60 عاما من تغير المناخ.. أشجار الموز في جزر القمر تروي «القصة الحزينة»
حتى أواخر الستينيات من القرن الماضي، كانت الأرض المحيطة بقرية "حدّا" في جزر القمر خصبة جداً وسماؤها ممطرة إلى درجة أنّ الحصاد كان دائمًا وافرًا، ولم يكن أحد يحلم ببيع الموز الذي ينفجر بغزارة من الأشجار.
ويقول المزارع محمود حميدون، من جزر القمر البالغ من العمر 63 عامًا: "كنا نعطي الموز في ذلك الوقت للأصدقاء والجيران".
لكن ما حدث من 60 عاما، أضحى قصة جلية لتغير المناخ، تحكيها أشجار الموز في ذلك الأرخبيل البركاني المكون من أربع جزر تقع في المحيط الهندي على مقربة من الساحل الشرقي لأفريقيا.
وجزر القمر هي الدولة الأشد فقرا والأقل اكتظاظاً بالسكان في المنطقة العربية، ويقل عدد سكانها عن المليون نسمة حسب إحصاءات عام 2021، يسكنون على مساحة 1.862 كيلومتر مربع (ثالث أصغر دولة أفريقية من حيث المساحة) ويعيش 71 في المئة منهم في مناطق ريفية، ويعمل أغلبهم بالزراعة التي تعتمد على الأمطار.
ويقدر الناتج المحلي الإجمالي لجزر القمر بنحو 2.7 مليار دولار في عام 2020، وهو الأدنى بين الدول العربية.
الذهاب إلى باريس
المزارع "حميدون" كغيره من المزارعين في جزر القمر يجتر الذكريات وهو يحاول البحث عن مكان للحماية من المطر على قمم الطرف الجنوبي من جزيرة أنجوان إحدى الجزر الرئيسة الأربعة في بلاده.
يتذكر "حميدون" الوقت الذي كان فيه الطقس يتسم بشدة البرودة الذي يجبر الناس على البقاء في منازلهم، وكان الاتجاه إلى أعلى الجبل للزراعة يعرف باسم "الذهاب إلى باريس".
وحسب روايات عديدة أوردتها تقارير للأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالتنمية والمناخ عن السكان المحليين خاصة في المناطق الريفية بدأت العادات الاجتماعية للأهالي في جزر القمر تتغير منذ أواخر الستينيات، فما السبب؟
إلى جانب تغير المناخ المحلي على قمة الجبل، وفي غضون السنوات العشر الماضية، كان الناس يلاحظون بشكل واضح ارتفاع درجات الحرارة وازدياد الضباب، فيما يجري بشكل منتظم قطع الأشجار من قبل السكان لاستخدامها في الأخشاب والحطب.
جفت المنطقة مع زيادة الجفاف وبدأت الأمور تسير في اتجاه منحدر، حيث قلت نسبة الأمطار، وكانت تجرف المناطق المزروعة على نحو متزايد من التلال المنحدرة والتلال الخصبة والتربة السطحية الخصبة في الأنهار والمحيط الهندي المتلألئ أدناه.
إنه تغير المناخ.. يلاحظه الريفيون دون أجهزة أو قياسات أو تعقيدات تكنولوجية قد تكون مطلوبة بشدة لوقف التدهور، لكن الطقس الذي لا يمكن التنبؤ به على نحو متزايد واستمرار تآكل الأراضي الزراعية يعني أن قلة قليلة من المزارعين يمكنهم الآن كسب عيشهم المعتمد على زراعة الموز.
الجيل الأحدث في أرخبيل جزر القمر وبينهم "عبده حميد" (31 عاما) ابن المزارع حميدون، شهد بعينيه تغير المناخ وكان من المتأثرين بانخفاض غلة المحاصيل بمقدار الثلث خلال السنوات العشر الماضية.
يقول حميد: "كانت أشجار الموز كثيفة للغاية لدرجة أن الموز كان يتساقط من الأشجار".
ويكمل "الآن، عليك أن تنفق الكثير من المال وتستخدم الأسمدة، وما زال الحصاد ضعيفا حيث تموت الأشجار".
أيضا "فخر الدين سوماليا"، المزارع الذي يبلغ من العمر 33 عامًا يحكي هو الآخر تغيرا تشهد عليه قصة موز جزر القمر خلال السنوات الأخيرة لكنه إيجابيا هذه المرة، حيث بدأت منظمات التنمية الدولية التدخل لمساعدة السكان بأنظمة التنبؤ تساعد الريفيين في التعرف على تغيرات أحوال الطقس.
ويقول سوماليا: "علمت أننا هنا لم نكن نعرف حقًا كيف نحمي أرضنا.. كنا نقتلها".
لكن من خلال مشروع يدعمه صندوق أقل البلدان نمواً التابع لمرفق البيئة العالمية، تعمل الأمم المتحدة للبيئة مع حكومة جزر القمر وشركائها لتنشيط 3500 هكتار من الغابات ومستجمعات المياه.
ويتابع سوماليا: "تعلمنا الكثير عن التآكل وكيفية تجنبه.. الآن نحن نعلم أننا نستطيع زرع الأشياء لوقف تحول التربة، ويمكننا إخبار الآخرين عن هذا وكيف أن الأشجار تحمي وتغذي التربة".
التكيف والبقاء على قيد الحياة
في جزيرة أنجوان، يساعد المشروع الناس في 5 مجتمعات محلية على فهم أهمية الغابات ولماذا يجب حماية بعض مناطق تجميع المياه على قمة الجبال واستعادتها لتجديد التربة وإمدادات المياه.
وتم تعليم المجتمعات تأثير زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على الطقس ورفع درجات الحرارة، وكذلك كيفية الحاجة إلى الغابات لجذب المطر، توفير الظل ووقف تبخّر المياه الجوفية، ووقف تحول التربة.
سوماليا وحميدو يلاحظان كيف أن إزالة الغابات تجعل الأرض أكثر جفافاً، لكنهم تعلموا أن الأشخاص الذين يقطعون الأشجار لبيعها ليس لديهم بديل.
يقول حميدون: "الفقر شديد للغاية لدرجة أننا في الوقت الذي رأينا تأثيره على المناخ، كنا نعلم أننا بحاجة إلى دعم حقيقي طويل الأمد لتغييره".
وقد اختفت بعض الأطعمة المجانية التي يعتمد عليها القرويون تمامًا، بما في ذلك القلقاس، وهو خضروات جذور كانت تنمو في الغابة. أصبحت إمدادات المواد الغذائية مثل البطاطا نادرة بسبب الآفات، التي دمرت أيضا الفلفل والباذنجان التي تزرع الآن مرة واحدة في السنة، بدلا من عدة مرات مثل المعتاد سابقا، في حين أنه لا يمكن زراعة الطماطم على الإطلاق ويمكن شراؤها فقط في المدن.
ويأمل حميدون أن تجلب الأشجار الجديدة الطيور التي اعتاد رؤيتها تعود إلى الجبل وأن تساعد على الاحتفاظ بالمياه الكافية لزراعة الطماطم، في حين أن آمال حميد تتمثل في أشجار عالية الارتفاع تجعل الأجيال القادمة تتطلع إلى الأمام بدلاً من العودة.
ويقول سيندو قاسم، المنسق الفني لوزارة البيئة إن التكيف مع تغير المناخ في بلاده التي تحتوي على العديد من الجبال الشاهقة والأمطار الغزيرة المتفرقة على نحو متزايد "ليست مهمة فحسب، بل إنها مسألة بقاء على قيد الحياة".