في خطوة يمكن وصفها بأنها لحظة انعطاف في مسار المواجهة الدولية مع التطرف، أقرت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي، الأسبوع الماضي، مشروع قرار يصنّف جماعة الإخوان المسلمين، بكل فروعها وتشعّباتها، منظمة إرهابية.
وقد جاء المشروع واضحاً في تحديد الدول التي يشملها التصنيف، وكان السودان في مقدمتها.
وعلى الرغم من أن المسار التشريعي لم يكتمل بعد، إذ إن القرار ينتظر موافقة مجلس النواب ليصبح نافذاً، فإن عبوره أولى محطاته يؤكد تحولاً نوعياً في الموقف الأميركي تجاه جماعة احترفت التخفي خلف الشعارات الدينية والوطنية، فيما مارست عبر عقود دوراً مركزياً في إنتاج الفوضى ورعاية التطرف وتخريب الدول من داخلها، ولعبت دوراً محورياً في زعزعة السودان والمنطقة والأمن والسلم العالميين.
إن التشريع، في حال إقراره النهائي، سيضع حداً لواحدة من أطول الخدع السياسية في الإقليم، ويعرّي تنظيماً عاش سنوات طويلة في هوامش القانون، مستفيداً من صمت دولي منحه هامشاً لإعادة إنتاج الخراب حيثما حلّ.
إن تبنّي هذا القرار في الكونغرس ليس تغييراً في المزاج الأمريكي فحسب؛ إنه اعتراف صريح بأن الجماعة، بكل تنويعات خطابها، تمثل بنية أيديولوجية مغلقة تُخصّب التطرف وتعيد توليده، وأن شرورها لم تقف عند حدود الإقليم المبتلى بها قدراً، بل انسابت إلى مناطق أخرى عبر شبكات ومنابر وواجهات تعمل بمهارة على تبييض خطاب العنف وتقديمه بلبوس سياسي.
ومن الصعب تجاهل أن الجماعة لم تُنتج في أي بلد استقرت فيه سوى الانقسام والتمكين، وتكريس الولاء للتنظيم على حساب الوطن والشعب.
ويقف "سودان اليوم" شاهداً دامغاً على هذا الإرث الثقيل، ثلاثون عاماً من حكم تقوّضت معه مناعة الدولة وتآكلت مؤسسات المجتمع، قبل أن تسقط المنظومة ويُكشف المستور: أجهزة موازية، شبكات مالية، واجهات أيديولوجية، وكتائب ظلٍّ تعمل الآن في قلب الحرب التي تمزّق البلاد. فالمأساة السودانية الراهنة، التي تُعد الأكبر في العالم من حيث حجم الكارثة الإنسانية، لم تنفجر صدفة، بل هي من صنع الجماعة من أجل العودة إلى السلطة عبر بندقية الجيش المُروَّض.
لهذا يترقب السودانيون القرار على أحر من الجمر، لأنه ينفذ مباشرة إلى جوهر الأزمة؛ إذ إنه، في حال اكتماله تشريعياً، سيكون أداة ضغط فعالة تُجفف موارد الجماعة، وتحدّ من قدرتها على تمويل تحركاتها، وتقطع شرايين الدعم التي تستعين بها لإدامة الحرب.
كما يوجّه رسالة لا لبس فيها: أن القوى التي تختبئ خلف العمل السياسي بينما ترتبط بشبكات تخريب عابرة للحدود لن تحصل بعد الآن على ذلك الغطاء الذي سمح لها طويلاً بالتلاعب بمصائر الشعوب.
وفي بُعده الإقليمي والدولي، يمثل القرار خطوة مهمة باتجاه إعادة تعريف التطرف، بعيداً عن المجاملات السياسية والازدواجية التي طالما وفرت للجماعة مناطق رمادية تتحرك فيها.
لقد آن الأوان لاعتماد مقاربة ترى في الإخوان منظومة عقائدية تُنتِج الفوضى وتُعيد تدوير العنف، لا تياراً سياسياً مدنياً يقبل بالتداول السلمي للسلطة كما تحاول بعض الجهات تصويره.
فالإرهاب لا يولد من فراغ، بل من بنى أيديولوجية تمتلك القدرة على إنتاج خطاب يشرعن الإقصاء، ويعتبر المجتمع مادة قابلة للتشكيل وفق وهم التنظيم وأحلام قياداته.
وفي السودان، كما في غيره، لا مجال لبناء دولة حديثة في ظل نفوذ جماعات تعيش خارج فكرة الوطن. ومن هنا، يغدو القرار الأمريكي خطوة في الاتجاه الصحيح: خطوة تستعيد وضوح البوصلة، وتُحمّل كل فاعل مسؤوليته، وتضع حداً لحالة الاستسهال في التعامل مع منظومات أثبتت التجربة أنها لا تتعايش مع الاستقرار ولا مع قيم الدولة المدنية.
وفي ضوء هذا المشهد المأزوم، يصبح لزاماً على العالم أن يتحرك بصرامة، كي لا يُترك السودان نهباً للفوضى ولا تتحول المنطقة إلى مسرح مفتوح للتطرف. وإن أُخذت الخطوة الأمريكية بجدية وسارت إلى منتهاها، فقد تشكّل منعطفاً يطوّق الجماعات المتشددة، ويكفّ يدها عن مصائر الأبرياء، ويفتح الباب لحقبة يُرمى فيها العنف إلى هامش التاريخ، وتستعيد فيها الشعوب حقها في الأمن والسلام والكرامة والطمأنينة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة