هندسة المناخ.. باب أمل جديد أم ضرب من الجنون؟ (ملف خاص)
تركيب دروع عاكسة ونشر سحب كبريتية في غلاف الأرض لحجب أشعة الشمس
موجات حرارة وجفاف قاسية وفيضانات وأعاصير جارفة تجتاح العالم، جعلت البشر يدركون أن أضرار التغيرات المناخية أصبحت واقعاً لا يمكن إنكاره.
بينما ينذر استمرار ارتفاع حرارة الأرض بمزيد من الأحداث المناخية المتطرفة، التي تصل إلى حد الكوارث، فإن الجهود المبذولة لمواجهة فوضى المناخ، سواء على المستويات الدولية أو الوطنية، لم يمكنها كبح جماح الاحتباس الحراري، الذي بات يهدد مقومات الحياة على هذا الكوكب.
أمام هذه التحديات المتفاقمة، بدأ العالم يتجه إلى وسائل غير تقليدية للتعامل مع أزمة المناخ، باستخدام تقنيات "صناعة الطقس"، التي تعتمد على "هندسة المناخ"، لإحداث تغيير في درجة الحرارة، وإعادة توزيع خرائط الأمطار، وكذلك خرائط المسطحات الخضراء.
ووفقاً للدكتور وحيد محمد مفضل، خبير الاستشعار عن بُعد بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، فإن الوسائل المتبعة حالياً لمنع تفاقم تغير المناخ، تتمثل في عقد اتفاقيات دولية للحد من الانبعاثات، أو ابتكار طرق إنتاج مواد صديقة للبيئة، وتطبيق مفهوم الاقتصاد الأخضر، وغير ذلك من الحلول التي تعتمد على التخفيف من تأثيرات تغير المناخ، أو التكيف مع تداعياتها.
مخاوف من عواقب غير متوقعة لأفكار مجنونة
يوضح "مفضل"، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن بعض العلماء بدأوا التفكير في استخدام هندسة المناخ لتلطيف درجة الحرارة، من خلال التدخل في حركة السحب، أو انعكاس أشعة الشمس، أو في كميات الأمطار، بل والتدخل أيضاً في توزيع النباتات والطحالب التي لها القدرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، أو غير ذلك من العوامل الفاعلة في ضبط درجة الحرارة على سطح الأرض.
إلا أن تقنيات صناعة الطقس لا تلقى قبولاً لدى العديد من العلماء وخبراء المناخ، الذين يحذرون من أن هندسة المناخ قد يكون لها عواقب غير مقصودة أو غير متوقعة، من ضمنهم الدكتور رايموند بيرهومبرت، أستاذ الفيزياء في جامعة أكسفورد، الذي يعتبر أن فكرة إصلاح المناخ بإجراء تعديلات انعكاس أشعة الشمس هي "فكرة مجنونة على نحو يثير السخرية".
وهناك 5 تقنيات لـ"هندسة المناخ" تمت تجربتها بالفعل واستخدامها في بعض الدول، من أبرزها الاعتماد على توربينات عملاقة لالتقاط الكربون، ونشر سحب كبريتية وغبار الحديد على سطح المحيطات، وحقن الكبريت في الغلاف الجوي، وتصميم مرايا ودروع عاكسة لحجب أشعة الشمس بعيداً عن الأرض، من خلال إطلاق عدد كبير من البالونات العملاقة، على ارتفاعات عالية، ورشها بمواد عاكسة.
- الموضة والهندسة المعمارية.. نهج جديد لدفع العمل المناخي
- "المرونة المناخية" سلاح ردع لمجاعة عالمية محتملة
أولاً: حقن غازات الكبريت في الغلاف الجوي
في أعقاب انفجار بركان "بيناتوبو" في الفلبين عام 1991، لاحظ العلماء انخفاض الحرارة على مستوى العالم بمقدار نصف درجة مئوية في العام التالي، وتبين أن ثورة البركان صاحبها تصاعد نحو 20 مليون طن من غازات الكبريت في الغلاف الجوي، التي شكلت سحباً حجبت بعض أشعة الشمس، مما أدى إلى انخفاض درجة الحرارة بمقدار يتجاوز نصف ما أفرزه الكوكب على مدار 130 سنة.
بحسب ديفيد كيث، أستاذ النظم البيئية في جامعة "كالجاري" بكندا، فإن حقن ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي، عن طريق الطائرات النفاثة "أمر سهل وغير مكلف"، إلا أن هذه العملية قد تنطوي على عواقب وخيمة ما زالت قيد التقييم، منها التأثيرات الضارة على الأنشطة الزراعية في مناطق من أفريقيا وآسيا، كما أن تلوث الهواء بغبار الكبريت قد يكون قاتلاً، بالإضافة إلى أنه يضر بطبقة الأوزون.
ثانياً: غرس الأشجار وإنشاء الغابات
تعتمد هذه الطريقة على إزالة التركيزات المرتفعة لغاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عن طريق غرس المزيد من الأشجار، وإنشاء الغابات والمسطحات الخضراء، ورغم أن هذه الطريقة تبدو شديدة البساطة، فإنها تواجه كثيراً من التحديات، إذ أن مثل هذه المشروعات يجب أن تتم على نطاق واسع لتحقيق التأثير المطلوب، كما أن الأشجار تستغرق وقتاً طويلاً للنمو.
وبينما يبدي بعض الخبراء مخاوفهم من أن التوسع في إنشاء غابات جديدة سوف يكون على حساب الأراضي الصالحة للزراعة، التي تتقلص مساحتها بشكل كبير، فإن معظم المعنيين بتقنيات صناعة الطقس، يعتبرون أن غرس الأشجار هي الطريقة الأسهل والأنسب تكلفة، وذات نتائج سلبية أقل، وبحسب خبراء، فإن هذه الطريقة "لن تحل مشاكلنا، ولكنها لن تسبب الضرر أيضاً".
ثالثاً: توربينات عملاقة لالتقاط الكربون
في عام 2017، بدأت إحدى الشركات السويسرية في تصنيع توربينات عملاقة لالتقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء، باستخدام مرشحات قابلة للاستخدام أكثر من مرة، وبالفعل قامت الشركة بإنشاء أول مصنع تجاري لالتقاط الكربون، ورغم أن الفكرة ليست جديدة؛ حيث سبق تطبيقها في الولايات المتحدة وكندا وهولندا، إلا أن الشركة السويسرية قالت إنها تمكنت من إزالة نحو 900 طن من ثاني أكسيد الكربون.
وبينما يعتبر فريق من الخبراء، وفقاً لموقع العلوم الطبيعية (Phys.org)، أن هذه التقنية، التي تعتمد على التقاط الهواء بشكل مباشر وتنقيته من ثاني أكسيد الكربون قبل إعادة ضخه مرة أخرى، من أكثر الطرق أماناً للهندسة الجيولوجية، ولا تنتج عنها أي آثار جانبية حادة نسبياً، يحذر فريق آخر من أن هذه الآلية لا يمكن أن تواكب المعدلات الحالية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
رابعاً: نشر غبار الحديد على سطح المحيطات
تعتمد هذه التقنية المعروفة باسم "التسميد الحديدي"، على نشر غبار الحديد على سطح المياه في المحيطات والمسطحات المائية، بما يؤدي إلى تحفيز انتشار الطحالب والعوالق البحرية، التي تقوم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وذلك استناداً إلى دراسة المراحل السابقة من تغير المناخ، والتي أظهرت أن هناك احتمال أن يكون غبار الحديد قد تسبب في إحداث تأثيرات مماثلة في العصور الجليدية.
ورغم أن هذه العملية لا تنجم عنها أي تداعيات غير مرغوب فيها، فإن فريقاً من الخبراء يرى أنها قد تنجح في المحيط الأطلسي، ولكنها قد تواجه صعوبات في المناطق الاستوائية من المحيط الهادئ، بسبب حركة الأمواج، كما يحذر العلماء من أن مثل هذه العملية، التي قد تستمر لما يقرب من 50 عاماً، يمكن أن تتسبب في مشاكل عديدة، نتيجة إزعاج الأنظمة الإيكولوجية البحرية.
خامساً: مرايا ضخمة عاكسة لأشعة الشمس
يقترح عدد من العلماء أنه بدلاً من اللجوء لحقن الغلاف الجوي بغازات الكبريت لحجب أشعة الشمس جزئياً، فإنه يمكن استخدام مرايا ضخمة في الغلاف الجوي، تقوم بعكس أشعة الشمس بعيداً عن الأرض، من خلال إطلاق عدد كبير من البالونات العملاقة، على ارتفاعات عالية، ورشها بمواد عاكسة، بينما يوصي آخرون بنشر أسطول من "الدروع العاكسة"، لتشكل سحابة بطول 62 ألف ميل.
وفضلاً عن التكلفة المرتفعة لتنفيذ هذه الفكرة، التي تتجاوز تريليونات الدولارات، فإن العلماء يحذرون من أنها قد تكون لها تأثيرات مدمرة، إذ يمكن أن يؤدي حجب أشعة الشمس إلى أن يصبح الكوكب أكثر جفافاً؛ حيث تشير النماذج إلى أن انخفاض الحرارة بمقدار درجة مئوية يستتبعه تراجع في معدلات هطول الأمطار بنسبة 1%، الأمر الذي يضر بالقدرة على إنتاج الغذاء في المناطق المعرضة للخطر.