السجن المؤبد عقوبة التعليق.. جدل حول "جرائم المعلوماتية" في العراق
جددت مسودة قانون "جرائم المعلوماتية"، في العراق الجدل، ووصف المعنيين بحرية التعبير بعض بنوده بأنها تكميم للأفواه ومحاسبة على النوايا.
وتبرر مراصد الإعلام وحقوق الإنسان في العراق، اعتراضها الحاد على المواد التي تضمنها مقترح قانون الجريمة المعلوماتية من استخدام تلك النصوص في ضرب الحريات الخاصة والعامة تحت غطاء قانوني.
وتتعامل مواد مسودة القانون مع أفعال وممارسات يصنفها المشرع العراقي في مرتبة الجرم ويضع لها العقاب، من بينها إساءة استخدام الحواسيب والأجهزة الإلكترونية والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وواجهت مسودة قانون جرائم المعلوماتية، منذ كتابة مسودتها عام 2007، وظهورها العلني عام 2011، إبان الحكومة الثانية لرئيس الوزراء آنذاك، نوري المالكي، جملة من الانتقادات ومواقف رفض من قبل المنظمات الحقوقية والتشريعية على المستويين الداخلي والخارجي.
وعرض البرلمان العراقي، الاثنين الماضي، مسودة "جرائم المعلوماتية"، المقدمة من لجنة الأمن والدفاع النيابية، وأنهى قراءة ومناقشة بنودها التي تتكون من 23 مادة قانونية، فيما لم يطرح موعداً محدداً للتصويت عليها بشكل نهائي.
وتعد هذه المرة الثانية التي يطرح فيها مشروع القانون على مجلس النواب منذ البدء بكتابة نصوصه المقترحة قبل 14 عاماً.
وسبق هذا تقديم مسودتين بخصوص جرائم المعلوماتية، الأولى عام 2006، قدمتها لجنة الأمن والدفاع النيابية تتكون من 22 مادة قانونية بفقرات متعددة، فيما ظهرت المسودة الأخرى عام 2010، بواقع 57 مادة.
ويتمثل وجه الاعتراض من بعض النخب السياسية والمجتمعية على عرض مسودة القانون بصيغته الحالية دون إدخال التعديلات التي تم الاتفاق عليها قبل نحو عامين، لا سيما المتعلقة بالقذف والتشهير وتهديد الأمن عبر المواقع الإلكترونية.
وكان اجتماع عقد عام 2018، جمع نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي، مع نخب وممثلين من منظمات المجتمع المدني، تضمن وضع تعديلات على بعض الأخطاء التي مررت في مسودة المشروع الأولية، بغية طرحها مجدداً بصيغتها المحدثة.
وتضمنت المسودة الحالية، مواضع تجريم وعقوبات تصل إلى الـ30 سنة، وغرامات مالية كبيرة، بحق كل من يروج لأفكار مادية تتعارض مع عقائد الأديان، أو كل من يساعد على نشر أفكار العنف والتطرف.
ويرى الخبير في القانوني الجنائي، علي التميمي، أن "كل الطرق تؤدي إلى الإدانة " في قانون جرائم المعلوماتية. لافتاً إلى أن "التعاريف الواردة في هذه المسودة مقتضبة وفضفاضة وشبه عائمة وهي تحتاج إلى توضيح".
ويعيب التميمي، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، على مشروع القانون الحالي، موضحاً أنه "لم يتناول الجرائم الخطرة أو معالجتها كالمخدرات والإرهاب والاتجار بالبشر والتحريض على الطائفية والقومية أو التزوير وانتحال الصفات وغسيل الأموال ولم يرجعها إلى قانون العقوبات".
من جانبها، ترى النائبة الكردية رزان دلير، أنه "في الوقت الذي تعاني البلاد من أزمات كبيرة وخطيرة على مستوى الخروقات الأمنية والتحديات الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة، نجد أن البرلمان يقدم قانون جرائم المعلوماتية ويتناسى حجم ومستوى الخطر الذي يهدد العراق وأهله".
وتتابع دلير حديثها مع "العين الإخبارية"، بشان الجدل حول تلك المسودة، موضحة أن "الغرض من تنظيم وتقديم هذه المسودة وضع قيود على حرية المواطن وحقه في النقد الموجه نحو الأداء السياسي وازدراء الأوضاع العامة التي جاءت نتيجة الصراع والخلافات ما بين الأحزاب الحاكمة". وتستدرك بالقول: "لا أدري ربما إذا أقر هذا القانون سأكون مدانة بالجريمة على ذلك التصريح".
وبحسب المسودة التي عرضها البرلمان قبل يومين، تعرف الجرائم المعلوماتية بأنها: "نشاط إجرامي إيجابي أو سلبي تستخدم فيه تقنية متطورة تكنولوجيا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كوسيلة أو كهدف لتنفيذ الفعل الإجرامي العمدي في البيئة المعلوماتية".
كما قسمت تلك الجرائم إلى ثمانية أنواع هي: "الجرائم التي تقع على بيانات وبرامج الجهاز المعلوماتي، وجرائم الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، وجرائم التزوير المعلوماتي، وجريمة التعدي على الأديان والمذاهب ومخالفة النظام والآداب العامة، والجرائم الماسة بأمن الدولة، وجرائم الاتجار بالبشر وترويج المخدرات وغسل الأموال، وجريمة السب والقذف، وجريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة".
وفي الوقت الذي ترتفع فيه أصوات الشجب والاستنكار لبنود جرائم المعلوماتية، لما يمثله من "تهديد صريح للحريات ومصادرة للممارسات الديمقراطية"، تصر المؤسسة البرلمانية في العراق أن تلك المسودة إذا ما أقرت ستكون "من أفضل القوانين على مستوى التشريعات العالمية".
وبحسب بيان لمكتبه، يشير نائب رئيس البرلمان، حسن الكعبي، أن "قانون الجرائم الإلكترونية وبعد التعديلات الكبيرة سيكون المواطن العراقي هو المستفيد الأول والأخير منه".
وكان المرصد العراقي للحريات الصحفية، أبدى مخاوفه من التداعيات المحتملة لتمرير القانون، مؤكداً أن "المصادقة على القانون في ظروف سياسية واجتماعية مضطربة وغير مستقرة، وإقحام الصحفيين ووسائل الإعلام في مضمون القانون، من شأنه أن يهدد حرية التعبير ويعرض الكتاب والصحفيين والمدونين للمحاكمة والسجن".
وأوضح المرصد أن "القانون لم يعرض على الشعب، ولم تجر مناقشته كما ينبغي مع منظمات معنية بحرية التعبير وحقوق الأنسان، مؤكداً أن هذا القانون "قد يضع نصف الشعب في السجن".
وتشير الفقرة الرابعة من المادة 8 من نسخة القانون المعدلة إلى أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات ولاتزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن 10 ملايين دينار عراقي ولاتزيد على 15 مليون دينار عراقي كل من استخدم شبكة المعلوماتية أو أحد اجهزة الحاسوب وما في حكمها بقصد الاعتداء على المبادئ والقيم الدينية او الأسرية أو الاجتماعية".
كما تشير المادة 16 من القانون إلى أنه "يعد مرتكبا جريمة التحريض كل من حرض أو ساعد أو اتفق أو اشترك مع الغير على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، فأن لم تقع الجريمة عوقب بنصف العقوبة المقررة لها قانونا".