تقلبات أسواق الكاكاو تهدد سوق الشوكولاتة الأوروبية

تستحوذ أوروبا وحدها على نحو نصف واردات الكاكاو العالمية، لتُغذي هذه الإمدادات سوق الشوكولاتة التي تقدر قيمتها بـ50 مليار دولار.
تُعد سويسرا وألمانيا من أكبر الدول استهلاكًا للشوكولاتة، حيث يتناول الفرد فيهما أكثر من 9.1 كغم سنويًا، معظمها مستورد من غرب إفريقيا، غير أن هذه المنطقة تعاني من تأثير الظروف المناخية القاسية والآفات الزراعية، ما أدى إلى انخفاض المحاصيل، بحسب تقرير لبلومبرغ.
في موسم 2023-2024، سجلت السوق عجزًا في الإمدادات بلغ 478 ألف طن، وهو الأكبر منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفقًا لتقديرات المنظمة الدولية للكاكاو. نتيجة لذلك، قفزت أسعار الكاكاو ثلاثة أضعاف خلال العام الماضي، لتقترب من 13 ألف دولار للطن، ما فرض ضغوطًا شديدة على منتجي الشوكولاتة.
- مناطق غرب ووسط أفريقيا مهددة بفقدان 50% من إنتاج الكاكاو بحلول 2050
- أسعار الكاكاو في قبضة المهربين.. ماذا يفعل عشاق الشوكولاتة؟
لمواجهة الأزمة، عمدت بعض الشركات الكبرى إلى رفع الأسعار أو تقليل استخدام الكاكاو في منتجاتها. على سبيل المثال، قامت "نستله" بإضافة المزيد من البسكويت والويفر إلى بعض أصناف الشوكولاتة لتقليل استهلاك الكاكاو. وتؤكد مورييل كورتر، المديرة العامة لرابطة صناعات الشوكولاتة والبسكويت والحلويات في أوروبا، أن الشركات الصغيرة تجد صعوبة في استيعاب هذه التكاليف المتزايدة.
إفلاس متاجر الشوكولاتة العريقة
لم تتمكن بعض الشركات من الصمود أمام هذه الأزمة. ففي نوفمبر/تشرين الأول الماضي، أُغلقت شركة "ليزيفر" الألمانية، التي اشتهرت بإنتاج البرالين الفاخر لأكثر من قرن، بعد إعلان إفلاسها عام 2022 بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام والطاقة. كما أغلقت "سالزبورغ شوكولاتة" النمساوية مصنعها، الذي كان ينتج 57 مليون قطعة شوكولاتة سنويًا، متأثرةً بالارتفاع الحاد في الأسعار.
أما متجر "آ لا مير دو فاميي"، فقد اضطر إلى رفع أسعاره بنسبة 8%، في خطوة مشابهة لما قامت به العديد من الشركات الأخرى للحفاظ على هامش الربح. كذلك، أعلنت شركة "فرانز هاوسويرث" النمساوية إفلاسها في نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، بعدما تسببت الأسعار المرتفعة في تراجع الطلب على منتجاتها الشهيرة، مثل "أرنب عيد الفصح" المصنوع من الشوكولاتة.
هل تصبح الشوكولاتة رفاهية؟
يخشى أصحاب المتاجر الصغيرة من أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى دفع المستهلكين للانتقال إلى العلامات التجارية الكبرى، التي تتمتع بإنتاج واسع النطاق وأسعار تنافسية. خلال مؤتمر "مجموعة محللي المستهلك" في نيويورك، أكدت شركتا "هيرشي" و"مونديليز إنترناشيونال" أن المستهلكين سيواجهون "الوضع الطبيعي الجديد"، حيث أصبحت الشوكولاتة أغلى بنسبة تتراوح بين 40% و50% مقارنةً بالماضي.
يقول ستيف واتريدج، رئيس الأبحاث في "تروبيكال ريسيرش سيرفيسز"، إن السوق باتت تنافسية بشكل غير مسبوق، مع تحول المستهلكين نحو الخيارات الأرخص، مضيفًا: "نشهد إغلاق شركات لم تعد قادرة على تحمل التكاليف. الوضع في الصناعة هش للغاية".
تشير بيانات طحن الكاكاو إلى أن الإنتاج الأوروبي سجل أدنى مستوياته منذ عام 2020، ما يعكس تراجعًا في الاستهلاك العالمي استجابةً للارتفاع القياسي في الأسعار.
هل هناك بدائل للكاكاو؟
تحاول الشركات الكبرى تقليل اعتمادها على الكاكاو عبر إيجاد بدائل، مثل استخدام زبدة الشيا بدلاً من زبدة الكاكاو، أو إضافة زيت عباد الشمس وزيت النخيل لتقليل التكاليف. لكن الشركات الصغيرة ترفض هذه التعديلات، متمسكة بوصفاتها التقليدية.
نتيجة لأزمة الإمدادات في ساحل العاج وغانا، بدأ بعض المنتجين في البحث عن مصادر بديلة للكاكاو، متجهين إلى أمريكا اللاتينية. في بلجيكا، حيث تعد الشوكولاتة جزءًا من التراث الثقافي، يعتمد متجر "شوكولاتييه دومون" في مدينة بروج على الكاكاو المستورد من المكسيك وكولومبيا، بدلاً من غرب إفريقيا. يقول مالك المتجر، ييله ديكامبس: "المحاصيل الأفريقية تأثرت بتغير المناخ، لذلك بدأنا في التحول إلى أمريكا اللاتينية".
مستقبل سوق الشوكولاتة
يتوقع محللو "جيه بي مورغان تشيس" أن يكون العجز في الإمدادات لهذا الموسم أقل مما كان متوقعًا، حيث خفضوا تقديراتهم من 108 آلاف طن إلى 40 ألف طن، وذلك نتيجة لتراجع الطلب بسبب الأسعار المرتفعة. مع ذلك، فإن استقرار الأسعار سيعتمد على مدى تحسن المحاصيل في غرب أفريقيا خلال السنوات المقبلة.
بالنسبة للشركات الصغيرة، لا يزال المستقبل ضبابيًا. في باريس، تشعر عائلة دولفي بالقلق من أن استمرار ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى اختفاء المتاجر العائلية التقليدية. يقول الأخوان دولفي في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "المؤسف في هذه الأزمة هو فقدان الوصفات والمهارات التقليدية التي تُنقل شفهيًا من جيل إلى آخر".
aXA6IDMuMTMxLjkwLjE5MyA= جزيرة ام اند امز