مخاطر استمرار الحرب في أوكرانيا.. "سيناريو قاتم" للغرب
لا يزال أجل الأزمة الروسية-الأوكرانية ممتدًا، حتى وإن انتهت ستبقى تداعياتها السلبية على اقتصادات العالم التي تعاني اليوم ضغوطًا وأزمات.
45 تأثيرًا سلبيًا
وفق دراسة حديثة صدرت عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، يوجد نحو 45 تأثيرًا سلبيًا جراء استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية؛ حيث تتصاعد معاناة العالم.
عمليًا على أرض الواقع، أفرزت الأزمة 15 تأثيرًا سلبيًا رئيسيًا، نتج عنها 30 تأثيرًا سلبيًا فرعيًا. وفيما استحوذت التداعيات الاقتصادية على غالبية تأثيرات الأزمة الأوكرانية، جاءت التداعيات الاجتماعية في المرتبة الثانية، يليها التداعيات السياسية والعسكرية.
وبالنسبة إلى التأثيرات الرئيسة المباشرة للأزمة، فقد تمثل أبرزها في ارتفاع أسعار النفط والطاقة والواردات، مقابل تراجع حركة السياحة والإمدادات الغذائية والنمو العالمي والاستثمارات، مع زيادة حدة المواجهات العسكرية والاستقطاب السياسي، وانتهاء الأحادية القطبية، وغيرها من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية.
أزمة الغاز.. والسيناريوهات اللا استراتيجية
مع استمرار تداعيات الأزمة الأوكرانية وعدم وجود مؤشرات حقيقية على قرب انتهائها، يزداد ملف الطاقة في أوروبا تعقيداً، خاصة وأن أوروبا كانت تعتمد خلال حتى نهاية العام الماضي على روسيا في سد 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، أي نحو 185 مليار متر مكعب سنوياً.
ومع دخول أوروبا فعلياً شهور شتاء تمتد لنحو خمسة أشهر (أكتوبر/تشرين الأول 2022 ـ فبراير/شباط 2023) تزداد أزمة الطاقة تعقيداً في ظل مناخ شديد الصعوبة، وتحولات مناخية كبيرة تشهدها دول القارة، للدرجة التي دفعت وزير الطاقة في أهم دولة أوروبية، وهي ألمانيا، للتصريح علناً: “نحن بصدد مواجهة شتاء حرج للغاية".
وهنا، يتمثل أحد أهم البدائل الاستراتيجية لدول القارة الأوربية للخروج من أزمة الطاقة، في زيادة الواردات من الغاز المسال، ويبلغ حجم الإنتاج العالمي من الغاز المسال للعام 2022 تبلغ 455 مليون طن، 70% منها تم بيعها فعلياً بعقود طويلة الأجل، أي ما يعادل 320 مليوناً، وتتبقى 30% تُسمى بالسوق الفورية، تعادل 135 مليوناً تحتاج منها أوروبا 118 مليوناً، وأهم الدول المصدرة للغاز المسال في العالم، لكن أوروبا لا تمتلك البنية التحتية الكافية لاستيراد وتخزين الغاز المسال نظراً لاعتمادها خلال العقود الماضية على الغاز الطبيعي، وإن كانت ألمانيا وهولندا، وغيرها من الدول الأوربية بدأت فعلياً منذ يوليو 2022 في تجهيز محطات لاستقبال وتخزين الغاز المسال.
كارثة ركود "تختمر".. والتعافي في سيناريو الإصلاحات والتعاون والتحول الأخضر
وبينما يظل الموقف الراهن على درجة كبيرة من التقلب فإن العواقب الاقتصادية ستكون بالغة الخطورة، هكذا تنبأ صندوق النقد الدولي تأثيرات حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي مع بداية العملية العسكرية قبل أن تؤكد صدقية فرضياته الأرقام بعد 8 شهور.
ويشهد النشاط الاقتصادي العالمي تباطؤا واسعا فاقت حدته التوقعات، مع تجاوز معدلات التضخم مستوياتها المسجلة خلال عدة عقود سابقة. وتنوء الآفاق بأعباء ثقيلة من جراء أزمة تكلفة المعيشة، وتشديد الأوضاع المالية في معظم المناطق، والغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار جائحة كوفيد-19. وتشير التنبؤات إلى تباطؤ النمو العالمي من 6,0% في عام 2021 إلى 3,2% في عام 2022 ثم 2,7% في عام 2023، فيما يمثل أضعف أنماط النمو على الإطلاق منذ عام 2001 باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحرجة من جائحة كوفيد-19.
وحسب تنبؤات صندوق النقد الدولي كما أورد في تقريره الحديث "آفاق الاقتصاد العالمي – أكتوبر/تشرين الأول 2022"، سيرتفع التضخم العالمي من 4,7% في 2021 إلى 8,8% في 2022 ليتراجع لاحقا إلى 6,5% في 2023 و4,1% في 2024. وعلى السياسة النقدية أن تواصل العمل على استعادة استقرار الأسعار، مع توجيه سياسة المالية العامة نحو تخفيف الضغوط الناجمة عن تكلفة المعيشة، على أن يظل موقفها متشددا بدرجة كافية اتساقا مع السياسة النقدية.
ويمكن أن يكون للإصلاحات الهيكلية دور إضافي في دعم الكفاح ضد التضخم من خلال تحسين الإنتاجية والحد من نقص الإمدادات، بينما يمثل التعاون متعدد الأطراف أداة ضرورية لتسريع مسار التحول إلى الطاقة الخضراء والحيلولة دون التشرذم.
لقد دفعت الحرب الأوكرانية الروسية العالم إلى إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية العالمية إذ زعزعت الحرب أساسات الاقتصاد في أغلب دول العالم، وسط أزمات تتصاعد في الأمن الغذائي وأمن الطاقة.
وحول تكلفة تأثير حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، قالت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهي منظمة حكومية تضم 38 دولة، وتعتبر تجمعا للاقتصادات المتقدمة مقرها باريس، إن تكلفة تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي تقدر بحوالي 2.8 تريليون دولار بنهاية 2023. الرقم قد يكون أكبر من ذلك إذا أدى الشتاء القارس إلى تقنين الطاقة في أوروبا، مما يعني خفضا أكثر في الإنتاج. ومن المتوقع أن استهلاك الطاقة سيحتاج إلى الخفض بنسبة تتراوح بين 10 و15% مقارنة بالسنوات الأخيرة.
وبحسب تصريحات كريستالينا جورجييفا مديرة صندوق النقد الدولي، فمن المتوقع أن يخسر الناتج الاقتصادي العالمي 4 تريليونات دولار حتى عام 2026 بسبب تزايد خطر الركود.
وبحسب المنظمة، فإن الدول المجاورة لأوكرانيا وروسيا هي التي ستدفع الثمن الأكبر؛ حيث سيخضع النمو في منطقة اليورو للتراجع الأكبر من بين كافة مناطق العالم، مع توقع أن يبلغ 0.3% في مقابل 1.6% بالتوقعات السابقة في يونيو. والسبب الرئيسي في ذلك هو ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم الذي يتوقع أن يبلغ هذا العام 8.1% و6.2% العام المقبل.
وتتوقع المنظمة أن يكون الركود الذي يلوّح به كبار الاقتصاديين العالميين منذ أشهر كخطر كبير، السيناريو المقبل في ألمانيا؛ حيث ستشهد أكبر قوة اقتصادية أوروبية -بحسب المنظمة- تراجع ناتجها الإجمالي المحلي بنسبة 0.7% العام المقبل، في انخفاض قدره 2.4 نقطة مئوية مقارنة بالتوقعات السابقة.
مصير الفائدة في 2023.. واستمرار سيناريو الرفع
كما أكدت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أن رفع معدلات الفائدة هو "عامل أساسي" في التباطؤ الحالي إلا أنها تدعو المصارف المركزية إلى مواصلة ذلك لتجنّب زيادة المعدّلات بشكل أكبر في حال استمرّ ارتفاع التضخم.
وقد أنفقت الحكومات في جميع أنحاء أوروبا مليارات اليوروهات لمساعدة الأسر والشركات على مواجهة الارتفاع المفاجئ في تكاليف الطاقة وقد جاءت بعض هذه المساعدات في شكل وضع حدود قصوى لأسعار الطاقة. لكن هذه الحدود القصوى تضعف الحافز للأسر لخفض الاستهلاك. فيما اعتبرت المنظمة التدابير المالية الموجّهة والمؤقتة للأُسر والشركات جزء من الحلّ في مواجهة حالة الطوارئ، فالتدابير التي اتُخذت حتى الآن لكبح ارتفاع أسعار الطاقة كانت "موجّهة بشكل سيئ"، لأنها غالبًا ما كانت تعود بالفائدة لعدد فائض من الأُسر والشركات، مطالبة بأن المساعدات يجب أن تستهدف الأسر الأكثر ضعفا.
أزمة الغذاء العالمية.. وسيناريو تدشين نافذة لمواجهة الصدمات
وعلى مسار تصاعد وتشعب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية المستمرة، وتفاقم أزمة الغذاء العالمية، قال صندوق النقد الدولي إن العالم يواجه الآن واحدة من أسوأ أزمات الغذاء التي تعرض لها منذ أكثر من 10 سنوات، مع تدهور الأمن الغذائي، داعيا إلى التعامل بطريقة حاسمة ومنسقة مع الأزمة.
صندوق النقد قال إنه حتى مع تراجع أسعار الغذاء في الأسواق العالمية خلال الشهور الأخيرة، سيستمر تدهور أوضاع الأمن الغذائي بسبب العديد من العوامل مثل اختناقات سلاسل الإمداد والصعوبات التي تواجه الاستفادة من الحاصلات الأوكرانية وارتفاع أسعار الأسمدة والطاقة.
وتعادل أزمة الغذاء الراهنة على الأقل الأزمة التي تعرض لها العالم عامي 2007 و2008، والتي شهدت نقصا شديدا في الإمدادات ووفاة الكثيرين من الجوع في العالم وفجرت موجات من الاضطراب السياسي والاجتماعي.
وقال صندوق النقد إن هناك 48 دولة مصنفة كأكثر الدول تضررا من الأزمة الحالية بسبب الخلل الكبير في ميزان مدفوعاتها، والنقص الحاد في الأمن الغذائي، في حين تواجه منطقة الساحل وغيرها من مناطق جنوب الصحراء الأفريقية آفاقا أسوأ. وبعيدا عن حجم المعاناة فإن تكلفة هذه الأزمة على اقتصاداتها تقدر بمليارات الدولارات.
وأضاف صندوق النقد أن أي تغيير مفاجئ في أسعار الغذاء والأسمدة سيعني زيادة جديدة في قيمة فواتير الواردات خلال العام المقبل، وستكون في حدود 9 مليارات دولار. كما ستحتاج هذه الدول إلى ما بين 5 و7 مليارات دولار إضافية في ميزانياتها لتخفيف حدة الأزمة على الأسر.
ويعمل حاليًا صندوق النقد الدولي على رسم خريطة منهجية للمستقبل عبر إنشاء "نافذة لمواجهة صدمة الأغذية" من شأنها توفير التمويل في حالات الطوارئ للبلدان التي تواجه مشاكل في ميزان المدفوعات جراء الأزمة العالمية على صعيد القدرة على تحمل أسعار الأغذية.
وما زال من الضروري التفكير لا في سبل ضمان حصول هذه البلدان على الأغذية في الأجل القصير فحسب، بل أيضًا في تعزيز قدرتها على إنتاج الأغذية بكفاءة.
وتحظى الأسمدة باهتمام خاص في ظل رئاسة إندونيسيا لمجموعة العشرين التي ستتكلل بعقد مؤتمر قمة للقادة في بالي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ومن جانبها، أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة جاهزيتها للمساهمة من الناحية الفنية في عملية رسم خارطة الطريق وتحويل النظم الزراعية والغذائية بالتعاون مع البنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى.