هل كانت الساعتان وثلث الساعة من حديث هاتفي بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، كفيلة بنزع فتيل التوتر الذي أشاعته نية رئيسة "النواب" الأمريكي، نانسي بيلوسي، زيارة تايوان أغسطس المقبل؟
وهل تأكيد "بايدن" لنظيره الصيني أن "سياسة الولايات المتحدة لم تتغير وأن بلاده تعارض بشدة الجهود أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن أو تقويض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان"، يمكن أن ينزع من صدر قادة بكين هواجسهم وقلقهم حيال نهج واشنطن واستراتيجيتها بهذا الخصوص؟
السؤال الأهم يتمحور حول توقيت "القمة الهاتفية" بين الزعيمين الخميس الماضي.. هل كان مخططًا لها قبل هبوب رياح التسخين بسبب الزيارة المزمعة لـ"بيلوسي" أم أن الرئيس المنتمي لحزب "بيلوسي" سعى مسبقا لتأطير الزيارة، حال حصولها، ضمن سقف برلماني لا تتعداه، وينزع عنها أي تأثير أو بُعد سياسي أو تغيير في الاستراتيجية الأمريكية والتزاماتها بمبدأ "صين واحدة"؟
لم يتردد "بايدن" في إعلان موقفه "غير المؤيد" لخطط رئيسة مجلس النواب زيارة تايوان برفقة وفد من نواب جمهوريين وديمقراطيين، لكنه أوضح أنه "لا يملك سلطة منعها".
البيانات، التي صدرت عن الجانبين عقب المكالمة المطوّلة، حملت الكثير من الدلالات على تمسك الطرفين بخيوط التواصل مهما وَهَنَت، والحرص على إبقاء قنوات الاتصال على مستوى الرئيسين سالكة، حسب جون كيربي، منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، بقوله "الشيء الرئيسي هو أن الرئيس بايدن يريد التأكد من أن خطوط الاتصال مع الرئيس شي ستظل مفتوحة".
تايوان ستكون محطةً، لم تتأكدْ بعد، ضمن جولة لـ"بيلوسي" تقودها إلى إندونيسيا واليابان وسنغافورة.
التسخين من قبل بعض الدوائر الأمريكية حول تايوان ليس مفاجئًا، اللافت هو مسعى التهدئة، الذي سلكه "بايدن" مع الصين. من الطبيعي أن تتوالى ردود فعل ومواقف المسؤولين الصينيين التحذيرية الحادة والشاجبة للزيارة المزمعة، والرافضة لمجرد نية القيام بها. المثير للاهتمام أن يتحول الإعلان عن "نية بيلوسي" زيارة تايبيه إلى مادة سجال داخل الولايات المتحدة من قبل رسميين وغير رسميين أمريكيين.
الإقدام على مثل هذه الخطوة، بإجماع هؤلاء، ينطوي على مخاطر على أكثر من صعيد، إقليمي ودولي، عسكري وأمني واقتصادي وسياسي مرتبط بطبيعة رد فعل بكين بعد أن لوّحت بأكثر من خيار قد تسلكه ردًّا على ما وصفته بالزيارة "الاستفزازية".
بعد اندلاع النزاع الروسي-الأوكراني في الرابع والعشرين من شهر فبراير/شباط الماضي، توجّهت الأنظار إلى تلك الجزيرة الواقعة في المحيط الهادي، والتي يفصلها عن الصين مضيق فورموزا، ولا تتجاوز المسافة بينهما 140 كيلومترًا.
واشنطن لا تفتأ تخطط وتجتهد لمنع الصين من التربع على عرش الاقتصاد والسياسة العالمية، ولا تترك سبيلا لتحقيق مآربها هذه تلويحًا وتلميحًا. أنجزت دبلوماسيتها اتفاق "أوكوس" مع بريطانيا وأستراليا. فعّلت حضورها مع حلفائها في جنوب شرقي آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
استحواذ المسألة التايوانية على الاهتمام الدولي سبق الأزمة الأوكرانية بعقود. المعطيات والحيثيات بين المسألتين متفاوتة كتفاوت الموقع الجغرافي بينهما، لكن واحدًا من أركانها يمثل طرفًا مباشرًا في كلتيهما، ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية.
إرهاصات الاستثمار الأمريكي في قضية تايوان طفت على السطح بشكل ملموس منذ اعتبار الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض برئاسة "بايدن" قبل نحو السنتين جمهورية الصين الشعبية "التحدي الاستراتيجي الأخطر على مكانة ومستقبل الولايات المتحدة الأمريكية".
المقاربة الأمريكية ليست وليدة الساعة، بل تعود إلى عقود من السياسات والممارسات والتوجهات العامة لدى صانعي القرار في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الجمهورية والديمقراطية، والفارق فقط في أسلوب إدارة الصراع مع بكين وأدواته ووسائله، وكيفية التقاط الفرص الناشئة تصعيدًا أو تهدئة، وتلَمُّس المسارات الملائمة لتشكيل بيئة مُلبّية للشروط والغايات، التي تسعى واشنطن لتحقيقها في مضمار الصراع مع بكين.
أكثر الدلالات ترجمة للحالة السائدة داخل المؤسسة الرسمية الأمريكية بشأن زيارة "بيلوسي" وما يمكن أن تليها من تبعات، عَكَسها تأكيد الرئيس "بايدن" لنظيره الصيني ثبات موقف واشنطن وعدم تنصُّلها من التفاهمات مع بكين، والتي تمت سبعينيات القرن الماضي بشأن مبدأ "الصين الواحدة".
مجالات التنافس والصراع بين الولايات المتحدة والصين واسعة ومتعددة الأوجه، من الاقتصاد إلى التكنولوجيا إلى التجارة إلى المجالات الجيوسياسية، لكن المسألة التايوانية أكثرها حساسية وخطورة على استقرار العلاقات بينهما.
انعدام الثقة بين الجانبين سمة تطبع علاقاتهما مهما حاولا الإيحاء بغير ذلك. إنه التنافس الساخن القائم على أسس صراعٍ متعلقٍ بالمكانة وبالهيبة وبالمستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة