القمح والحرب.. سفير روسيا بالقاهرة في حوار شامل مع "العين الإخبارية"
أكد السفير الروسي في القاهرة جيورجى بوريسينكو، أن العملية العسكرية في أوكرانيا ستحقق أهدافها، لافتا إلى أن بلاده ليست في عجلة من أمرها.
وفي مقابلة مع "العين الإخبارية" أشار السفير الروسي للعلاقة بين سيطرة قوات بلاده على مدينة ماريوبول ومصر، موضحا أنه لم يبق في ماريوبول سوى مقاتلين من كتيبة آزوف يتحصنون بأحد المصانع وعندما يدركون عدم جدوى المقاومة سوف يستسلمون.
وحول القلق المتنامي من توسع الصراع ما ينذر بحرب عالمية ثالثة، أوضح السفير الروسي أن بلاده لا تسعى من جهتها للإقدام على خطوة كهذه لكن شدد أيضا على أنه إذا انضمت السويد أو فنلندا إلى الناتو فسيتعين على روسيا اتخاذ تدابير لضمان أمنها في الشمال الغربي.
وبشأن مستقبل المفاوضات ووضعها الحالي قال إنه "لسوء الحظ فإن ديناميات المفاوضات في الوقت الحالي ليست مرضية وكييف تغير موقفها بإملاءات غربية".
وفي بشارة للمصريين أكد السفير الروسي أن بلاده مستمرة في توريد القمح "بما في ذلك إلى أصدقائنا في مصر وبالكميات التي تلبي احتياجاتهم، والوزارات المعنية تبحث عمليات التسليم لعام 2022 وطرق الدفع الملائمة للطرفين".
وقدر عاليا ما قال إنه رفض الأصدقاء العرب السياسة الغربية مزدوجة المعايير والتي عانوا منها أكثر من مرة في تاريخهم الطويل والمعقد، لافتا إلى أن رفض الدول الغربية للتعاون معنا يفتح نافذة من الفرص في السوق الروسية للمصنعين من مناطق أخرى بما في ذلك الشرق الأوسط، وإلى أبرز ما جاء في الحوار..
** كيف تقرأ مستقبل العملية العسكرية الروسية بعد السيطرة على مدينة ماريوبول الاستراتيجية؟
إن العملية العسكرية الخاصة (في أوكرانيا) تستمر وستنتهي بعد تحقيق الأهداف التي أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين في 24 فبراير/شباط بما في ذلك تحرير دونباس ونزع سلاح أوكرانيا.. لسنا في عجلة من أمرنا. وتحاول قواتنا التصرف بحذر شديد لتقليل عدد الضحايا ليس بين السكان المدنيين فقط بل وبين الجنود الأوكرانيين أيضا فمعظمهم من أبناء الشعب الروسي ولكنهم واقعون تحت تأثير الدعاية النازية التي تشهدها أوكرانيا في الأعوام الثلاثين الأخيرة.
الآن يتم إجبار القوات المسلحة الأوكرانية على الخروج من دونباس (شمال شرق) التي احتلتها في عام 2014، وأصبحت ماريوبول الآن في عمق الجبهة الداخلية للقوات الروسية وقوات جمهورية دونيتسك الشعبية ولكن يبقى هناك مقاتلون من كتيبة آزوف القومية الأوكرانية الذين تحصنوا في أحد المصانع الكبيرة التي تضم العديد من الأقبية. عندما يدركون عدم جدوى المقاومة سوف يستسلمون.
وقواتنا حررت المناطق الأخرى لماريوبول بما في ذلك الميناء، وقامت وزارة الدفاع الروسية بإخلاء طواقم السفن التجارية من الموانئ التي حصرها النازيون (في إشارة للقوات الأوكرانية)، ويوجد من بين البحارة الذين تم إنقاذهم من أيديهم مواطنون مصريون.
** الرئيس بوتين لوح بتحرك حال الإعلان عن انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).. إلى أي مدى يمكن أن تقدم روسيا على تنفيذ هذا التهديد؟
لا يوجد تهديد من الجانب الروسي، الأمر مجرد بيان للحقيقة، إذا انضمت السويد أو فنلندا إلى الناتو فسيتعين على روسيا اتخاذ تدابير لضمان أمنها في الشمال الغربي. لذلك ستوكهولم وهلسنكي هما اللتان تهدداننا لأنهما تريدان الانضمام إلى الكتلة العسكرية العدوانية الموجهة ضد بلدنا.
** هل يمكن أن تؤدي الأزمة الحالية إلى نشوب حرب عالمية ثالثة؟
نحن مستعدون لأي تصعيد إذا شكلت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تهديدا مباشرا للأمن القومي لروسيا. لكننا أنفسنا لن نبدأ مثل هذه المواجهة العالمية.
** كيف تقيم موسكو تأثير العقوبات المفروضة على روسيا من قبل العواصم الغربية؟
أصبحت الآثار السلبية لسياسة العقوبات للولايات المتحدة وأوضاعها بادية للعيان بالفعل في جميع أنحاء العالم. وعلى عكس محاولات إلقاء اللوم على روسيا فيما يتعلق بأزمة عالمية محتملة فإن السبب الجذري لهذه الأزمة ليس عمليتنا العسكرية الخاصة على الإطلاق. إن اقتصادات معظم البلدان اليوم متشابكة للغاية بحيث لا يمكن فصل دولة ضخمة عن الاقتصاد العالمي بسهولة كما أراد الغرب.
وفقًا للتوقعات الأولية قد تكون تداعيات العقوبات الغربية مماثلة للخسائر الناجمة عن أزمة فيروس كورونا. سيزيد التضخم العالمي بـ2.5%. ونشاهد اليوم انخفاضا كاملا في النشاط التجاري وتدمير سلاسل النقل والخدمات اللوجستية والتباطؤ في تدفقات الاستثمار. نشأت المشاكل في سوق العمل وينخفض الدخل الحقيقي للأعمال التجارية والسكان. ونتيجة للقيود المفروضة على روسيا تفككت أنظمة الدفع.
تتم بالفعل مقارنة الوضع مع ارتفاع أسعار موارد الطاقة بأزمة الطاقة في عام 1973. شهدت أوروبا ارتفاعات تاريخية لمتوسط أسعار الكهرباء في مارس/آذار. وفي عدد من البلدان تراوحت الزيادة بين 350% و 530% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021. أثرت الزيادة في أسعار الكهرباء على قطاع المعادن - بدأ إنتاج الصلب في الانخفاض في الاتحاد الأوروبي.
** أين وصلت المفاوضات الروسية الأوكرانية؟
لسوء الحظ فإن ديناميات المفاوضات في الوقت الحالي ليست مرضية إلى حد كبير، ولا يُظهر نظام كييف موقفًا جادًا ولا يقوم بالاتصال لفترة طويلة ويغير موقفه باستمرار ويعلن بشكل دوري أنه يوقف عملية التفاوض تمامًا، كما يقوم بذلك بأمر الرعاة الغربيين الذين لا يهتمون بسكان أوكرانيا على الإطلاق ويسعون إلى إطالة الأعمال العدائية هناك قدر الإمكان.
** هل تعتزم روسيا تصدير القمح للدول الصديقة فقط؟ وهل سيكون بالروبل؟ هل سيكون هناك إصرار روسي على تحصيل عوائد النفط بالروبل؟
تعتبر روسيا من أكبر منتجي القمح، ونعتزم الاستمرار في توريده بما في ذلك الاستعداد كما في السابق لتزويد أصدقائنا في مصر بالحبوب من الدرجة الأولى بالكمية التي تحتاجها، ويتم الآن من خلال الوزارات ذات الصلة في الدولتين تحديد كميات محددة من عمليات التسليم لعام 2022 وطرق الدفع الملائمة للطرفين.
** كيف تقيمون جهود الوساطة التي تبذلها الدول العربية بشأن الأزمة الأوكرانية؟
إننا نحترم موقف جامعة الدول العربية ودول المنطقة من الأزمة الأوكرانية. ونحن ممتنون للبيان المتوازن الذي تم إصداره خلال اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في القاهرة في 9 مارس/آذار الماضي وزيارة وفدها إلى موسكو في 4 أبريل/نيسان، حيث جرت المحادثات الجوهرية للغاية.
وتقدر روسيا تقديراً عالياً أن الأصدقاء العرب يرفضون السياسة الغربية مزدوجة المعايير والتي عانوا منها أكثر من مرة في تاريخهم الطويل والمعقد.
**هل يمكن للعقوبات الأمريكية الأوروبية أن تفتح آفاقا جديدة للتعاون العربي الروسي؟
إن الغرب ليس العالم كله. إذا نظرتم إلى الخريطة وأزلتم تلك البلدان التي لم تفرض عقوبات على روسيا فلن يتبقى عليها إلا القليل؛ أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، ليست آسيا مع الصين والهند ولا أفريقيا ولا أمريكا اللاتينية.
نقدر أن العديد من شركائنا الأجانب بمن فيهم أولئك في المجتمع العربي لا يؤيدون فحسب بل يدينون أيضًا حرب العقوبات.
ولا بد أن نتذكر أن الإمارات التي كانت تمثل الأمة في مجلس الأمن الدولي لم تحذ حذو الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي وقعت في الكراهية العمياء لروسيا، وصرحت مصر بأنها تعارض استخدام العقوبات الاقتصادية بالالتفاف على آليات الأمم المتحدة المنصوص عليها.
وإذا تحدثنا عن علاقات روسيا مع العالم العربي فإن تصرفات الناتو على نحو متناقض يمكن أن تعطيها دفعة إيجابية إضافية.
كما إن رفض الدول الغربية للتعاون معنا يفتح نافذة من الفرص في السوق الروسية للمصنعين من مناطق أخرى بما في ذلك الشرق الأوسط ويشجع رجال الأعمال لدينا على البحث أيضًا عن شركاء أعمال جدد.
لقد أقمنا علاقات التعاون البناءة والمثمرة مع العديد من دول الشرق الأوسط. وغياب اتباع الأيديولوجية العمياء لدى الزملاء العرب الذي نواجهه في الغرب يخلق أساساً مستقراً للشراكة طويلة الأمد.
وتعد الشراكة الاستراتيجية بين موسكو والقاهرة نموذجا ممتازا للعلاقات المتينة. إن التفاعل له طابع تكاملي فهو يحتوي على المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية وغيرها، ويجري تنفيذ المشاريع المشتركة واسعة النطاق مثل إنشاء أول محطة للطاقة النووية في مصر في الضبعة وإنشاء المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس.
ويوجد 470 من شركاتنا في جمهورية مصر العربية وتتجاوز استثماراتها الرأسمالية 8 مليارات دولار. وتحتل الشركات الكبيرة مثل "لوك أويل" و "روسنفت" بثقة مكانة كبيرة في التعدين. وفي مصنع قريب من القاهرة، يتم تجميع سيارات "لادا" المحلية. ونجحت "ترانسماش هولدينغ" في تنفيذ عقد توريد 1300 عربة ركاب للسكك الحديدية المصرية منذ عام 2020.
في الوقت نفسه تعمل مصر على زيادة صادراتها في روسيا، وثمار البرتقال والبطاطس المصرية معروفة ومحبوبة في روسيا وننتظر المنتجات الزراعية والصناعية الأخرى بفارغ الصبر.
نحن منفتحون على التعاون مع العالم بأسره حيث لدينا العديد من الأصدقاء والأشخاص ذوي التفكير المماثل، في الوقت نفسه فإن الغرب يعزل نفسه فقط من خلال عقوباته.
aXA6IDMuMTM4LjEyMi45MCA= جزيرة ام اند امز