الصراعات تحوّل العاصمة الليبية إلى "مكب للنفايات"
أزمة تكدس القمامة في العاصمة الليبية بأكملها بلغت حدا غير مسبوق مؤخراً، مع تعذر نقلها إلى المكب الرئيسي جنوب طرابلس.
يفرغ فرج الدوكالي حمولة شاحنته الصغيرة من القمامة على عجل، ويساعده عامل في وضعها على أحد الأرصفة في شارع بحي سياحي في طرابلس التي تحولت إلى مكب مفتوح للنفايات.
ويكاد ارتفاع أحد تلال القمامة يلامس سقف محل تجاري مقابل، وتتجوّل القطط فيها بحرية، ووضعت إحداها لتوها هرراً صغيرة داخل صندوق خشبي ألقي وسط القمامة.
ويقول الدوكالي بينما يتصبب عرقاً جراء أشعة الشمس القوية والجهد الذي يبذله في تفريغ شاحنته: "كل نهاية أسبوع، أقوم بجمع قمامة إخوتي الأربعة حيث نسكن في مزرعة صغيرة، وأبدأ رحلة البحث عن مكان مخصص لوضعها فيه، لكن لا جدوى"، مضيفاً: "لا خيار أمامي سوى وضعها على هذا الرصيف".
وبلغت أزمة تكدّس القمامة في العاصمة الليبية بأكملها حدا غير مسبوق مؤخراً، مع تعذر نقلها إلى المكب الرئيسي جنوب طرابلس حيث تدور معارك بين قوات الجيش الوطني الليبي والمليشيات التابعة لحكومة الوفاق.
وتتجمع القمامة على شكل تلال منفصلة في كل منطقة وحي وشارع، وتنبعث منها روائح كريهة إلى جانب سحابات من الدخان نتيجة إقدام بعض المواطنين على إحراقها.
وتابع الدوكالي وعلامات الغضب على وجهه: "هل مشكلة جمع القمامة تقع على عاتق المواطن؟ ولماذا الحكومة والمجالس البلدية لم تخصص صناديق جمع القمامة تضعها في كل الأحياء والشوارع؟ الحكومة عاجزة عن التخلص من تلال القمامة وتتجرأ على أن تطلب من المواطن الوعي والإحساس بالمشكلة".
فيما قال مواطن يمر بجانب تجمع ضخم للقمامة: "أوجه كلمة للحكومات في غرب وشرق ليبيا، خذوا الحقائب الوزارية والأموال، نحتاج منكم فقط أن تحلوا مشكلة القمامة التي ترهقنا وتسبب الأمراض لنا".
ويقع المكب الرئيسي لتجميع القمامة التي يخلفها سكان العاصمة في بلدية السائح على بعد 45 كيلومترا جنوب طرابلس، ويتعذر نقل القمامة إليها منذ سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي عليها في بداية الهجوم على العاصمة في 4 أبريل/نيسان.
وتضاف أزمة القمامة إلى الصعوبات التي يعاني منها الليبيون يوميا من انقطاع المحروقات والكهرباء ونقص السيولة.
غياب الحلول
ويرى طارق الجديدي مدير الإصحاح البيئي في المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا، أن غياب الحلول الناجعة واستمرار الصراعات المسلحة تحول دون إيجاد حل دائم لأزمة القمامة.
ويضيف: "إلى جانب غياب الوعي البيئي، مؤسسات الدولة عاجزة عن وضع خطة شاملة لحل التكدس الهائل للنفايات في الشوارع، إلى جانب الحروب التي لا تسمح بتنفيذ برامج حديثة تضاهي تجارب الدول الأخرى".
وعن طريقة عمل التخلص من القمامة في طرابلس يقول: "تجمع القمامة في العاصمة لتنقل مؤقتا إلى المكبات المرحلية ومن ثم تنقل إلى المكب الرئيسي الذي يقع في منطقة الاشتباكات، وبالتالي أصبحت المكبات المؤقتة اضطراريا مكبات رئيسية وامتلأت".
ويشير إلى حلول تتمثل في "إعادة تدوير بعض النفايات الصلبة مثل الزجاج والورق والبلاستيك"، وإمكان "التعاقد مع شركات متخصصة في مجال إعادة التدوير، لكن الأمر دون شك يحتاج الى استقرار أمني لتعمل مثل هذه الشركات دون انقطاع".
وتقول الباحثة والأكاديمية رقية الهاشمي التي أجرت مؤخراً دراسة ميدانية حول ظاهرة انتشار القمامة في شوارع طرابلس: "الدراسة خلصت إلى نتائج سلبية صراحة، إذ تبين عدم وجود أماكن مخصصة لجمع القمامة بالتوازي مع ازدياد السكان والتوسع العمراني في العاصمة".
وتشير إلى أن تواصلها مع المراكز الصحية أظهر ارتفاع الإصابة بأمراض الصدرية والجلدية خصوصا بين الأطفال وكبار السن والحوامل، كما تحذر من مخاطر تلوث الهواء بسبب إحراق النفايات.
وتدعو السلطات التشريعية إلى استحداث وزارة للبيئة لتنظيم ملف القمامة وسن القوانين لمعاقبة المخالفين برميها العشوائي، نظراً لأهميتها واعتبار القضية "أمناً وطنياً".