مصر تغلق الملف.. انتهاء أزمة 11 ألف نوبي مع خزان أسوان والسد العالي
مصر تشهد الإثنين انتهاء أزمة أهالي النوبة المستمرة منذ الثلاثينيات خلال احتفالية كبرى تحت عنوان "الوفاء بالوعد.. تسليم التعويضات"
قبل أكثر من 100 سنة ، غادر أهالي إقليم النوبة بصعيد مصر أراضيهم مع بدء بناء خزان أسوان، ودفعوا ضريبة إقامة مشروع قومي ضخم أنقذ مصر من "عفريت فيضان النيل".
كان السد العالي أهم مشروع قومي مصري في ذلك الوقت، إلّا أنه خلّف ضحايا، اليوم ردت الحكومة المصرية إليهم ما تبقى لهم من حقوق، في وقت تعيد فيه مصر بناء نفسها، وتخرج من عباءة الفقر إلى دول العالم المتقدم التي تنعم بأمن وأمان واستقرار داخلي على كل المستويات.
توجيه رئاسي و3 سنوات عمل
قبل 3 سنوات، وفي يناير/كانون الثاني عام 2017، صدر توجيه من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بالبحث عن حلول جذرية لمشكلة أهل النوبة، وعلى الفور اتخذت الحكومةُ عدداً من الإجراءات لتنفيذه، شملت صدور قرار رئيسِ مجلسِ الوزراء بتشكيل لجنة برئاسة وزارة العدل لحصرِ أسماء المتضررين الذين لم يسبق تعويضهم.
باشرت اللجنة عملَها في فحصِ وتدقيقِ عشرات الآلاف من الطلبات المقدمة إليها، وفتحت باب التظلمِ عدة مرات أمام من لم يُدرج اسمه، حتى انتهت من الحصر النهائي للمستحقين.
انتهت اللجنة من وضع القواعد والآليات لصرف التعويضات للمستحقين، وبلغ إجمالي المستحقين للتعويضات 11 ألف و716 مستحقا ممن لم يتم تعويضهم من قبل.
وجاءت التعويضات متنوعة ليختار أصحابها ما بين تعويضات سكنية أو زراعية أو مادية أو تقنين أراضٍ، واليوم كانت الترجمة الحرفية للتوجيه الرئاسي الصادر منذ 3 سنوات.
وشهد اليوم الإثنين، 20 يناير/كانون الثاني، وضع نقطة لهذه الأزمة، خلال احتفالية كبرى تحت عنوان (الوفاء بالوعد.. تسليم التعويضات لأهالي النوبة)، سلم خلالها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري، ومحافظ أسوان، عقود تمليك الأراضي والوحدات السكنية وشهادات حق الانتفاع بأراضي طرح النهر، لأهل النوبة.
وصدرت توجيهات بدفع تعويضات نقدية لعدد من المستحقين للتعويض ممّن تضرروا من بناء وتعلية خزان أسوان وإنشاء السد العالي ولم يتم تعويضهم، على أن يتم تسليم الدفعات اللاحقة تباعاً وفقاً لجدول زمني سيُعلن بمحافظة أسوان جنوبي مصر.
كيف تكونت الأزمة
عند بناء خزان أسوان سنة 1902، بلغ منسوب المياه أمامه 106 أمتار، وبسبب ارتفاع المياه اختفت تحتها أراضٍ زراعية كثيرة من موقع الخزان وحتى قرية "الدكة"، التي كان يزرعها النوبيون ويعتمدون عليها في حياتهم المعيشية.
لم يمض وقت طويل حتى تم تعلية الخزان الأولى سنة 1912 ليرتفع منسوب المياه إلى 113.9 متر، ليضيف ذلك مساحات أخرى إلى الأراضي المغمورة بمياه الخزان.
وفي عام 1933 تمت تعلية الخزان للمرة الثانية، ليرتفع منسوب المياه أمامه إلى ما يتجاوز 121 مترا، لتغمر مياه الخزان جميع الأراضي الزراعية بمنطقة النوبة، والواقعة تحت منسوب 122 مترا، والممتدة من الخزان حتى حدود مصر والسودان.
غرقت الأرض بالكامل في ستينيات القرن الماضي مع بناء السد العالي، وآنذاك وعدتهم الحكومة المصرية ببيت مقابل كل بيت، وأرضاً مقابل كل أرض، وبالفعل، تركوا أرضهم إلى منطقة صحراوية بين دراو وكوم أمبو، وبلغ عددهم آنذاك حوالي 55 ألف مصري نوبي، وفقًا لوثائق تاريخية أعدتها اللجنة التي شُكّلت آنذاك لحصر التعويضات.
تم تشكيل لجنة حكومية لتعويض أهالي النوبة في ستينيات القرن الماضي، برئاسة محمد صفوت وكيل الشؤون الاجتماعية للمساعدات العامة آنذاك، وعبدالهادي مصطفى وكيل الإدارة العامة لتهجير النوبة، وأحمد شفيق غنيمة من الإدارة العامة للتخطيط الاجتماعي، وحصرت كل التعويضات لأهالي النوبة، سواء في ثلاثينيات القرن الماضي خلال عصر الملكية، وما تلاه في عصر الجمهورية خلال ستينيات القرن الماضي.
حددت اللجنة آنذاك جغرافية تواجد النوبيين في قراهم ومساكنهم، وأكدت أن النوبة تقع بين الجندلين الأول والثاني، وعلى امتداد النيل جنوبي أسوان لمسافة 320 كم حتى حدود مصر مع السودان، وتضم المنطقة على امتدادها 38 قرية، وبندر واحد.
وتحول تعويض أهالي النوبة لملف يشتعل كل فترة، وتم تعويض جانب كبير منهم، ونشرت اللجنة المذكورة فيما بعد وثائق تضمنت كل التعويضات التي تلقاها أهالي النوبة تعويضاً لهم عن نزع أراضيهم وأملاكهم وقراهم القديمة بسبب "المصلحة العامة" المتمثلة في تعلية خزان أسوان خلال مرحلة الثلاثينيات، أو بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي.
تبقى من هؤلاء من تم تعويضهم اليوم، لتغلق مصر صفحة هذا الملف كما أغلقت ملف إهمال سيناء بكمّ غير مسبوق من المشروعات القومية التي نُفذت بها خلال السنوات الماضية ومستمرة حتى اليوم.