يحتار العراقيون في اختيار أسماء 25 شخصية أعلنتها أمانة مجلس النواب، والتي ترشحت لمنصب رئيس الجمهورية.
فغالبية هؤلاء غير معروفين للشعب العراقي، ولا تاريخ في العمل السياسي أو الاجتماعي يميزهم، ومنهم مَن عليه علامات لأنه شغل مناصب قيادية سابقة، ما يزيد خلط الأوراق أمام الشعب العراقي.
ولا ندري لماذا يقوم مجلس النواب بطرح موضوع الترشيح لمنصب الرئيس، وهو يعلم أنه خاضع إلى منطق المحاصصة؟، بل إنه قام بحذف أحد الأسماء من السباق الرئاسي لأنه "مشمولٌ بإجراءات المساءلة والعدالة"، أي قانون "اجتثاث البعث"، الممنوع من العمل السياسي.
وتنص المحاصصة على أن يكون رئيس الجمهورية كرديًا، ورئيس البرلمان سُنيًّا، ورئيس الوزراء شيعيًا، ورغم أن منصب رئيس الجمهورية في النظام البرلماني لا قيمة جوهرية له في الحكم، فإنه يسهم في عملية التوازنات وما يقدمه مستقبلًا من دعم للجهة التي رشحته، لكن كثيرا من العراقيين لا يقتنعون بهذا المبدأ ولا يشعرون بأن منصب رئيس الجمهورية يمثلهم.. من هنا تكمن المفارقة، لذلك يحاول الرئيس، في كل مرة، أن يُقنع العراقيين بشتى الوسائل بأنه رئيسٌ لجميع العراقيين وليس متعصبًا لقوميته، لكنه في الحقيقة مرشح أحد الحزبين الكرديين الحاكمين، بكل ما بينهما من توافقات وتوترات وتأثيرات على هذا الاختيار وآفاقه المستقبلية، ومسألة الاختيار كانت توافقية بينهما في الدورات السابقة كما هي حال الإدارة المشتركة، وأي خلل في هذا الاتجاه يؤدي إلى فرط عقد هذا التحالف، الذي يبدو هشًا في أعماقه من خلال ما تبيّن من الخلافات الأخيرة بينهما حول ترشيح رئيس الجمهورية، فكل منهما متمسكٌ بمرشحه، وهو ما يهدد بانقسام الإدارة الكردية، ولهذا تداعيات لا تُحمد عقباها.
المعركة الرئاسية الحالية أدت إلى إعادة بناء التحالفات من جديد، وفرضت تعهدات جديدة، وهي تتشكل حسب المصالح الآنية ولا تحتكم إلى مصالح العراق المستقبلية.
ويتجسد هذا الصراع الخفي حينًا والعلني حينا آخر بين التيارات العراقية المختلفة، وهو صراع معقد للغاية، بل يتضمن تناقضات كبيرة تزداد يومًا بعد آخر قبل أن تتشكل حكومة الأغلبية، التي طالب بها مقتدى الصدر، والاختلافات القائمة حول مفهوم "الكتلة الأكبر"، التي يتمسك بها حتى أولئك الخاسرون في الانتخابات.
كل ذلك أدى إلى قيام أعمال عنف، أو عودة ازدياد عمليات تنظيم "داعش" الإرهابي.
وهذا ما ألقى بظلاله على العملية السياسية برمتها، حيث فقدت الكثير من القوى السياسية بوصلتها، وفي أغلب الأحيان انقسمت وغيّرت تحالفاتها، التي تدور حول مصالحها الحيوية، فالمعسكر القديم الحاكم لسنوات طويلة لا يرضى بخسارة الانتخابات ويرفض التخلي عن كراسيه لصالح الجهة التي فازت، وهو الشرخ الذي يكشف لنا عن مواطن الخلل في العملية السياسية.
فالمواجهة قد تنتقل إلى الأرض، ولذلك نتائجه الخطيرة، وذلك لانعدام الاحتكام إلى العقل والمصلحة الوطنية والشفافية.. ما قد يؤدي إلى تدخل القوى الإقليمية في الشأن السياسي العراقي، وزيارة قاآني، قائد فيلق القدس الإيراني، مثال على ذلك.
نحن إذًا أمام مفهومي "الأغلبية الوطنية" و"الحكومة التوافقية"، وهما ما سيقرران وجه العراق السياسي المقبل، لكن كل طرفٍ متشبثٌ بمصالحه الضيقة، ومن أجل ذلك، طالب مقتدى الصدر وكتلته الفائزة بأن تلتحق التيارات الأخرى غير الفائزة بحكومة الأغلبية الوطنية كحل لهذه الخلافات.
نحن أمام صراع حول تشكيل الحكومة.. الفائز وغير الفائز يريدان تقاسم المصالح، ولا يوجد تفكير واضح في مستقبل هذا البلد واستقراره. هذه الصراعات تؤثر على طبيعة الرئيس الذي يتم اختياره، ولها تداعيات على استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق بالتأكيد.
وعلى الأرجح، قد يتمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلال الاعتماد على أصوات الحلبوسي والصدر وبعض النواب المستقلين، ليؤمن الفوز لمرشحه هوشيار زيباري، وزير المالية السابق، في حين أن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، برهم صالح، يعتمد على أصوات الخاسرين في الانتخابات، وهذا ما قد يؤجل الاختيار إلى فترة أطول، وقد يؤدي إلى فراغ دستوري.
إن ارتفاع وتيرة الإرهاب وتصاعد نبرة الفصائل الولائية لإيران، والسلاح المنفلت، وانعدام الالتزام بقوانين الانتخابات من شأنها أن تزعزع الاستقرار وتهدد السلم الأهلي، ولذلك عواقبه الكارثية على العراق ومستقبله، بل يصبُّ في صالح أجندة إقليمية واضحة، فهل ستكون معركة الرئاسة الفتيل الذي يشعل نار الفتنة والانقسام في الوقت الذي يحتاج فيه العراق إلى حكومة إنقاذ ورئيس له كاريزما في حل المشكلات بعيدًا عن الارتهان إلى الأجندة الإقليمية والمحاصصة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة