تسعى قطر، وباستراتيجية غريبة، ولكنها ليست مستغربة على نظامها البائس اليائس، إلى كسب ود الدول الغربية وأمريكا
تسعى قطر، وباستراتيجية غريبة، ولكنها ليست مستغربة على نظامها البائس اليائس، إلى كسب ود الدول الغربية بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، وفي ضوء هذا يجب قراءة اجتماعات اللجنة القطرية الأمريكية المشتركة، التي تبذل الدوحة جهوداً مستميتة من أجل تصويرها، وكأنها اختراق كبير في أزمتها الناتجة عن دعمها للتطرف والإرهاب.
فوزير الدولة القطري لشؤون الدفاع خالد العطية صرح بأن في إمكان الرئيس الأمريكي إنهاء الأزمة عبر اتصال هاتفي، ولا غرابة في هذا المنطق من دولة باعت سيادتها رخيصة لأنقرة وطهران و«الإخوان المسلمين»، فكيف يكون حالها، إذاً مع الولايات المتحدة؟.. تصريح العطية جاء ضمن حوار مع مؤسسة «هيرينج» في واشنطن، وقال فيه حرفياً، إن الرئيس ترامب هو الشخص الوحيد، الذي يستطيع حل الأزمة الحالية بمكالمة هاتفية، ما يبدو معه أن أزمة قطر أثرت كثيراً في عقلها السياسي.
ومضى العطية في عرض حال الاستسلام الكامل للإرادة الأمريكية التي في رأسها، ولا يشترط، بالضرورة، أن تكون بالشكل نفسه في الواقع، قائلاً، «واجهت قطر محاولة انقلابية في العام 1996 من قبل جيراننا، وجاءت الولايات المتحدة لمساعدتنا.. لم ننسَ موقف الولايات المتحدة في 1996، وفتحنا قلوبنا وأذرعنا؛ لأننا لم ننسَ ما فعلتموه. انتهى هنا كلام العطية الذي يؤكد أن سياسة قطر التي تستمد استمرارها من ذاكرة النسيان مبنية على جملة أوهام، عنوانها نظرية المؤامرة البالية، بدءاً من وهم تورط الجيران في محاولة «انقلاب 1996»، وهي محاولة داخلية تنبأ أبطالها مبكراً بمصير قطر على يد نظام الحمدين.
المطلوب من قطر التعامل مع عزلتها التي تسببت هي فيها بأسلوب طبيعي، بعيداً عن أي افتعال أو انفعال، فمجريات مثل الاجتماعات الأمريكية القطرية في واشنطن، مع ما رافقها من توقيع اتفاقيات، لا تعد اختراقاً لأزمة قطر، مهما حاول القطريون تصوير ذلك كذلك
اللافت، بعد ذلك، في الموضوع أن الوزير القطري في واشنطن يصف قطر حاضنة التطرف والإرهاب في المنطقة لأكثر من عقدين، بأنها تتصدر سجل مكافحة التطرف والإرهاب، فليس إلا منطق «الإمبراطور العاري» الذي يعلم كل المحيطين به بعريه، لكنه يتصرف وكأنه الأكثر حشمة والأقوى والأذكى، إلى آخر صيغ أفعل التفضيل.
وفي حديث مع أحد المسؤولين الخليجيين المتابعين، أسرّ لي ب «أننا لا مانع لدينا لأن نلعب الدور الضاغط على قطر في ملف التطرف والإرهاب، وأن نمضي في ذلك، لنجني تنازلات كبيرة يقدمها القطريون للأوروبيين والأمريكيين، من ضمنها تقييد تمويل التطرف والإرهاب، وإعادة محاكمة العديد من رموزهما ممن يعيش في الدوحة، وسيستمر ضغطنا في هذا الملف المهم، لنرى تنازلات قطرية في ملفات أخرى، على رأسها ملف دعم تنظيم «الإخوان المسلمين»، وملف علاقات قطر المريبة مع إيران، وملف تواصل الدوحة مع الحوثي في اليمن».
اللافت، إلى ذلك، أن الخطاب المزدوج كان حاضراً في واشنطن، حيث عرض العطية توسيع قاعدة العديد، والتزام قطر وجودها في المستقبل المنظور.. هكذا، ومرة جديدة، يتضح أن شعار السيادة الذي ترفعه الدوحة شعار انتقائي، ومخترق، ومليء بالثقوب كما لو كان قطعة من الجبن السويسري، ويبقى أن حل أزمة قطر إنما مع محيطها فقط، ولن ينفعها ركضها ولهاثها، ولن ينفعها سوى المعالجة الجذرية الشاملة لملف أوصلها إلى ما هي عليه، من الحال المزري الذي لا تحسد عليه.
إن ارتماء الدوحة في أحضان الآخر، قرب أو بعد، يأتي كرد فعل وقائي استباقي لسيناريوهات افتراضية لا توجد إلا في رأس الدوحة ونظامها المذعور بسبب من الوهم. التلويح بالقوة هنا أحد تمثلات حيلة العاجز، خصوصاً حين يوجه إلى دولة أعلنت، مرات عدة، جهاراً نهاراً، أن المواجهة العسكرية مع نظام قطر المارق ليست واردة، وأن الحل إنما بقبول المبادئ الستة، وتنفيذ المطالب الثلاثة عشر.
يهلوس وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع: امتلاكنا القوة أحد عوامل الاستقرار، خاصة في حال أرادت إحدى الدول أذيتنا، متجاهلاً أو غير مدرك أن قطر هي التي آذت نفسها بنفسها، وهي ماضية في إيذاء النفس، وإزعاج الأشقاء والجيران، عبر ممارسات هي خارج الأعراف والتقاليد السياسية، وخارج القوانين الدولية، ممارسات مرفوضة مؤداها دعم تنظيمات الإرهاب والتكفير والظلام، وإثارة خطاب الفتنة والبغضاء، وإيواء المعارضات الخليجية والمصرية، واحتضان «الإخوان المسلمين»، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحل هذه المشكلات الكبرى إنما يكون بمواجهتها، لا تضييع الجهد والوقت والأمل بالهرولة هنا وهناك.
في مقابل إشارات الدوحة، لا يوجد لإشارات المسؤولين الأمريكيين في اجتماعات اللجنة القطرية الأمريكية المشتركة إلى التعاون القطري في ملف التطرف والإرهاب إلا تفسير واحد. التعاون من الجانب القطري دليل دامغ على أن الضغط الذي مارسته الدول الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب، من خلال إجراءاتها المتخذة حتى الآن، أدى إلى مراجعة قطر سلوكها، وإلى محاولتها تحسين صورتها في الغرب، أما ما دار من حديث مجلس التعاون وضرورة تماسكه، فما يسأل في المسألة هو النظام القطري الذي أساء إلى نفسه ومنظومته، بالمخالفة لقانون إنشاء المجلس، واتباع سياسات شاذة ومعادية، وأما ما دار من حديث «التهدئة الكلامية»، فإن قطر تشن على جيرانها، خصوصاً دولة الإمارات، حرباً إعلامية أقل ما يقال فيها أنها غير أخلاقية.
المطلوب فقط من الدولة الصغيرة معرفة حجمها ودورها بالضبط، بعيداً عن الانتهازية البغيضة التي طبعت سياستها منذ منتصف التسعينيات، وبعيداً عن الأدوار التي لعبتها، طوال أكثر من عقدين، ثم اكتشف العالم أنها أكبر من حجمها بكثير، والمطلوب من قطر التعامل مع عزلتها التي تسببت هي فيها بأسلوب طبيعي، بعيداً عن أي افتعال أو انفعال، فمجريات مثل الاجتماعات الأمريكية القطرية في واشنطن، مع ما رافقها من توقيع اتفاقيات، لا تعد اختراقاً لأزمة قطر، مهما حاول القطريون تصوير ذلك كذلك.
أزمة قطر باقية، والقلم الذي استعمل أمس في توقيع الاتفاقيات في واشنطن، لا يستطيع نظام تميم أن يشطب به قطر من جغرافيتها وتاريخها الحقيقيين.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة