يحمل العام الجديد لعديد من قيادات دول العالم تحدياتٍ كبرى ترقى إلى مستوى منعطفات مصيرية.
منها ما يرتبط بعوامل خارجية، ومنها ما هو محمول على أسباب داخلية.
في مقدمة هذه الدول تأتي الولايات المتحدة، فالانتخابات النصفية للكونجرس خلال شهر نوفمبر المقبل لن تكون سهلة على الحزب الديمقراطي وزعيمه جو بايدن.
هذا الاستحقاق ينطوي على أهمية بالغة بالنسبة لقيادة "البيت الأبيض"، لأنها تحتاج إلى دعم مجلسَي الشيوخ والنواب في كثير من القرارات الداخلية والخارجية.. إذ تحتاج إدارة "بايدن" إلى خطوات عدة في سياق استعادة النفوذ الأمريكي حول العالم، خاصة في القارتين الآسيوية والأوروبية.. وتحتاج أيضا إلى تمرير خطط اقتصادية واجتماعية في الداخل تضمن للديمقراطيين ولاية رئاسية ثانية لإتمام أجندة بدأت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما وتعطلت مؤقتا خلال ولاية الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
وكما يواجه "بايدن" معارضة صُلبة في الداخل من قِبَل الجمهوريين وكل من ينحو نحوهم من دوائر إعلامية وسياسية واقتصادية، تصطدم خططه الخارجية بتحالفات كبرى، على رأسها روسيا والصين، هذا بالإضافة إلى تلك الثغرات، التي تشوب تفاهمات أمريكا مع العديد من حلفائها في الشرق والغرب بسبب تباين المصالح والأهداف.
القيادة الفرنسية أيضا تواجه مَحَكاً حقيقيا في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم العاشر من أبريل المقبل.. فالرئيس إيمانويل ماكرون يخوض هذا الاستحقاق حاملاً على كاهله ملفات داخلية وخارجية معقدة.
فماكرون لا يحظى بدعم كبير من الأقليات في الانتخابات، ولا يبدو أنه الخِيار المفضل بالنسبة لأجنحة اليمين أو اليسار.. ناهيك بتحديات اقتصادية خلقتها أزمة جائحة كورونا واحتجاجات العمال التي لا تنتهي.
وخارجيا، تحيط بفرنسا منعطفات حقيقية عالميا وأوروبيا.. فقد بذل ماكرون جهودا كبيرة في السنوات الخمس الماضية لاستعادة أمجاد الجمهورية الفرنسية في مناطق نفوذها، ولكنه لم يصل إلى ما يمكن وصفه بـ"النتائج المُرضية".
أما في القارة العجوز والاتحاد الأوروبي فماكرون يقاتل كي يثبّت أقدامه كزعيم لتكتل فقد مؤخرا واحداً من أبرز أعضائه، وهو المملكة المتحدة، ولا تبدو علاقات دوله متماسكة بالقدر الكافي لاستمراره على المدى الطويل.
هذا بالإضافة إلى أزمة أوكرانيا، التي تبثُّ القلق في نفوس الأوروبيين عامة ودول الاتحاد على وجه الخصوص.
الأزمة الأوكرانية تمثل تحديا كبيرا أيضا للقيادة الألمانية الجديدة.. وهي ليست قيادة صُلبة ومتماسكة كالتي عرفتها البلاد على مدار ستة عشر عاما في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.. فالمستشار الاشتراكي أولاف شولتس يدير الدولة ضمن ائتلاف يجمعه مع حزبين آخرين يختلفان معه في سياسات داخلية وخارجية عدة.
وغالبا ما كانت الحكومات الائتلافية أضعف وأقل تأثيرا من تلك التي يقودها حزب واحد يتمتع بأكثرية نيابية، خاصة في دول الغرب التي تمتلك فيها البرلمانات اليد الطولى في صناعة القرارات الكبرى.
بشكل أو بآخر تمس الأزمة الأوكرانية جميع دول القارة العجوز، ولكن مسؤولية إيجاد حل لها تقع على عاتق حكومة كييف أولا ثم حكومات الدول القيادية في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا، إضافة إلى بريطانيا والولايات المتحدة كأقطاب غربية كانت ولا تزال في مواجهة سياسية وعسكرية واستخباراتية مع روسيا.
ولا نبالغ بالقول إن الحكومة الأوكرانية تعيش مفصلا يهدد وجودها.. فالتوتر المستمر بينها وبين موسكو منذ ضم الروس شبه جزيرة القرم في عام 2014 وما خلفه من انقسام داخلي، قد وصل إلى مرحلة حرجة يمكن أن تنتهي باحتلال روسيا للدولة العضو في الاتحاد الأوروبي فعلا، أو بوقوع اضطرابات داخلية قد تطيح برئيس الدولة فولوديمير زيلينسكي، الساعي بجدية للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، كي يعيش تحت مظلته العسكرية.
أما بالنسبة للحكومة البريطانية، فإن الأزمة الأوكرانية تعنيها كثيرا، ولكن هذه الأزمة تأتي في ذيل قائمة الأسباب، التي تهدد مستقبل رئيس الوزراء المحافظ، بوريس جونسون.
فخارجياً يحتاج "جونسون" إلى حلحلة الأزمات التي تعيشها المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بعد انفصال لندن عن بروكسل، كما يحتاج أيضا إلى إبرام اتفاقيات مختلفة مع دول العالم لتعويض نقص التجارة والعمالة والإمدادات، الذي نتج عن الـ"بريكست".
وداخليا، لا تزال فضائح "حفلات الحكومة" تلاحق رئيس الوزراء البريطاني.. وعلى الرغم من أن التحقيقات المدنية والشرطية التي تجري في هذه "المخالفات" لم توجِّه حتى الآن اتهاماتٍ مباشرة لـ"جونسون" بانتهاك قواعد الإغلاق خلال العامين الماضيين، فإن التسريبات المستمرة في هذا الشأن تُبقي كل الاحتمالات قائمة وكل الخيارات واردة إلى حين طي صفحة هذا الملف بشكل رسمي ونهائي.
وحتى لو خرجت نتائج التحقيقات فضفاضة ولا تنطوي على إدانة مباشرة لرئيس الحكومة، فإن شعبية "جونسون" وحزب المحافظين قد تراجعت بشكل ملحوظ.. حتى إن لجنة 1922، صاحبة اليد العليا في الحزب، تقول إن على رئيس الوزراء بذل جهود كبيرة لاستعادة ثقة البريطانيين في الأشهر الستة المقبلة.
والاختبار الحقيقي لهذه الجهود سيكون في الانتخابات البلدية المقررة في الخامس من شهر مايو المقبل.
في الشرق تحاول القيادة التركية الفوز في انتخابات عام 2023، فيما تسابق الزمن للتصالح مع جميع دول المنطقة والعالم، لعلها بذلك تدعم اقتصادها، لكن الطريق في هذا الصدد لا يزال طويلا.
في الشرق أيضا يبرز اسم إيران بين أكثر الدول، التي تعيش قيادتها اليوم اختباراتٍ مصيرية.. والأكبر بين هذه الاختبارات/المحكّات هو إبرام اتفاق نووي جديد مع الغرب يجنّب السلطة انفجارا شعبيا على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والحقوقية في البلاد.
والتنبؤ بهذا الانفجار الشعبي لم تروّج له دولة معادية لإيران أو جهة خارجية تستهدف إدارة الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، وإنما سرَّبته إذاعة محلية نقلا عن تقارير للحرس الثوري الإيراني.
أما في المنطقة العربية تعيش الدول، التي تعبث فيها المليشيات الموالية لإيران أزمة غياب لقياداتٍ قادرة على إخراج البلاد من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية تراكمت على مدار سنوات طويلة.. وهناك دول أخرى في المنطقة، مثل ليبيا والسودان، تواجه قياداتها صعوباتٍ في إتمام مرحلة انتقالية بدأت مع الإطاحة بأنظمة سابقة قبل سنوات، ولم تصل بعد إلى بر الأمان المنشود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة