تعطيل باب الاجتهاد الفقهي.. هل اختفى المجتهدون؟ (خاص)
أعادت دعوة الشيخ السعودي، صالح المغامسي، بإنشاء مذهب الجديد، الحديث عن باب الاجتهاد في الإسلام.
ما زال بعض المتنورين يرون أن المؤسسات الدينية أغلقت باب الاجتهاد، واكتفت بمذاهب القرون الأولى بعد البعثة المحمدية، ويطالبون بفتح الاجتهاد مرة أخرى، وإتاحة الفرصة لظهور مذاهب جديدة.
فهل فعلاً باب الاجتهاد مغلق أو معطل؟ وهل لو الوضع كذلك كيف يتعامل العلماء مع مستحدثات العصر؟.
"العين الإخبارية" طرحت الأسئلة على علماء بالأزهر الشريف، وهذه كانت رؤيتهم لقضية غلق باب الاجتهاد.
الاجتهاد المطلق معطل
يقول الدكتور سامي العسالة، أحد علماء الأزهر الشريف ومدير إدارة التفتيش الديني الأسبق بوزارة الأوقاف المصرية، إن باب الاجتهاد المطلق تعطل منذ القرن الثالث الهجري تقريبًا، بعد ظهور المذاهب الإسلامية المعروفة، موضحًا أن الاجتهاد المطلق هو قيام عالم واحد بالاجتهاد في جميع المسائل الفقهية وتأسيس مذهب فقهي خاص به.
ويضيف العسالة، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، أن سبب ذلك أن الشروط الواجب توفرها في المجتهدين لم تعد متوفرة إلى حد كبير في العلماء، كما أن الأمة لجأت لتقليد المجتهدين أصحاب المذاهب بسبب أنهم غطوا كل المسائل الفقهية التي يحتاجها الناس في هذه الأزمنة.
ويوضح العسالة أنه في القرن الآخير، ونتيجة المستحدثات العصرية التي طرأت على البشرية، لجأ العلماء للمجامع الفقهية ومؤسسات الفتوى، مثل دور الإفتاء ومجماع البحوث وهيئات كبار العلماء والمجامع الفقهية، لبحث بعض الأمور المستحدثة مع الاعتماد على التراث، وأصبح الاجتهاد جماعي بدلاً من فردي.
ويتحدث العسالة عن قرون التقليد، فيقول: "في هذه القرون، كان الأئمة المجددين في كل عصر يجتهدون ويستخرجون أمور فقهية جديدة، مثل الإمام أبو العزائم في آخر قرن، جدد في فقه العبادات والمعاملات".
ويضيف أنه في الوقت المعاصر هناك نهضة في التجديد والتنوير، قائلاً: "يحسب لوزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة، بأنه قائد الفكر التجديدي في السنوات الأخيرة، وإعمال العقل وعدم الجمود وفتح باب الاجتهاد، وتجديد الخطاب الديني، واستنباط الأحكام، والفهم المقاصدي للشريعة والكتاب والسنة".
وعن فكرة خلق مذهب جديد، يقول العسالة: "لا توجد مذاهب جديدة، لكن الفقه يجدد باستمرار عن طريق المجددين والمفكرين، وهناك فهم مقاصدي للأمور الفقهية بشكل عصري".
وطالب العسالة بإعمال العقل في الفهم المقاصدي في ضوء الكتاب والسنة، وتنقية التراث مما علق به من شوائب أو إسرائيليات أو أحكام تخص زمانها، مؤكدًا أن المجامع الفقهية تحل محل الفقهاء المجتهدين، محذرًا من تعطيل العقل والتقليد، مؤكدًا أن الله عاب على الكفار تقليدهم آبائهم دون علم أو إعمال للعقل.
أزمة الفقه الافتراضي
ويخالفه في الرأي، الدكتور عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الذي يؤكد على أن باب الاجتهاد لم يغلق، وأن هناك الكثير من الأحكام تم تجديدها مثل فقه المعاملات والبنوك.
لكن هندي، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، يؤكد أن الأزمة الحقيقية في الفقه الافتراضي المستقبلي، حيث لم تعد هناك كتابات عنه، بعكس السابقين، فالإمام أبو حنيفة مثلا تحدث عن القبلة في الهواء، وهو ما يعني في عصرنا بالصلاة في الطائرة.
ويوضح هندي أن غياب الفقه الافتراضي المستقبلي سببه أن العالم في القدم كان عالمًا بكل المجالات، بعكس الآن، لذلك تقوم المجامع الفقهية بهذا الدور، حيث تضم عدد من العلماء المتخصيين في عدة مجالات.
وطالب هندي بضرورة عودة كتابات الفقه المستقبلي، مثل التعامل مع العملات الرقمية، مؤكدًا أن هناك هناك أمور فقهية تحتاج إلى "هندسة في التعامل"، ولذلك تبرز أهمية آراء المجامع الإسلامية الفقهية الموحدة.
ليس هناك مجتهدين
ويرى الدكتور السيد سليمان، من علماء الأزهر الشريف، أنه لا يوجد في هذا الزمان مجتهدين، واتهم من يطلقون على أنفسهم علماء في هذا الزمان بأنهم لا يفتون ولا يجتهدون لوجه الله وإنما يجتهدون لصالح انتماءات سياسية بعينها.
واعتبر سليمان، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، دعوات إنشاء مذهب جديد " كلام مغلوط ولا يمكن أن يصدر عن أهل علم أو ثقة أو إيمان خالص بالله"، مؤكدًا أن "الإسلام بخير والأمور الفقهية منضبطة، وأن القرآن والسنة ما تركتا شبئا إلا وفصلته، والعلماء الذين يجتهدون أساس اجتهادهم الكتاب والسنة والقياس والإجماع".
وقال سليمان: "لا يوجد مجتهدون مطلقون بعد أئمة المذاهب الإسلامية، فقد جمعوا جميع العلوم التي تؤهلهم للاجتهاد: اللغوية والشرعية والفقهية"، وأكد سليمان "الاجتهاد لم يغلق ولكن ليس هناك مجتهدين".
وأيد سليمان هندي، في أن العمل الآن هو عمل المجامع الفقهية باجتهاد جماعي وليس فرديًا، حيث أستبدلت الأمة الاجتهاد المطلق باجتماع جماعي، ومن أمثلة ذلك مجموع البحوث الإسلامية ومجمع الفقه بجدة، خاتمًا حديثه: "من العالم الذي نقدر أن نؤمنه على مذهب فقهي في هذا الزمن؟".