المناخ.. رابح غير متوقع من الصراع بين أمريكا والصين (تحليل)

يبرز المناخ كأحد أكبر الرابحين غير المتوقعين من التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين، بعد أن ظل لسنوات ضحية رئيسية للصراعات العالمية الباردة خاصة في القطاع الصناعي.

ووفقا لتحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز"، عادة ما يسهم صراع الأقطاب الدولية الكبرى في بعض النتائج الإيجابية سواء على صعيد مكاسب الدول الأصغر أو على صعيد قضايا عالمية ذات اهتمام مشترك.

• محيي الدين: هذه أهم تحديات ملف المناخ العاجلة
• تغير المناخ يهدد أصغر دول الاتحاد الأوروبي.. العطش على الأبواب
  

وبما أن قضايا المناخ تتصدر حاليا اهتمامات العالم، بدا أنها ستحقق عدة مكاسب من الصراع الأمريكي الصيني على أصعدة متعددة أبرزها تعزيز سلاسل إمداد الطاقة النظيفة وتطوير التقنيات الخضراء وتعزيز الالتزام البيئي.

صراع الفكر والأهداف

وأوضح تحليل "فورين أفيرز" الذي جاء تحت عنوان "مكافآت التنافس.. المنافسة الأمريكية الصينية يمكن أن تحفز التقدم المناخي"، أن المنافسة بين الطرفين ليست مجرد صراع بين دولتين قويتين، ولكن أيضًا بين منظومتين متكاملتين في الفكر والممارسة والأهداف والأولويات.

ولفت إلى أن التنافس القديم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة أسهم في تحقيق إنجازات مثل إرسال البشر إلى القمر، وتطوير الطاقة النووية المدنية، وانتشال ملايين الأفراد من الفقر.

وكذلك يمكن لعصر جديد من التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين أن يحقق بعض الفوائد من أجل البشرية.

التشهير التنافسي.. إرث "مفيد" من الحرب الباردة

وحسب التحليل الذي كتبه كل من جيف دي كولجان ونيكولا ال ميلر، فإنه حين تنخرط قوتان عظميان في تنافس ما، فإنها يحاولان جذب الشركاء أو الاحتفاظ بهم من خلال لفت الانتباه الى الانتهاكات التي يرتكبها كل منهما.

وفي هذا السياق يظهر "التشهير التنافسي" كسلاح ظهر منذ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وكانت له جوانب إيجابية.

فعلى سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم إنجازاتها المحلية الأخيرة بشأن تغير المناخ، خاصة اعتماد قانون خفض التضخم، للضغط على الصين لبذل المزيد لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والمساهمة في مكافحة التغير المناخي.

كسب ولاء الدول الجزرية

وقال التحليل إن الدول المهيمنة عادة ما تسعى إلى التنافس على ولاء الدول الأصغر.

فعلى سبيل المثال، في جنوب المحيط الهادئ ، وقع الصينيون مؤخرًا اتفاقية أمنية مع جزر سليمان، وفي المقابل، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تعزيز دعمهم في منطقة جنوب المحيط الهادئ.

ففي جنوب المحيط الهادئ، يُنظر إلى تغير المناخ على أنه تهديد وجودي إذ يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة نشاط العواصف إلى تدمير العديد من دول جزر المحيط الهادئ.

ومعظم هذه الدول لا يرى واشنطن على أنها تأخذ على محمل الجد المخاطر التي تواجهها هذه الدول.

ولذلك، عقدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أول قمة على الإطلاق بين الولايات المتحدة وجزر المحيط الهادئ في 28 و29 سبتمبر/أيلول في واشنطن.

"السبع" تواجه طموح الحزام والطريق

وظهر مسرح آخر للتنافس، حيث اكتسبت الصين شركاء من خلال مبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة تتعلق بإنشاء بنية تحتية بمليارات الدولارات وجهود استثمارية لتشجيع التجارة العالمية والتكامل الاقتصادي، وهي تنطلق من احتياجات الاقتصاد الصيني.

وفي المقابل، استجابت دول مجموعة السبع، التي شعرت بقلق متزايد من الجهود الصينية، بإطلاق الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار، وذلك في عام 2022.

ووفقًا لإعلان البيت الأبيض في يونيو/حزيران الماضي، تخطط الولايات المتحدة لتقديم 200 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتمويل مشاريع البنية التحتية العالمية، خاصة في البلدان النامية.

اتفاق باريس.. أبرز مكاسب "المنافسة"

ولحسن الحظ، يمكن للمنافسة والتعاون بين الولايات المتحدة والصين بشأن تغير المناخ أن تولّد فوائد للجميع.

أحد الأمثلة على التعاون المفيد هو الدبلوماسية التي أجرتها إدارة أوباما مع الصين لتمهيد الطريق لاتفاق باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ، وهي المرة الأولى التي توافق فيها الدول النامية على خفض الانبعاثات.

كما أنه على المدى الطويل قد تثبت المنافسة على التقنيات الخضراء أنها مفيدة أيضا فى التعاون الدولي.

فعلى سبيل المثال، بعدما انزعجت الدول الأوروبية والولايات المتحدة ودول أخرى من الهيمنة الصينية على سلسلة التوريد للمعادن مثل النحاس والليثيوم وسلع أخرى ضرورية لإنتاج الطاقة النظيفة، بدأت هذه الحكومات فى التحرك متأخرة لدعم سلاسل التوريد الخاصة بها، ومن ثم فقد عملت على تسهيل استثمارات التعدين في جميع أنحاء العالم التي يمكن أن تخفض تكاليف إزالة الكربون للجميع.

واعتبر التقرير أنه كلما حققت الولايات المتحدة أهدافها المناخية الخاصة، زاد رصيد مصداقيتها عند الضغط الذي يمكن أن تمارسه على الدول الأخرى للالتزام بخطوات لمكافحة التغير المناخي.