تُعتبر الانتخابات التمهيدية للتجديد النصفي للكونجرس الأمريكي اختبارًا مبكرًا للشعبية التي يتمتع بها كلٌّ من حزبَيِ الكونجرس، الجمهوري والديمقراطي.
ففي الانتخابات التمهيدية، التي شهدها عدد من الولايات منذ مايو الماضي، فاز عدد لا بأس به من المرشحين الجمهوريين المدعومين من الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يعكس في المقابل استمرار تأثير نفوذ ترامب في الحزب الجمهوري، وتراجع شعبية الرئيس الحالي، جو بايدن وحزبه الديمقراطي عمومًا.
ونظرًا لما تُظهره نتائج الانتخابات التمهيدية من أنه لا يمكن الاستهانة بدعم ترامب، فإن عضوة الحزب الجمهوري ليز تشيني، والتي صوَّتت أيضًا لعزل ترامب وساعدت في قيادة لجنة مجلس النواب للتحقيق في أحداث اقتحام الكونجرس، من المتوقع أن تواجه معركة صعبة في الانتخابات التمهيدية التنافسية في أغسطس أمام المنافس المدعوم من ترامب.
نلاحظ أن خسارة الجمهوريين الذين دعموا محاكمة الرئيس السابق قد حقَّقت له انتصارًا ملحوظًا عندما أطاح الناخبون في الانتخابات التمهيدية بولاية ساوث كارولينا بالمرشح الجمهوري، توم رايس، الذي شغل المنصب لمدة خمس فترات، والذي كان واحدًا ضمن 10 نواب جمهوريين صوَّتوا لصالح إجراءات عزل ترامب من منصبه كرئيس للولايات المتحدة العام الماضي.
يتمتع الجمهوريون بوحدة حزبية قوية لا يمكن إنكارها خلف الرئيس السابق دونالد ترامب، فيما أصبح يُعرف بـ"الترامبية".. فقد أسهم الصراع المحتدم بين تيارات الحزب الديمقراطي في شلّ أجندة بايدن لتحسين البنية التحتية الأمريكية، وخططه للإصلاحات الاجتماعية ولمواجهة التغيّر المناخي.
وما يزال الرئيس السابق ترامب يسيطر على مقاليد الحزب الجمهوري بقوة، فقد نجح مرشحوه في الانتخابات التمهيدية في عدد من الولايات.
ففي 14 يونيو، منح الناخبون الجمهوريون في نيفادا، المرشحين المحافظين الذين تبنوا بحماس مزاعم ترامب بشأن تزوير انتخابات الرئاسة 2020 انتصارًا جديدًا، ممَّا حوَّل ولاية متأرجحة رئيسية -نيفادا- إلى منافسة شرسة هذا الخريف بين الديمقراطيين والجمهوريين.
ولجأ المرشحون للتقرب من ترامب وتبنّي مصطلحاته وعباراته، وأهمها "فوزه" في انتخابات 2020، وأن "تزويرًا" سمح للرئيس بايدن بالفوز بالبيت الأبيض، وهو ما يطلق عليه الديمقراطيون "الكذبة الكبرى".. وعلى عكس الرؤساء الأمريكيين السابقين يُطالب ترامب أنصاره بالاستعداد للعمل والقتال والفوز بشكل لم يحدث من قبل، مُؤكدًا ضرورة استعادة الجمهوريين مجلسي الشيوخ والنواب، وبكل تأكيد استمر تأثير ترامب لعدم وجود زعيم قوي داخل الحزب الجمهوري قادر على ملء فراغه، وتقاعُد عدد من المشرعين الجمهوريين الوسطيين، وإعلان عدد آخر عن دعمهم ترامب.
ويشترط ترامب على مرشحيه ترديد عبارات الولاء الكامل له حتى يحصلوا على دعمه في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، وحال لم يقم المرشح بذلك، فإنه سيخسر دعم ترامب، ما يعني احتمالية خسارته في الانتخابات التمهيدية، وهذا يشير إلى مدى حضور ترامب وتأثيره الكبير في قواعد الحزب الجمهوري حتى الوقت الراهن.
تخبُّطات سياسية أدت إلى تراجع شعبية الرئيس الحالي بايدن، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة CNBC في منتصف مايو الماضي على عينة من 800 ناخب أمريكي، موافقة 37% منهم فقط على أداء بايدن، في حين رفض 56% أداءه، ولم يستطع 7% منهم تحديد موقفهم.
وتعد نتائج هذه العينة ثاني أسوأ نسبة يحصل عليها رئيس أمريكي خلال عامه الأول في الحكم، كما شهد هذا العام تراجع التأييد له من 57% عند بدء حكمه يوم 20 يناير 2021، لينخفض بمقدار 20 نقطة كاملة خلال عام من حكمه، وأسفر تماسك الحزب الجمهوري أمام تخبط أعضاء الحزب الديمقراطي، وتراجع شعبية بايدن بصورة كبيرة في مواجهة أزمات بلاده، عن فوز عدد كبير من الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية النصفية، التي تحدد توازن القوى السياسية في الولايات المتحدة للسنوات المقبلة.
وقد فاز غالبية المرشحين المدعومين من ترامب في أوهايو وبنسلفانيا ونورث كارولاينا وألاباما.
وللتركيز على إخفاقات إدارة بايدن أكثر، فإن معدلات التضخم بلغت ذروتها في مايو الماضي، ووصلت إلى 8.6%، وهي الأعلى في التاريخ الأمريكي منذ أكثر من أربعة عقود، كما وصلت أسعار الغاز إلى أعلى مستوى لها في تاريخ البلاد، ودمرت عائلات بأكملها، ويؤدي التضخم إلى انهيار قيمة ومكاسب أجور جميع العاملين من الطبقة المتوسطة ومنخفضة الدخل.
وفي أوائل يوليو الجاري، أظهر استطلاع أجرته شركة ABC News/Ipsos أن معظم الأمريكيين وصفوا الاقتصاد والتضخم وارتفاع أسعار الغاز بأنها "أهم القضايا في تحديد أصواتهم النصفية".
ووافق 28% فقط -من الذين شملهم الاستطلاع- على تعامل بايدن مع التضخم، و27% وافقوا على طريقة تعامله مع أسعار الغاز.
ومن المقرر أن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف نوفمبر المقبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وفيها يُعاد انتخاب أعضاء مجلس النواب جميعًا -البالغ عددهم 435 عضوًا- مُقابل ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، أي 35 مقعدًا من أصل 100.
ولا يحتاج الجمهوريون إلا إلى الفوز بستة مقاعد إضافية في مجلس النواب، وبمقعد واحد إضافي في مجلس الشيوخ، ليحظوا بالأغلبية الحزبية داخل أروقة الكونجرس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة