تاريخ جديد للمناخ يُكتب في أبوظبي.. تفاصيل اتفاق طال انتظاره حول «الخسائر والأضرار»
توصلت دول الشمال والجنوب إلى اتفاقية تاريخية طال انتظارها بشأن صندوق الخسائر والأضرار، بما يمهد الطريق لأن يصبح هذا الصندوق واقعا حقيقيا رغم الشكوك التي طالت هذا الحلم والمصاعب والتحديات التي واجهت المفاوضين.
وفي اجتماع استضافته العاصمة الإماراتية أبوظبي، ونال اهتماما خاصا من الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات الرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف "COP28"، توصلت اللجنة الانتقالية المعنية بصندوق الخسائر والأضرار، إلى اتفاق تضمن توصيات واضحة وحاسمة لتفعيل الصندوق وترتيبات تمويله، ما يُمهد الطريق لإنجاز اتفاق بشأنه في دبي خلال COP28، ومن ثم تفعيله وتشغيله بحلول عام 2024.
والصندوق المعني أساسا بمساعدة الدول الفقيرة المتضررة من الكوارث المناخية، واجه تعثرا لمدة عام من المفاوضات، وكاد أن يصل إلى طريق مسدود عندما فشلت آخر اجتماعات اللجنة المشكلة بخصوصه والذي عُقد في مدينة أسوان المصرية يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل أن يحيي الدكتور سلطان الجابر الأمل في المفاوضات مجددا عبر الدعوة إلى اجتماع إضافي تستضيفه أبوظبي، قائلا إنه "يؤمن بأنه من الممكن حل كل المسائل"، داعيا المفاوضين إلى مراعاة مليارات الأشخاص الذين يعولون على هذا الاجتماع ونتائجه.
القصة من البداية
تشكلت اللجنة الانتقالية المعنية بصندوق الخسائر والأضرار عقب القرار التاريخي للأطراف في مؤتمر شرم الشيخ COP27 في مصر، بشأن إنشاء صندوق للتعويض عن "الخسائر والأضرار" في الدول النامية التي تتحمل تبعات تغير المناخ.
وكلفت الأطراف اللجنة، المكونة من 24 عضوًا، بمهمة تحديد الشكل الذي ينبغي أن يبدو عليه صندوق الخسائر والأضرار الجديد لضحايا المناخ، وتقديم مقترحاتها إلى COP28 في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
عقدت اللجنة 4 اجتماعات هذا العام، لكنها لم تنجح في حل الانقسامات العميقة بين الدول المتقدمة والنامية بشأن الصندوق إلا في الاجتماع الخامس، الذي دعا إليه الدكتور سلطان الجابر.
- رئيس COP28 يرحب باتفاق اللجنة الانتقالية لتفعيل صندوق الخسائر والأضرار
- كواليس اجتماعات "الخسائر والأضرار".. البنك الدولي يعرقل والإمارات تحسم
تفاصيل الاتفاق التاريخي
اختتمت اللجنة اجتماعها الخامس في أبوظبي، في الفترة من 3 إلى 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بنجاح، وأصدرت مذكرة بالتوصيات التي ستقدم لمؤتمر الأطراف، اطلعت عليها «العين الإخبارية»، بشأن تفعيل ترتيبات التمويل الجديدة، بما في ذلك الصندوق، للاستجابة للخسائر والأضرار.
وأقرت اللجنة أن الغرض من الصندوق هو مساعدة البلدان النامية المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغير المناخ في الاستجابة للخسائر والأضرار الاقتصادية وغير الاقتصادية المرتبطة بالآثار الضارة لتغير المناخ، بما في ذلك الظواهر الجوية المتطرفة وأحداث الطقس بطيئة الظهور.
وسيوفر الصندوق التمويل لمعالجة مجموعة متنوعة من التحديات المرتبطة بالآثار الضارة لتغير المناخ، مثل حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ، وارتفاع مستوى سطح البحر، والنزوح، وإعادة التوطين، والهجرة، وعدم كفاية المعلومات والبيانات المناخية، والحاجة إلى إعادة الإعمار والتعافي بعد الكوارث المناخية.
ودعت اللجنة في توصياتها إلى تفعيل الصندوق باعتباره صندوقًا ماليًا وسيطًا يستضيفه البنك الدولي لفترة مؤقتة مدتها 4 سنوات تبدأ من دورات مؤتمر الأطراف، على أن تتم خدمة الصندوق من خلال أمانة جديدة ومخصصة ومستقلة يستضيفها البنك الدولي.
كانت قضية استضافة البنك الدولي لمقر الصندوق مثار خلاف بين الدول المتقدمة والنامية خلال اجتماعات اللجنة طوال العام الماضي.
وأصرت الدول المتقدمة، بقيادة الولايات المتحدة، على ضرورة إنشاء الصندوق الجديد تحت إشراف البنك الدولي، باعتباره وسيطا ماليا مستضافا، بينما رفضت الدول النامية الاقتراح بالإجماع.
قدمت اللجنة في ختام اجتماعها الرابع 4 اقتراحات، بينهما اقتراح استضافة البنك الدولي لمقر الصندوق بشكل مؤقت، كحل وسط وتوافقي، وهو ما تم اعتماده بالفعل في مذكرة التوصيات النهائية للجنة.
لطمأنة الدول النامية، قالت اللجنة إن الصندوق سيكون مسؤولاً ويعمل تحت توجيهات مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية، ومؤتمر الأطراف العامل كاجتماع للأطراف في اتفاق باريس.
مجلس الإدارة
سيتولى إدارة الصندوق والإشراف عليه مجلس يمثل هيئة صنع القرار فيه ويتولى مسؤولية تحديد التوجه الاستراتيجي والحوكمة وطرائق التشغيل والسياسات والأطر وبرنامج العمل، بما في ذلك قرارات التمويل ذات الصلة.
سيقوم مجلس إدارة الصندوق بتلقي التوجيه من مؤتمر الأطراف ومؤتمر أطراف اتفاق باريس، بشأن سياساته وأولوياته البرنامجية ومعايير الأهلية؛ واتخاذ الإجراءات المناسبة استجابة للتوجيهات الواردة.
حددت اللجنة تشكيلًا متوازنًا وعادلًا لمجلس الصندوق يتألف من 26 عضواً، بينهم 12 عضواً من البلدان المتقدمة؛ و3 أعضاء من دول آسيا والمحيط الهادئ؛ و3 أعضاء من الدول الأفريقية؛ و3 أعضاء من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ وعضوان من الدول الجزرية الصغيرة النامية؛ وعضوان من أقل البلدان نموا؛ وعضو واحد من البلدان النامية غير المدرجة في المجموعات الإقليمية.
سيتم ترشيح أعضاء المجلس، بمن فيهم الأعضاء المناوبون في المجلس، الذين يتمتعون بالخبرة الفنية والمالية المناسبة في مجال الخسائر والأضرار والسياسات، من قبل المجموعات الإقليمية والدوائر المعنية، مع إيلاء الاعتبار الواجب للتوازن بين الجنسين.
كما سينتخب المجلس رئيسين مشاركين من بين أعضائه، أحدهما من أحد البلدان المتقدمة والآخر من أحد البلدان النامية، وسيعملان لمدة سنة واحدة.
ستؤخذ قرارات المجلس بتوافق الآراء، وإذا لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء، فستتخذ القرارات بأغلبية أربعة أخماس الأعضاء الحاضرين والمصوتين.
طلبت اللجنة من أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ البدء في الترتيبات اللازمة لعقد الاجتماع الأول لمجلس الصندوق في موعد لا يتجاوز 31 يناير/كانون الثاني 2024.
سيختار المجلس البلد المضيف له من خلال عملية مفتوحة وشفافة وتنافسية.
سيكون للصندوق أيضًا أمانة جديدة ومخصصة ومستقلة لخدمة المجلس وتكون مسؤولة أمامه، وسيرأسها مدير تنفيذي يتمتع بالخبرات والمهارات اللازمة، ويقوم المجلس باختياره.
من يدفع؟ ومن يستفيد؟
وفق توصيات اللجنة، ستكون جميع البلدان النامية المعرضة بشكل خاص للآثار الضارة لتغير المناخ مؤهلة لتلقي الموارد من الصندوق.
كان هذا البند سببًا في انقسامات حادة أيضًا خلال الاجتماعات الماضية، عندما أرادت البلدان المتقدمة تخصيص الأموال "على أساس الضعف"، وليس للبلدان النامية بشكل عام، ما يجعل التمويل متاحًا فقط لأقل الدول نموًا والدول الجزرية الصغيرة، وهو ما عارضته الدول النامية.
خرجت الصياغة النهائية لهذا البند، توافقية لحد كبير لإرضاء الطرفين، فلم تتضمن شرط "الضعف" الذي أصرت عليه الدول المتقدمة في السابق، لكنها أيضًا أعطت أهمية تلقي الموارد للبلدان النامية التي تتعرض بشكل خاص لآثار تغير المناخ.
فيما يتعلق بالمساهمات في الصندوق، وهي نقطة خلافية أخرى، قالت اللجنة إن الصندوق يستطيع تلقي مساهمات من مجموعة واسعة من مصادر التمويل، بما في ذلك المنح والقروض الميسرة من المصادر العامة والخاصة والمبتكرة، حسب الاقتضاء.
فيما يخص مسؤوليات الدول المتقدمة عن تمويل الصندوق الجديد، حثت اللجنة الأطراف من البلدان المتقدمة والأطراف الأخرى على تقديم الدعم أو الاستمرار في تقديمه على أساس طوعي للأنشطة الرامية إلى معالجة الخسائر والأضرار.
كما دعت البلدان المتقدمة إلى تقديم مساهمات مالية لمواصلة أخذ زمام المبادرة لتوفير الموارد المالية لبدء تشغيل الصندوق.
تظهر الصياغة النهائية للتوصيات من قبل اللجنة أن البلدان المتقدمة ستشارك في تمويل الصندوق بشكل طوعي دون إلزام، وهو ما يتماشى مع مطالبات البلدان الغنية خلال الاجتماعات الماضية بألا يكون الدفع إلزامي.
كما قالت اللجنة إن موارد الصندوق ستجدد بشكل دوري كل أربع سنوات مع المحافظة على المرونة اللازمة لتلقي المدخلات المالية على أساس مستمر.
ترتيبات جديدة للتمويل
سيعد مجلس الصندوق استراتيجية طويلة الأجل لجمع الأموال وتعبئة الموارد وخطة للصندوق من أجل تعبئة موارد مالية جديدة وإضافية وكافية ويمكن التنبؤ بها من جميع مصادر التمويل.
وسيقدم الصندوق التمويل في شكل منح وقروض بشروط تيسيرية للغاية، وغيرها من الأدوات والطرائق والمرافق المالية باستخدام، في جملة أمور، المحفزات والمؤشرات ذات الصلة بتأثير المناخ، والقدرة على تحمل الديون.
كما يجوز للصندوق نشر مجموعة من الأدوات المالية الإضافية التي تأخذ في الاعتبار القدرة على تحمل الديون كالمنح، والقروض الميسرة للغاية، والضمانات، والدعم المباشر للميزانية والتمويل القائم على السياسات، والأسهم، وآليات التأمين، وآليات تقاسم المخاطر، والتمويل المرتب مسبقا، البرامج القائمة على الأداء، وغيرها من المنتجات المالية حيثما كان ذلك مناسبا، لزيادة واستكمال الموارد الوطنية المقدمة لمعالجة الخسائر والأضرار.
ينبغي للصندوق أيضا أن يكون قادرا على تيسير المزج بين الأدوات المالية المختلفة لتحقيق الاستخدام الأمثل للتمويل العام، وخاصة لضمان تحقيق نتائج فعالة للفئات السكانية الضعيفة والنظم الإيكولوجية التي يعتمدون عليها.
كما أوصت اللجنة بالبدء في ترتيبات تمويل جديدة للاستجابة للخسائر والأضرار، التي تشمل توسيع نطاق ترتيبات التمويل الحالية أو تعزيزها.
ستركز ترتيبات التمويل الجديدة على توفير الموارد الجديدة والإضافية والمساعدة في حشدها مع استكمال المصادر والأموال والعمليات والمبادرات في إطار الاتفاقية واتفاق باريس وخارجهما.
جدير بالذكر بأن الدكتور سلطان الجابر، رحب بالاتفاق الذي توصلت إليه اللجنة، وأشار الدكتور سلطان الجابر في تصريح له إلى أن حياة مليارات من البشر وسُبل عيشهم المُهددة بسبب تداعيات تغير المناخ تعتمد على تنفيذ هذه التوصيات.
aXA6IDUyLjE0LjE2Ni4yMjQg
جزيرة ام اند امز