادت به الحكومة العراقية.
لكن الوزير حذر من "التحديات" التي تواجهها بلاده في الصيف الحالي فيما يتعلق بتأمين الكميات الكافية من المياه.
وانخفضت مستويات المياه في كل من دجلة والفرات بعد بناء تركيا لعدد من السدود على منابع وروافد النهرين، ما أثر على تدفقاتهما على وسوريا، فيما بدأت تركيا في أبريل/نيسان بضخ المزيد من المياه في نهر دجلة لمدة شهر بناء على طلب الحكومة العراقية.
كذلك حذر تقرير سابق صدر عن البنك الدولي أن العراق إجراءات يواجه خطر كبير جراء ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة وانخفاض الأمطار بنسبة 10%، مما قد يفقد هذا البلد 20% من مياهه العذبة.
في أبريل/نيسان حذّر تقرير أممي من خطر "الاضطرابات الاجتماعية" التي قد تنشأ عن العوامل المناخية.
وأشار التقرير إلى ضعف الخدمات العامة والفرص الاقتصادية الكافية ويرى أن التحضّر والانتقال إلى العيش في المدينة بفعل المناخ قد يؤدي إلى تعزيز هياكل قائمة مسبقاً من التهميش والإقصاء.
وتعتبر الأمم المتحدة أن الاضطرابات المناخية ستؤدي إلى "اضطرابات اجتماعية"، إذ يمكن للتوسع المدني الذي "تتسبب به التغيرات المناخية وحركة النزوح في ظل غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية، أن يعزز أن يعزز ممارسات التهميش والإقصاء".
الثروة السمكية
أدت التغييرات البيئية لتأثيرات سلبية على موارد المياه وأدت الى جفاف العديد من مناطق الاهوار وهلاك الاف الدوانم المزروعة بأنواع المحاصيل إضافة إلى "هلاك الثروة الحيوانية والسمكية".
هكذا يصف رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي بعض تداعيات التغيرات المناخية في بلاده، في أحد جوانبها المهمة التي يعتمد عليها كثير من العراقيين في تأمين مصادر رزقهم عبر صيد الأسماك.
وأدت موجات من جفاف الأنهار، التي تغذي الأهوار العراقية (أحد المصادر الرئيسي للثروة السمكية)، إلى انحسارها مع زيادة نسبة ملوحة المياه بسبب تسلل مياه البحر المجاور، مما أسفر عن اختفاء الأسماك وتهديد نمط حياة يعود إلى قرون.
وظهر ذلك في فاجعة خلال الأيام الماضية بإعلان دائرة البيطرة في وزارة الزراعة العراقية نفوق ملايين الأسماك في نهر العز بمحافظة ميسان شرقي البلاد، والتي صارت مثارا للجدل على منصات التواصل الاجتماعي وتبادل النشطاء صورا تظهر تلك المأساة، فيما أعلنت الوزارة تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب نفوق الأسماك بقضاء المجر.
وعزت دائرة البيطرة في تقرير لها نفوق الأسماك بحسب وكالة الأنباء العراقية، إلى ""قلة المياه وارتفاع نسبة الملوحة"، نافية وجود "حالة مرضية أدت لنفوق الأسماك".
وتواجه الثروة السمكية في العراق مشكلات انخفاض مناسيب المياه وتلوثها، كذلك مشكلة الصيد الجائر والعشوائي مستويات قياسية باتت مهددة للثروة السمكية عموما من نهري دجلة والفرات والروافد والبحيرات.
فإلى جانب التغيرات المناخية المتعلقة بالمياه في النهرين فإن السلوك البشري الجائر في نقاوة البيئة المائية، بفعل تلوث المسطحات المائية بالسموم والمخلفات والنفايات وأخطرها مياه الصرف الصحي، بحسب مرصد العراق الأخضر، وهو منظمة مدنية معنية بحماية البيئة.
وشهدت الثروة السمكية في العراق تراجعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة بعد أن كانت يتميز العراق بإنتاج الأسماك وكانت تساهم هذه الثروة تساهم بأكثر من 20% من النتائج المحلي مع كونها نمطا اجتماعيا.
موائد العراقيين غالبا ما كانت تتميز بأنواع من الأسماك التي يتم صيدها من مياه العراق ومنها برزها الكراف و الكارب والسلفر والكطان والبني والشبوط وغيرها، واشتهر الموروث الثقافي العراقي بأكلة "المسكوف" التي تطبخ من الأسماك.
وتجاوز إنتاج العراق من الأسماك في 2022 بلغ إنتاج العراق العام الماضي نحو800 ألف طن، بحسب أرقام رسمية، لكن نصيب الفرد العراقي من لحوم الأسماك المنتجة محليا تراجع غلى ما بين 0.9 و2.4 كيلوغرام وهو أقل نصف المعايير العالمية لحاجة الفرد من لحوم الأسماك.
وتؤثر الأزمة المائية التي يعاني منها العراق منذ سنوات بشكل مباشر على الثروة السمكية، وهذا ما هدد واقع الكثير من بحيرات الأسماك، ومنها الواقعة على حواف الأنهار، لتوقف على إثرها وزارة الموارد المائية في عام 2021 منح إجازات (تراخيص) البحيرات أو الأحواض العائمة بسبب الشح المائي.
عسل النحل
طالت التغيرات المناخية صناعة تربية النحل في العراق، وزاد من حدة المشكلة العواصف الغبارية التي تؤي إلى تشتيت النحل، بالإضافة لشح المياه وقلة مصادر الرحيق التي تؤثر على إنتاج العسل.
ولم يؤثر ذلك على إنتاج العسل العراقي فقط بل أدى إلى ارتفاع سعر المنتج المحلي، وانخفاض قدرته التنافسية مقارنة بالعسل المستورد وبالتالي تكدسها على الرفوف.
واعتبر محمود الحسيني أحد مربي النحل في العراق أن المناخ وظروفه القاسية وقلة المياه عامل حاسم وسبب رئيس فر تراجع إنتاج عسل النحل في العراقي وبالتالي ارتفاع أثمانه فوق كاهل المواطن العراقي.
ويقول الحسيني "النحل لا يملك القدرة على التأقلم مع تغييرات المناخ التي نعاني منها بسبب اختلاف سلالته عن النحل المحلي المقاوم للظروف المناخية من ارتفاع درجات الحرارة".
وبتجاوز سعر كيلوغرام العسل الطبيعي في العراق 80 ألف دينار فيما لا يتجاوز سعر العسل غير الطبيعي العشرة آلاف دينار.
يواجه النحّالون العراقيون مصاعب كثيرة في إنتاج العسل بسبب حالة الجفاف التي حلت بالعراق، بالإضافة الى دخول العسل المستورد الذي يملأ الأسواق العراقية، وهو غير قادر على التكيف مع بيئة العراق وتصيبه الأمراض، بحسب الحسيني.
وزارة الزراعة العراقية بدورها قالت إنها وضعت خطة لمواجهة خطر انقراض النحل في العراق، وأقامت العديد من المختبرات العلمية والبحثية لمواجهة الأمراض المستحدثة التي تصيب النحل وتكبد النحالين خسائر فادحة تضاف إلى خسائر انحسار المياه وفقدان العديد من المساحات المزروعة التي يتغذى عليها النحل.