«كاليمي» الكونغولية والمتمردون.. هل تنجو من كابوس غوما؟

بعد أسابيع من الذعر بدأت مدينة كاليمي الكونغولية تستعيد أنفاسها، فهل أنقذها اتفاق السلام بين كينشاسا وكيغالي من مصير غوما المظلم؟
وخلال الأسابيع الماضية، خيمت على أجواء مدينة كاليمي عاصمة إقليم تانغانيكا المجاور لإقليم جنوب كيفو، أجواء من الترقب والخوف بسبب احتمال اجتياحها من قبل متمردي حركة «إم 23».
وهذا التوتر لم يكن بلا مبرر؛ فمدن كبرى مثل غوما وبوكافو دفعت ثمن الصراع الدموي في شرق الكونغو الديمقراطية.
ويشهد الشرق الكونغولي الغني بالموارد الطبيعية وخصوصا المعادن، نزاعات منذ أكثر من 30 عاما.
وتصاعدت أعمال العنف بالأشهر الأخيرة في هذه المنطقة المتاخمة لرواندا، مع هجوم خاطف شنته جماعة "إم-23" على غوما وبوكافو، ضد الجيش الكونغولي المنهك.
وخلفت أعمال العنف آلاف القتلى وفق الحكومة الكونغولية والأمم المتحدة، وأدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية لآلاف النازحين.
لكن، ومع توقيع اتفاق السلام في واشنطن بين كينشاسا وكيغالي، يطرح التساؤل: هل نجت كاليمي بالفعل من شبح الحرب؟ أم أن لهيب الخطر لا يزال كامناً تحت رماد هدوء ظاهري هش؟
تراجع حذر
مع نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، لا تزال كاليمي تعاني من آثار الفيضانات التي ضربت المدينة قبل شهر وأودت بحياة نحو عشرة أشخاص، وشردت أكثر من عشرة آلاف آخرين.
واجتاحت مياه بحيرة تانغانيكا التي تطل عليها المدينة المنازل والطرق، مُخلّفة دماراً واسعاً، بحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية.
لكن رغم المأساة، بدأت الحياة تعود تدريجياً، فالأسواق أعادت فتح أبوابها، فيما استأنفت المتاجر عملها والإدارات الحكومية نشاطها، وكأن سكان كاليمي يقولون: "مهما كان الخطر، لن نُهزم بسهولة".
ومع مرور الوقت، بدأت أجواء الهلع تهدأ، لا سيما بعد توقيع اتفاق واشنطن الذي يُفترض أن يُساهم في تخفيف التوترات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا.
ويأمل سكان كاليمي أن يكون الاتفاق بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار، لكن في دولة اعتادت على خيبات الأمل والهدنات الهشة، تبقى الشكوك حاضرة.
كاليمي ومحيطها
في قراءته للموضوع، يرى الدكتور باتريك مبيلي، الباحث الكونغولي المتخصص في النزاعات الحدودية بشرق أفريقيا، أنه "رغم التحسن النسبي في الوضع الأمني، فإنه لا يمكننا الحديث عن أمان حقيقي".
ويقول مبيلي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "حركة إم 23 ليست وحدها في الميدان، فهناك مليشيات متعددة تعمل على زعزعة الاستقرار لأهداف مختلفة، وبعضها يلقى دعماً من دول مجاورة"، دون توضيح للجزئية الأخيرة.
ويوضح أن "اتفاق واشنطن خطوة مهمة، لكن نجاحه مرهون بإرادة سياسية قوية من الطرفين، ومتابعة ميدانية من المجتمع الدولي. أما في كاليمي، فالوضع لا يزال هشاً جداً، والخطر لم ينتهِ".
وأضاف أن "كاليمي لا تملك البنية الأمنية الكافية لمواجهة هجوم منظم. وإذا قررت حركة ام 23 أو غيرها التقدم جنوباً، فالمقاومة ستكون رمزية فقط. نحتاج إلى نشر قوات إضافية وتعاون استخباراتي حقيقي بين كينشاسا والدول المجاورة".
«هدنة مؤقتة»
من جهته، قال جان-لوك بوردان، الخبير الفرنسي في شؤون أفريقيا بمنظمة "أبحاث الأمن والسلام"، إن "ما حدث في كاليمي يُظهر مدى تأثر المناطق الهشة بالكوارث الطبيعية والنزاعات السياسية في آن واحد".
وأضاف بوردان، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "المدينة لم تتعافَ بعد من الفيضانات، وتُركت لتواجه شبح التهديدات المسلحة وحدها".
وبخصوص اتفاق واشنطن، اعتبر أنه يشكل "هدنة مؤقتة أكثر من أن يكون سلاما دائما، فطالما لم تُحل جذور النزاع، خصوصاً المرتبطة بمسائل الهوية والسيطرة على الموارد، ستبقى الأزمة قابلة للاشتعال في أي لحظة".
وتابع: "الرهان الحقيقي يجب أن يكون على التنمية المحلية، وبناء مؤسسات قوية داخل كاليمي ومدن الإقليم. لا يمكن الحديث عن استقرار دون أن يشعر السكان بأن الدولة تحميهم، لا أن تتركهم بين أنياب الأمطار والمليشيات".