القاعدة لم تتغير، لكل ظاهرة أو تغيير إيجابي ضريبة لا بد من دفعها، رفضنا أم قبلنا هذه الحقيقة المرة، وكذلك التقدم التكنولوجي الهائل الذي نعيشه وألقى بنتائجه الإيجابية التي لا حصر لها على حياتنا وأعمالنا ومجتمعاتنا، فإن الضريبة التي يدفعها المستخدمون تتزايد
القاعدة لم تتغير، لكل ظاهرة أو تغيير إيجابي ضريبة لا بد من دفعها، رفضنا أم قبلنا هذه الحقيقة المرة، وكذلك التقدم التكنولوجي الهائل الذي نعيشه وألقى بنتائجه الإيجابية التي لا حصر لها على حياتنا وأعمالنا ومجتمعاتنا، فإن الضريبة التي يدفعها المستخدمون تتزايد إلى الدرجة التي أصبحت المحظورات مقبولة وما كان مرفوضاً اعتاد الناس عليه، قد لا يشعر الناس بهذا التحول تدريجياً لكنهم في النهاية يرضون به كمقابل لاستخدامهم للتكنولوجيا.
الحديث عن محاولات الحفاظ على شيء من الخصوصية أصبح ضرباً من المستحيل، فهذه انتهكت بالضربة القاضية، ربما الحديث يتزايد حول مدى الحدود القصوى لها، إن كان هناك حدود قصوى بقيت، كما هو الاختراع الذي طوره مجموعة من علماء هارفارد، وهو عبارة عن روبوت بحجم البعوضة يستطيع سرقة عينات من حمضك النووي دون أن تشعر به، ولم تجد أستاذة علوم الكومبيوتر مارغو سليتزر إلا القول بأن الخصوصية التي عرفناها في الماضي، أصبحت أمراً مستحيلاً الآن، مضيفة: التقنيات الموجودة بالفعل الآن، مثل بطاقات الائتمان وشبكة الإنترنت والرادارات على الطرق السريعة وكاميرات مراقبة الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، كل ذلك يترك أثراً رقمياً هائلاً يمكن تتبعنا من خلاله.
حتى الآن لا حلول واقعية يمكن أن تطرح تفاؤلاً يوقف الانتهاك الصارخ لخصوصية البشر، وما دمنا قبلنا بالاتصال بالإنترنت واستخدمنا هاتفاً ذكياً، فعلينا أن نقر بأن خصوصيتنا انتهكت .
في عام 2013 تعرّض أكثر من خمسة مليارات سجل بيانات للفقدان أو السرقة وفقاً لمؤشر مستوى الاختراقات، وعلى هذا الأساس يمكن القياس من هو الذي لم يتعرض لانتهاك خصوصيته في عالم اليوم، ربما وحدهم أولئك البعيدون عن دخول مملكة الإنترنت، وهؤلاء أيضاً لم يعرضوا عنه خوفاً أو تحسباً، بقدر عدم استطاعتهم ذلك حتى هذه اللحظة، لكنهم بالتأكيد في الطريق إليه، فنصف سكان العالم تقريباً اليوم على اتصال مستمر بشبكة الإنترنت، والنصف الباقي في الطريق إليه، ووفقاً للمحلل الإحصائي «غارتنر»، فإن العالم سيصل إلى 25 مليار جهاز ذكي بحلول عام 2020.
عندها لن يكون أي شخص في مأمن من الاختراق بغض النظر عن استخدامه جهازاً ذكياً أم لا، السعودية مثلاً عدد سكانها 30 مليون نسمة وهناك 24 مليون مستخدم للإنترنت، و48 مليون اشتراك في خدمات الاتصالات المتنقلة، لذلك فإن الاختراقات التي تتم في كل ثانية ومعرفة المعلومات والبيانات التفصيلية هي أمر بديهي لكل مرتبط بشبكة الإنترنت ومن المستحيل إيقافها أو حجبها؛ خذ عندك ما نشره جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس» عام 2013، من أرشيف ضخم لمراسلات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق منذ عام 1973 وحتى 1976، واحتوت على تقارير المخابرات ومراسلات الكونغرس وملفات ذات سرية تامة، نعم مصنفة «ذات سرية تامة»، مراسلات كيسنجر التي بلغ عددها مليوناً و700 ألف ملف تمثل خمسة أضعاف مجموع ما تم نشره في «ويكيليكس» مسبقاً، أما إدوارد سنودن، الموظف السابق لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمقيم حالياً في روسيا، فقد كشف معلومات تفيد بأن وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة ومقر الاتصالات العامة في بريطانيا طوّرا معاً تكنولوجيات تسمح بالوصول إلى الكثير من حركة الإنترنت العالمية، وسجلات المكالمات، ودفاتر العناوين الإلكترونية للأفراد، وأحجام هائلة من محتوى الاتصالات الرقمية الأخرى.
سوء استخدام البيانات الشخصية يعتبر تحدياً متنامياً في جميع أنحاء العالم، كانت المطالب توجه للحكومات بأنه يقع على عاتقها واجب رعاية وحماية مستقبل خصوصية السكان وازدهارهم الاجتماعي، إلا أن ما يحدث أمام أعيننا ينبئ بأنه لا أحد يقدر على ذلك، فالحكومات ذاتها لم تتمكن من تحصين معلوماتها وبياناتها رغم أهميتها القصوى فهل يستطيع الفرد العادي؟!
حتى الآن لا حلول واقعية يمكن أن تطرح تفاؤلاً يوقف الانتهاك الصارخ لخصوصية البشر، وما دمنا قبلنا بالاتصال بالإنترنت واستخدمنا هاتفاً ذكياً، فعلينا أن نقر بأن خصوصيتنا انتهكت إلى دون رجعة، حتى لو غطينا رؤوسنا في الرمال وتوهمنا أننا في مأمن من ذلك.
* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة