لاجئ المناخ.. "أزمة العالم الصامتة" تحتدم
تشير إحصاءات نشرها مركز رصد النزوح الداخلي التابع للأمم المتحدة، إلى أنه منذ عام 2008 تم تهجير 318 مليون شخص حول العالم قسرًا.
هذا التهجير تم لأسباب تتعلق بالمناخ ومنها الفيضانات والعواصف والرياح، والزلازل أو الجفاف، منهم 30.7 مليون في عام 2020 وحده، وهذا يعادل نزوح شخص واحد كل ثانية.
وتتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يصل عدد الأشخاص المُهجرين بسبب الكوارث المناخية إلى 200 مليون بحلول 2050، وتصف الأمم المتحدة الهجرة بسبب المناخ نتيجة لذلك بأنها "أزمة العالم الصامتة".
- ملايين النازحين وآلاف المشردين.. الفاعل تغير المناخ (مقابلة)
- جريمة مناخية.. انهيار الغابات لأعلى مستوياته خلال العقدين الأخيرين
وتشير تقديرات البنك الدولي أنه سيكون هناك 216 مليون مهاجر بسبب المناخ بحلول عام 2050، كما تتوقع منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن يكون هناك 1.4 مليار مهاجر بسبب المناخ بحلول عام 2060.
وتتعدد تأثيرات التغير المناخي والهجرة المرتبطة بالمناخ، بين زعزعة استقرار المجتمعات الضعيفة والمهمشة، وتفاقم ندرة الموارد، وصولًا إلى إشعال التوتر السياسي.
غياب الاعتراف الدولي
فجوة كبيرة يعيشها العالم في التعامل مع قضية اللاجئين والمهاجرين بسبب التغير المناخي، كما أن الاستجابة الوطنية والدولية لهذا التحدي محدودة، حيث لا توفر الكثير من الأطر الدولية والأنظمة القانونية الإقليمية والمحلية الحماية الكافية للمهاجرين بسبب المناخ.
وكما لا يوجد تعريف واضح للاجئين أو المهاجرين أو النازحين بسبب المناخ، لا تعترف اتفاقية اللاجئين لعام 1951 بالعوامل المناخية كمعايير قائمة بذاتها لتعريف اللاجئ، رغم أن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أقرت في يناير/كانون الثاني 2020 بأنه "لا يمكن للدول التي تبنت لاجئي المناخ الفارين من آثار أزمة المناخ أن تجبرهم على العودة إلى بلدانهم الأصلية التي يشكل مناخها تهديدًا مباشرًا".
ويعزو خبراء تلك الفجوة إلى افتقاد الأمم المتحدة القدرات اللازمة لتغطية احتياجات هؤلاء اللاجئين المحتملين، خاصة مع سرعة وتيرة زيادتهم، فضلاً عن التحديات التي تواجهها المفوضية للاستجابة للاجئين الحاليين الموجودين تحت مظلتها بالفعل.
وعلى الجانب الآخر، لا تلقى المسألة ترحيباً دولياً في ظل صعود الحركات المعادية للاجئين بعدة دول أوروبية، وتوجهات بعض الحكومات اليمينية والقادة نحو اللاجئين كما كان حال إدارات أمريكية سابقة (إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مثلا).
تأثيرات التغير المناخي قصيرة وطويلة المدى تلحق الضرر البيئي بالمجتمعات المحلية غير المستعدة وتؤدي إلى تفاقم عدم العدالة والتهميش.
وقد تقود الكوارث المناخية المفاجئة مثل العواصف الشديدة والكوارث الطبيعية إلى تدمير البنية التحتية الحيوية، والفيضانات في الأحياء، وتعطيل أنظمة النقل، وإثقال كاهل المراكز الطبية، ونقص الغذاء والمياه، وتزعزع استقرار محطات الطاقة، وتعريض صحة الإنسان للخطر.
وعلى المدى الطويل، قد تتسبب المجاعات وأيضًا الجفاف ونقص الموارد الأخرى والأضرار الاقتصادية الناجمة عن التغير المناخي في الصراع وعدم الاستقرار السياسي والتحسين المناخي والآثار الصحية السلبية المتراكمة بسبب التعرض لبيئات غير صحية.
ومن الثابت في قضية المناخ أن كل من الأفراد والبلدان لا يساهمون في التغير المناخي على قدم المساواة، وهم أيضًا لا يعانون من آثارها السلبية بشكل متساوٍ.
لذلك تتعرض الدول الجزرية الصغيرة، وأيضًا سكان الأرياف، والملونون، والمجتمعات منخفضة الدخل، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، وسكان المناطق الحضرية الساحلية، والأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي والسكني، وأقل البلدان نماءً، بشكل خاص لأسوأ آثار أزمة المناخ، ومن ثم الهجرة البيئية.
ومن الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهجرة المناخ التغيرات السكانية الناجمة عن التغيرات البيئية المرتبطة بالتغير المناخي، وما يستتبعه الانتقال غير المنظم والتهجير المناخي القصري من آثار مثل زيادة تكلفة المعيشة وتشريد المواطنين من الطبقة الدنيا.
وتشير الأبحاث إلى أن الكثير من الهجرة المرتبطة بالمناخ ستؤدي إلى تضخيم الاتجاهات الحالية، مثل انتقال الأشخاص من المناطق الريفية إلى المدن، لأن حلم الوظائف الحضرية هو بالفعل إغراء لكثير من الناس، وقد يصبح أقوى إذا أدى الجفاف أو الكوارث الأخرى إلى زيادة صعوبة الزراعة في كسب العيش أو القيام بعمل أكثر خطورة في ظل الحرارة الشديدة.
وأكدت بيان الفريق العالمي المعني بالهجرة بشأن أثر التغير المناخي على الهجرة أن خطر الهجرة يتعدى الدول الفقيرة كما هو الحال حاليا وسيمتد للدول الغنية التي ستتضرر كغيرها من التغير المناخي.
كما بدأت العديد من الدول وضع تأشيرات خاصة بضحايا التغيرات المناخية، وأول الدول التي قامت بهذه الخطوة هي الأرجنتين، لاستقبال المواطنين من منطقة الكاريبي المتأثرين بالكوارث الطبيعية، وهو الأمر نفسه الذي قامت به البرازيل.
التحرك قبل الكارثة
يرى الدكتور محمود محيي الدين رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي COP27 أن التعامل مع هذه الأزمة العالمية الصامتة يستلزم الأمر نهجا متكاملا وتعاونا دوليا باستثمارات، للتعامل مع تغيرات المناخ، سواء للوقاية منها أو التوافق معها، في مجالات التخفيف والتكيف والتعامل مع ملف الخسائر والأضرار، مع توفير اللازم لها من تمويل ميسر طويل الأجل، واستثمارات في مشروعات تبنى على التكامل بين العمل المناخي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي ينبغي رسم سياسات الهجرة ــ سواء للدول المصدرة أو المستقبلة ــ فى إطارها.
ومن بين الحلول المتاحة والممكنة لعلاج الأزمة قبل تتحول لكارثة تطال الأغنياء قبل الفقراء هو برامج التكيف مع تغير المناخ و"العدالة المناخية"، حيث تزيد مشاريع التكيف مع المناخ المصممة للاستعداد للتغير المناخي والاستجابة له من مقاومة المجتمعات للآثار المناخية، وتقلل من درجة الهجرة التي يضطر الناس إلى اللجوء إليها كخيار في مواجهة التغير المناخي.
تطوير مشاريع التكيف مع المناخ تزيد من مقاومة المجتمعات والشعوب لآثار التغير المناخي، حيث تستثمر مستويات متفاوتة لدعم التكيف والمرونة والتنقل للأحياء والبلديات والدول في مواجهة التغير المناخي وما يترتب على ذلك من الهجرة البيئية.
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشرته إلى أنه في بعض الحالات القصوى، مثل جزر المحيط الهادئ المهددة بارتفاع مستوى سطح البحر، قد لا تكون الهجرة الداخلية ممكنة.
لكن بالإضافة إلى اللاجئين العابرين للحدود، من المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى نزوح الناس داخل بلدانهم، ودفعهم إلى طلب الحماية من حكوماتهم، وهو ما قد يسبب أزمات نفسية كبيرة لهؤلاء الأشخاص.
وأوضحت أن التشرد بسبب المناخ بدأ بالفعل من خلال الأشخاص الذين نزحوا داخليا بسبب الأعاصير أو الحرائق، مثلما حدث في الولايات المتحدة.
ولذلك ترى الصحيفة أنه بدلًا من التفكير في لاجئي المناخ العابرين للحدود في المستقبل، يمكننا بالفعل التفكير في الأشخاص الذين نزحوا داخليا لدراسة حالتهم وأوضاعهم، ويجب أن تُغير الحكومات، وتحديدا الأحزاب اليمينية، سياساتها تجاه الهجرة.
وفي رسالة تحذيرية، قال الدكتور محمود محيي الدين وهو المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، في مقال صحفي سابق، إن الهجرة تشكل تحديا كبيرا وفرصا متنوعة في عالم اليوم، فبها ارتقت اقتصادات وبسببها سقطت حكومات، وحيالها يواجه صناع القرار خيارا بين جعل الهجرة معينا على زيادة النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية ومكافحة الفقر، وبين جعلها مصدرا للتوتر والاحتقان ونزيف العقول وهدر الفرص.
ويرى خبراء المناخ أنه في مواجهة الأزمة يجب أيضا رفع الكفاءة المحلية والوطنية بآليات غير مباشرة للتعامل مع المهاجرين المحتملين، والتوسع في تحديد خريطة "المدن المقاومة للمناخ" التي تمكن للنازحين بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الأنهار والعواصف الإعصارية، الانتقال إلى العمل فيها، وفي المقابل مساعدة مواقعهم الجديدة اقتصادياً.
أكثر المناطق تضررا
في نهاية عام 2018 قدر البنك الدولي أن ثلاثة أقاليم أساسية؛ أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، سوف تولد 143 مليون مهاجر بسبب المناخ بحلول 2050.
وتقول إحصاءات الرصد الصادرة عن المفوضية السامية للاجئين- أن 90% من اللاجئين -في الوقت الراهن- ينحدرون من دول مصنّفة بأنها تعاني من وضع مناخي خطير، وتحتاج لتدخل فوري وبناء.
تقرير حول التغيرات المناخية -صدر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة- قدر أن نحو 143 مليون شخص هربوا من أراضيهم خلال الـ30 سنة الماضية؛ وذلك بسبب الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، والحرائق، والكوارث الطبيعية.
ووفقا للتقرير تتصدر خمس دول هذه الظاهرة:
- الصين - 6 ملايين شخص غادروا من مدينة لأخرى في الصين
- الفلبين - 5.7 مليون شخص
- الهند - 4.9 مليون شخص
- الكونغو الديمقراطية - 880 ألف شخص
- فيتنام - 780 ألف شخص