مذنب توفيق وعاصفة شمسية عظيمة.. ذكريات مايو الفلكية
بينما حفل شهر مايو الجاري بالعديد من الأحداث المهمة في مجال الفلك، فقد كان هذا الشهر أيضاً منذ الماضي على موعد مع الأحداث المفاجئة.
وانشغل المهتمون بالفلك في شهر مايو الجاري بقصة الصاروخ الصيني التائه، ونجاح الصين في إنزال مركبة فضائية على سطح المريخ، بينما كانت اهتمامات أسلافهم قبل 139 عاماً مختلفة، حيث شغلهم اكتشاف "مذنب توفيق"، الذي تمّ تسميته بهذا الاسم نسبة إلى خديوي مصر والسودان توفيق باشا، حاكم مصر والسودان، والذي كان كريماً في توفير الإمكانيات للبعثة العلمية التي اكتشفته.
وتعود قصة هذا المذنب إلى اجتماع فريق من علماء الفلك صبيحة يوم 17 مايو عام 1882 في صحراء سوهاج بجنوب مصر لرصد كسوف كلي للشمس، ولكن بمجرد أن بدأت مرحلة الكسوف الكلي فوجئوا برؤية خط مشرق بالقرب من الشمس وقد تم التقاط عدة صور له، وبعد مرور ساعة، أدركوا بأن ما رأوه كان مذنباً وقد عرف بعد ذلك بتسميته مذنب توفيق (X / 1882 K1) ويعرف أيضاً بمذنب كسوف الشمس.
والمذنب الصغير المكتشف هو جزء من عائلة مذنبات تسمى " كريوتز " أو (راعية الشمس) وهي شظايا من مذنب ضخم تفكك منذ عدة قرون، ويتم رصدها وهي تسقط نحو الشمس عشرات المرات في السنة.
ولأنه لم تكن في تلك الأيام أجهزة متطورة لرؤية الأجسام القريبة من الشمس، لم يكن أحد يتوقع رؤية مذنب، لذلك كانت تلك مفاجأة تماماً، ولو لم يكن هناك كسوف كلي للشمس لكان المذنب سيمر دون أن يرصده أحد، وقد كانت رؤيته خلال الكسوف، هي الفرصة الوحيدة لذلك.
وكشفت صور الكسوف أن المذنب قد تحرك بشكل ملحوظ خلال مدة الكسوف الكلي دقيقة و50 ثانية، حيث كان المذنب يندفع نحو الشمس بسرعة 500 كيلومتر بالثانية تقريبا.
ومن عام 1882 إلى حدث آخر وقع قبل مائة عام، وتحديداً في 15 مايو عام 1921، عندما استيقظ الناس في جميع أنحاء العالم على حدوث اضطراب كهربائي هو الأسوأ من أي وقت مضى، بسبب أكبر عاصفة شمسية حدثت في القرن العشرين.
وبدأت القصة في 12 مايو 1921 عندما بدأت بقعة شمسية عملاقة (AR1842) بالتوهج أثناء عبورها سطح الشمس خلال مرحلة الحد الأدنى من الدورة الشمسية رقم (15)، وقد أدى حدوث انفجار تلو الآخر إلى قذف انبعاثات كتلية إكليلية مباشرة نحو الأرض، وخلال الأيام الثلاثة التالية ضربت المجال المغناطيسي للأرض، وقد فوجئ العلماء في جميع أنحاء العالم عندما أصبحت أجهزة قياس المغناطيسية فجأة بلا فائدة، ثم بدأت الحرائق.
وعند حوالي الساعة 2:00 بتوقيت جرينتش يوم 15 مايو، اشتعلت النيران في مكتب للتلغراف في السويد، وبعد حوالي ساعة حدث الشيء نفسه عبر المحيط الأطلسي في قرية بروستر بنيويورك، واجتاح اللهب لوحة التبديل في محطة بروستر للسكك الحديدية وسط نيو إنجلاند وانتشر بسرعة لتدمير المبنى بأكمله.
وهذا الحريق، إلى جانب حريق آخر في نفس الوقت تقريباً في برج مراقبة للسكك الحديدية بالقرب من محطة جراند سنترال بمدينة نيويورك، هو السبب الذي أدى لتسمية هذا الحدث أحيانًا باسم "عاصفة السكك الحديدية في نيويورك".
وخلال ذروة العاصفة في 15 مايو شعرت المدن الجنوبية مثل لوس أنجلوس وأتلانتا وكأنها مدناً قطبية حيث ظهرت أضواء الشفق القطبي في حين انهارت خطوط التلغراف، وقد شوهدت أضواء الشفق القطبي أيضاً في جنوب تكساس، وشوهد في المحيط الهادئ في ساموا وتونغا وأيضا رصدتها السفن وهي تعبر خط الاستواء.