أسفرت رحلة تدعيم صندوق المناخ الأخضر عن نتائج ودروس ألخصها في رسائل للمشاركين والمتابعين لقمة المناخ المرتقبة في دبي، إذ اعتبرت رئاسة القمة نجاح التدعيم المالي لهذا الصندوق من مجالات عملها على النحو الذي أوصت به قمة شرم الشيخ في مخرجاتها.
وقد تمت الإشارة لأهمية إنشاء الصندوق في قمة العاصمة الدنماركية كوبنهاغن عام 2009 واتخذ قرار إنشائه في قمة كانكون بالمكسيك لعام 2010 كآلية مالية لمساندة البلدان النامية في تحقيق أهداف تخفيف الانبعاثات الضارة بالمناخ، والتكيف مع آثارها وفقاً للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي.
وفي عام 2011 في قمة دربان الجنوب الأفريقية تم التوافق على آليات الصندوق التنظيمية كأهم مخرج لهذه القمة. ويتخذ الصندوق من مدينة إنشون الكورية مقراً لسكرتاريته التنفيذية تحت إشراف من مجلس مكون من 24 عضواً مناصفة بين البلدان النامية والمتقدمة.
وقد استغرق الصندوق سنوات منذ طرحه كفكرة حتى تفعيله بدفعات لتنفيذ اتفاق باريس لعام 2015. وفي عام 2020 وصلت قيمة التعهدات المالية المقدمة من البلدان المتقدمة إلى 10.3 مليار دولار تأكد استلام 8.24 مليار دولار منها في إطار التعبئة الأولى لموارد الصندوق.
وتزامنت الدورة الجديدة لتدعيم تمويل الصندوق مع قمتي شرم الشيخ ودبي؛ وقد تم تكليف كاتب هذه السطور من مجلس إدارة الصندوق ورئيسيه بتيسير تعبئة الموارد المطلوبة لاستمرار الصندوق في عمله الحيوي للعمل المناخي.
وفي خطاب وجهه لي وزير الخارجية المصري سامح شكري في يناير/كانون الثاني 2023 بصفته رئيساً لقمة شرم الشيخ أكد فيه على أهمية نجاح تدعيم الصندوق مالياً باعتباره آلية مساندة ومساعدة للتحول المنشود نحو مسار تنخفض فيه الانبعاثات الضارة ويكون أكثر متانة ومقاومة للتغيرات المناخية.
وفي لقاءات متعددة مع الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، بصفته رئيساً للقمة القادمة في دبي أكد فيها مساندته للتدعيم المالي للصندوق، كان آخرها ما وجهه أثناء اجتماعات ما قبل القمة التي عقدت في أبوظبي في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويستحق التنويه ما قام به فريقا العمل لرئاستي قمتي شرم الشيخ ودبي من عمل؛ مشيراً لجهود السفيرين وائل أبو المجد ومحمد نصر، وعدنان أمين والسفير ماجد السويدي. هذا فضلاً عن جهود الفريق الحكومي لألمانيا باعتبارها الدولة المضيف لمؤتمر تجديد تمويل الصندوق الذي عقد في بون في الخامس من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتنسيق جيد مع سكرتارية الصندوق ومديرته التنفيذية الجديدة مافالدا دوارتي.
وقد مرت الأيام سريعاً منذ تشاوري أثناء قمة شرم الشيخ وبعدها تمهيداً لإنجاز العمل المطلوب مع العديد من الخبراء أخص منهم بالذكر الدكتور جوانيس لين الذي قام بنفس عملي "كميسر عالمي" في الدورة السابقة للتدعيم المالي للصندوق، والدكتور عمر العريني الخبير الدولي المرموق في تنفيذ آليات العمل المناخي ويانيك جليماريك المدير التنفيذي السابق لصندوق المناخ الأخضر.
أذكر هذه الخلفية وهذه الأسماء ليس فقط من باب التقدير للجهد والمساندة التي تصدرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ونائبته أمينة محمد ومستشاره للعمل المناخي سيلوين هارت، لكن إسهاماً للإضافة للذاكرة المؤسسية لما يجري خلف الكواليس من جهد مضن لتعبئة موارد أساسية لعمل صندوق ذي طبيعة دولية في عالم يشهد ما يشهده من تغيرات متسارعة ومربكات متلاحقة تكاد تهدد التعاون الدولي في مجالاته المتباينة.
الرسالة الأولى: رغم أن الحديث عن الفجوات التمويلية بالتريليونات؛ إذ نعلم مثلاً أن فجوة تمويل العمل المناخي تقدر بحوالي 2.4 تريليون دولار سنوياً للدول النامية بخلاف الصين، إلا أن مجرد الحصول على تعهد من دول متقدمة بالتمويل، ناهيك عن الالتزام بإنفاذه، لمئات أو حتى عشرات الملايين من الدولارات من دول متقدمة للعمل الدولي في مجالات التنمية أو العمل المناخي أمسى يواجه صعوبات كبرى لأسباب سياسية ومالية بتوجيه الموارد لأولويات محلية تتنوع بين الأمني منها والاجتماعي والاقتصادي، في أعقاب الأزمات الصحية والجيوسياسية بين أوبئة وحروب واجهت العالم.
الرسالة الثانية: حملت عملية تدعيم صندوق المناخ الأخضر بين طياتها ثلاثة رموز معبرة تتجاوز حجم التمويل: رمز لمدى إمكانية ثقة البلدان النامية في مصداقية التعهدات؛ ورمز لمصداقية الدول المتقدمة والوفاء بالوعود من قبل البلدان المتقدمة، ورمز للامتنان للتعاون الدولي من قبل دول غير مطالبة بالمساندة، لكنها تطوعت بذلك. وقد عكس إجمالي المبالغ المتعهد بها في بون في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بإجمالي 9.322 مليار دولار هذه الرموز. فقد زادت 72% من الدول الخمس والعشرين تعهداتها عما سبق في الدورة الماضية وأعلنت الخمس دول المتبقية أنها بصدد الإعلان عن تعهداتها أيضاً وبعضها سيعلن ذلك أثناء قمة دبي.
الرسالة الثالثة: أن مسألة التعهدات المالية والالتزام بها لهذا الصندوق تأتي في إطار المائة مليار دولار الشهيرة لتمويل العمل المناخي، التي أُعلنت في كوبنهاغن عام 2009 والتي تعاني من معضلات في منهجية حساب تدفقاتها والتي تظهر ما يتم إعلانه بأعلى مما تستفيد البلدان النامية منه بالفعل، على النحو الذي أشرت إليه في مواضع عدة من قبل.
الرسالة الرابعة: إن عملية تدعيم الصندوق لم تكتف بتقديم التمويل المطلوب لكنها أكدت على عدة محاور لتطوير عمله مستقبلاً:
- البناء على اتساع المشاركات الدولية والانخفاض النسبي لبيروقراطيته.
- دعم مرونة محفظته المالية التي تتنوع بين المنح والمساهمات المباشرة والضمانات والتمويل الميسر خاصة بأنه لا يخضع لتصنيف ائتماني.
- دفع جهود رفع قدرات مؤسسات الدول المستفيدة في تطوير التزاماتها المحددة وطنياً والمساعدة الفنية لمشروعاتها.
- حسم الصفة القانونية للصندوق عبر الدول.
- تحسين كفاءة عملية الاعتماد للشركاء واختصار مدتها شديدة الطول.
- تيسير سرعة الحصول على التمويل برفع كفاءة العمليات الداخلية لعرض المشروعات.
- الانتشار إقليمياً دون الإغراق في تكاليف إدارية وبيروقراطية.
- المشاركة مع القطاع الخاص خاصة المشروعات المتوسطة والصغيرة.
- مستقبل التعاون مع المؤسسات الطوعية خاصة في إدارة المخاطر وبناء القدرات.
- العمل على دمج حلول الاستدامة مع التطبيقات الذكية للتحول الرقمي بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
الرسالة الخامسة: حفاظاً على المصداقية ودفعاً للعمل المناخي أن تقوم الدول الخمس المتبقية والتي أعلنت عن نيتها في التعهد بالتمويل في مؤتمر بون أن تعلن أرقام تعهداتها في قمة دبي.
وأخيراً، فما وجدناه من تحديات أثناء تنسيق حشد تمويل الصندوق لا يتسق مع التقارير الأخيرة الأكثر تفاؤلاً عن واقع ومستقبل التدفقات المالية المناخية، كما أن هناك فرصاً إيجابية للمشاركات تتجاوز زمن بدايات عمل هذا الصندوق تحديداً، بما يستوجب المراجعة العاجلة والشاملة لتحديد التمويل الجديد للعمل المناخي عموماً في عام 2025.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة