«عقيدة الناتو».. كيف فشلت في حرب أوكرانيا؟

طور حلف شمال الأطلسي (ناتو) عقيدته العسكرية لتتناسب مع الحرب الباردة ولم تُختبر إلا في حرب أفغانستان لكن حرب أوكرانيا أثبتت فشلها.
استمرت حرب أوكرانيا لأكثر من 3 سنوات، ووسط محادثات وقف إطلاق النار، تخطط الدول الأوروبية الرئيسية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) لحماية أي هدنة مستقبلية من خلال إرسال قواتها كقوات حفظ سلام في "تحالف الراغبين".
وهدف هذا التحالف هو ردع الروس عن استئناف الحرب لكن الردع ينبع من القدرة القتالية فبدونها لا وجود للردع على الإطلاق لكن هذه القدرة موضع شك وذلك وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت" الذي أشار إلى أن عقيدة الحلف لم تُختبر في الحرب التقليدية، وتحتاج إلى استيعاب دروس حرب أوكرانيا لتقديم خيار عسكري للنخب الأوروبية، بشكل مستقل عن الولايات المتحدة.
وحتى الآن، لا يُدرك العديد من الخبراء العسكريين في الغرب تطور أساليب الحرب ويعتقدون أن عقيدة "الأسلحة المشتركة" للناتو ستُحطم الجيش الروسي وللأسف، لكن مع تطور التكنولوجيا الناشئة لا يبدو أن قيادة الناتو قد اعتمدت في عقيدتها أو معداتها أو تدريبها المهني على البيئة الجديدة.
وتطورت عقيدة الناتو من "المعركة البرية الجوية" الأمريكية التي جرى تطويرها لمواجهة الدبابات السوفياتية في ثمانينيات القرن الماضي حين كان أقصى مدى للمدفعية 15 كيلومترًا وحين كانت أصول الاستطلاع في الغالب طائرات استطلاع أو طائرات مُأهولة، ولم يتمكن أي منهما من إجراء مراقبة مُستمرة لمؤخرة العدو لفترة طويلة.
لكن حرب أوكرانيا قلبت هذه البيئة رأسًا على عقب فمكّن انتشار المُسيّرات كلا الجانبين من إجراء مراقبة مُستمرة بعمق يتراوح بين 30 و100 كيلومتر ويمكن للمسيرات قصيرة المدى أن تصل إلى مدى 30 كيلومترًا خلف خط المواجهة، ويمكن للمسيرات ثابتة الجناح مثل "لانسيت" أن تصل إلى مدى 70 كيلومترًا.
ويعني هذا المدى الموسع للأسلحة أنه من الأسهل إطلاق نيران كثيفة من 3 إلى 5 كتائب وهو ما يختلف عن ثمانينيات القرن الماضي عندما لم يكن من الممكن الاشتباك إلا مع كتيبة واحدة.
كما اختفت المناطق "الآمنة" الآن من مؤخرة الجيش فالوصول إلى الجبهة هو رحلة تتراوح بين 50 و70 كيلومترًا تحت مراقبة العدو المستمرة وضرباته ومن المرجح أن يتم تدمير أي تشكيل كبير يتحرك عبر هذه المنطقة قبل وصوله إلى الجبهة.
ويفترض معظم المحللين بشكل خاطئ أن أوكرانيا فشلت في اتباع عقيدة الناتو التي جربتها كييف لكنها تخلت عنها بعد فشلها في ساحة المعركة فمثلا افتقرت عقيدة الناتو إلى مفهوم واقعي للتعامل مع حقول ألغام العدو وتحصيناته حيث قال المدربون الألمان للجنود الأوكرانيين "فقط تجولوا في حقول الألغام" وهي النصيحة التي ثبت أنها انتحارية في مواجهة خبراء المتفجرات الروس.
وبشكل عام، تكمن عيوب عقيدة الناتو في أنها تفترض تفوقًا هائلاً في المعدات والذخائر والقوة الجوية، التي توفرها قاعدة صناعية هائلة وبدون هذه المزايا، تفشل العقيدة في تحقيق النتائج المرجوة.
وهناك أيضًا نقص في الاحترافية بين ضباط الحلف نابع من أكثر من 20 عامًا من "الحرب على الإرهاب" التي أضعفت التعليم المهني في مجالات الحرب التقليدية فأثر فقدان المعرفة المؤسسية بشكل عميق على الجيوش الغربية.
ويصف مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بعنوان "التاريخ السري للحرب في أوكرانيا"، عواقب عقلية الناتو فبالعودة إلى تجربتهم في الحرب على الإرهاب، ركز المستشارون الأمريكيون على النيران بعيدة المدى، لكنهم أهملوا تمامًا سلاح الفرسان (الكشافة الآلية الثقيلة).
وتسبق أحزمة الدفاع الروسية "مناطق أمنية"، وهي منطقة بعمق حوالي 10 كيلومترات، تسيطر عليها كشافات آلية ثقيلة متفرقة، مهمتها إبعاد كشافات العدو عن حزام الدفاع الرئيسي وتعطيل دفاعات المهاجمين الرئيسية.
وتستخدم روسيا المسيرات في جميع المستويات، من تقديم تحديثات فورية للقوات المهاجمة إلى إلقاء القنابل اليدوية على النقاط الحصينة أمامهم وللحفاظ على أرواح الجنود كما تستخدم القنابل اليدوية والمتفجرات الكبيرة لتطهير المخابئ والزوايا بدلًا من إرسال الجنود لكن هذه التكتيكات تغيب عن قوات الناتو.
وفي حربهما، تلجأ كل من روسيا وأوكرانيا إلى التحليق على ارتفاع منخفض، واستخدام ذخائر بعيدة المدى، تُطلق من نقطة أمان توفرها أنظمة دفاع جوي صديقة حيث تُعدّ القنابل الانزلاقية السلاح المُفضّل لدى الجانبين إذ تُقلّل من زمن التعرض وتُقلّل خسائر الطائرات إلى أرقام أحادية.
وللأسف من المستبعد أن يتبنى الناتو هذه الممارسة فلا يزال خبراء الحلف يتحدثون عن تحقيق التفوق الجوي واختراق المجال الجوي خلف خطوط المواجهة، والتحليق في قلب الدفاعات الجوية الروسية.
ولولا القوة الجوية الأمريكية الهائلة، لكانت طائرات الأوروبيين قد نفدت بسرعة وتتفاقم المشكلة بسبب انخفاض معدلات الجاهزية، فعلى سبيل المثال، 30% فقط من الطائرات الألمانية قادرة على الطيران فعليًا.
وتُشكّل المعدات نقطة خلاف أخرى بعدما تبرعت أوروبا بالكثير لدرجة أنها على وشك الانهيار كما ركّز مُصنّعو الأسلحة الغربيون على الأداء بدلًا من الكم، مما أدى إلى قلة الحلول المُتخصصة التي تتآكل بسرعة في القتال الطويل حيث تستهلك الحرب في أوكرانيا المعدات بوتيرة لا يستطيع الغرب تعويضها.
وهناك سؤال آخر حول كيفية تجديد القوى العاملة؟ حيث يستخدم الروس الوطنية والحوافز المالية وتلجأ أوكرانياإلى التجنيد فماذا سيفعل الأوروبيون؟
وحاليا، تمتلك الدول الأوروبية الرئيسية جيوشًا من المتطوعين، وتكافح لملء صفوفها ويُعارض الرأي العام الأوروبي إرسال قوات إلى أوكرانيا، لذا من غير المُرجَّح زيادة عدد المتطوعين مما يثير فرضية التجنيد الإجباري غير الشعبية.
إضافة إلى ما سبق فإن معدلات التدريب والجاهزية للجيوش الأوروبية مزرية للغاية وبدلاً من تخصيص الوقت لتعلم الدروس من أوكرانيا وتحسين قدرتها القتالية، يبدو أن الناتو يفترض أن الروس لا يعرفون كيف يقاتلون.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز